وجد الردى في العزّ عين حياته
ورأى مع الذلّ الحياة مماتا
ما مات.. بــل غنم الحياة مشيعّ
تحت الصوارم والأسنة ماتا
" السلام عليك يابن رسول الله، السلام عليك يابن أمير المؤمنين سيد الوصيين، السلام عليك يابن فاطمة سيدة نساء العالمين. السلام عليك يا وعاء النور، السلام عليك ياخازن الكتاب المشهور، السلام عليك ياأس الاسلام، الناصر لدين الله، السلام عليك يانظام المسلمين. أشهد أنك يامولاي من دعائم الدّين، وأركان المسلمين، ومعقل المؤمنين". اخوتنا وأحبتنا المؤمنين الموالين.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته حينما يتبلد الشعور، وتجف الغيرة، وتغبى العقول، وتعمى البصائر.. فإن من الكذب المحض أن يقال بأن هذه الأمة هي أمة ذات حياة، بل هي الى الممات أو الاحتضار أقرب، أو هي تعاني أمراضاً مهلكة ً مؤديةً بها عما قليل ٍ الى الوفاة، أو الى التعويق على أقل الفروض. ومن هنا وجدنا سيد شباب أهل الجنة، أبا عبدالله الحسين صلوات الله عليه نهض بغيرته المحمدية، وشهامته الحيدرية، يحيى في هذه الأمة ضمائرها، بعد أن حاولت غرز رأسها في رمال الذلة، متنصلة عن مسؤوليتها الرسالية التاريخية ! نهض سلام الله عليه بروحٍ شجاعة، وغيرةٍ وقادة، وبصيرةٍ نافذة، يصدع بحقائق الدين، ويكشف أحوال المسلمين، وقد آل أمرهم الى أفسق الفاسقين..هكذا حين يغفل الناس، فيركبهم الجهل أو التجاهل، وتأخذهم الأطماع حتى ينسوا الآخرة أو يتناسوها. نهض ابو عبدالله الحسين ـ يثير في الناس الحرص على الاسلام الذي عاث فيه الطغاة تشويهاً ومحقاً، ويثير فيهم العزة والكرامة اللتين أهينتا على يد الظلمة والعتاة المفسدين. ولم يكن الامام الحسين عليه السلام يوماً ليطلب رئاسة أو ملكاً، كما لم يكن ليخرج من أجل القتل والقتال، والهلاك والاهلاك، حاشاه.. وهو ربيب بيت الوحي والرسالة، وسليل النبوة والامامة، لكنه سلام الله عليه أراد لهذه الأمة كرامتها وصلاحها ونجاتها بدينها، وهو المعلن: " أني لم أخرج أشراً ولابطراً، ولامفسداً ولاظالماً، وانما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي _صلى الله عليه وآله_ ". اخوتنا الاكارم.. لقد دبّ في الناس – أيام حكم بني أمية – أمران: الخوف المهين، والطمع المذل. فقام الامام الحسين عليه السلام الى هذين الأمرين القاتلين للناس يدحرهما، فكسر حواجز الخوف يوم اعترض – وبشدة – على بيعة يزيد بن معاوية، وحين أطلق خطبه تصل الى مسامع الطغاة المتسلطين بالظلم والارعاب على رقاب الأمة، وأعلن مواقفه وان أدت به الى المحاصرة والقتل الفضيع الذي سبق أن أنبأ به، وقد قابل عشرات الألوف من عساكر الشام بسبعين بطلاً، غيورين لا يرهبون الموت، ولا يطمعون في دنياً مذلةٍ تحرمهم من مرضاة الله وألطافه. وهكذا كسر الامام الحسين حواجز الطمع أيضاً يوم أقبل طائعاً لله تبارك وتعالى يستقبل الشهادة بكامل الرضى والشوق الى لقاء الله عزّوجل ّ، يوم أصبحت الشهادة تعني نصرة الاسلام وانقاذه، كما تعني صحوة المسلمين وانقاذهم. وهذا – اخوتنا الأعزة – هوالذي وقع وجرى، فما تمتع المسلمون بحياة الاسلام بعد ذلك الا ببركة دماء سيد الشهداء أبي عبدالله الحسين صلوات الله عليه، وما عادت الحياة الى المسلمين عزيزة ً مكرمة ً بعد ذلك إلا ببركة تضحيات سيد شباب أهل الجنة أبي عبدالله الحسين _سلام الله عليه_، وماحييت القيم الاسلامية الانسانية الرفيعة الا ببركة شهادة ريحانة النبي المصطفى _صلى الله عليه واله_، فاشتعلت جذوة الغيرة والشهامة، والعزة والكرامة، ودّبت الشجاعة الحسينية في النفوس والقلوب اوالضمائر، فكانت في الأمة فتوحات عظيمة، قائمة دائمة مستمرة، معنوية ومادية، ويكفي مصداقاً على ذلك – أيها الاخوة الأعزة – تلك الثورات التي انبثقت بعد واقعة طف كربلاء، فقوضت أركان الحكم الاموي، ومن بعده أركان الحكم العباسي.. لقد تحركت الدماء الجامدة في عروق المسلمين بل أخذت تغلي لا تعرف للخوف من الجلادين، فانفجرت ثورة هنا، وتمرد هناك، وتحرك عسكري في مدينة، وخلع لوالي الحاكم الأموي في مدينةٍ أخرى، هذا..وكان بنو امية قد ظنوا أن الأمة قد ماتت بعد قتلهم الحسين، وانتهت جميع المعارضات، فاذا بالارض تحتهم في زلازل متصلة.. فثورة في مكة كان قتالها عنيفاً، وثورة في المدينة ينهض بها غيور، هو عبدالله ابن الشهيد حنظلة غسيل الملائكة، وأزمة سياسية حادّة في داخل الاسرة الاموية خلّفت انشقاقاً خطيراً أحدثه معاوية الثاني، ابن يزيد بن معاوية، وانفجار آخر بقيادة سليمان بن صرد الخزاعي في حركة التوابين، بعده انفجار مهيب أرهب قتلة الحسين _عليه السلام_، قام به المختار الثقفي في الكوفة فحكمها ثمانية عشر شهراً قتل خلالها ثمانية عشر مجرماً من قتلة الامام الحسين عليه السلام في كربلاء! وهكذا – أيها الاخوة الأحبة – عادت الحياة الى المسلمين يوم تعلموا من الامام الحسين _سلام الله عليه_ دروس العزة والكرامة والشجاعة والغيرة على الاسلام، وكادت حياتهم قبل ذلك أن تقتل حين لفها الجبن والطمع، وحين ذلت كرامتهم للعتاة الظلمة والجلادين.. فقاموا في نهضة ولسان حالهم: على الدنيا العفا اذا كانت الحياة برماً وذلاً، ولم لايطلب المرء عزته ولولم تتحقق الا بالشهادة؟ ! أليس ذلك أشرف له من أن يعيش ذليلاً خانعاً تحت سياط الجلادين ! ولم لايقتدى بسيد الشهداء أبي عبدالله الحسين إمام المسلمين؟!
*******