قال إمامنا السجاد في خطبته – عليه السلام- عند عودته الى المدينة بعد رحلة السبي: "أيها الناس... قتل أبوعبد الله وعترته... وهذه الرزية التي لا مثلها رزية... فلقد بكت السبع الشداد لقتله وبكت البحار بأمواجها والسموات بأركانها والأرض بأرجائها والأشجار بأغصانها والحيتان... والملائكة المقربون وأهل السموات أجمعون...أيها الناس أي قلبٍ لا ينصدع لقتله أم أيّ فؤادٍ لا يحنّ إليه".
السلام عليكم مستمعينا الأكارم ورحمة الله وبركاته...طابت أوقاتكم بكل ما يحبه الله لكم ويرضاه عزوجل... أهلاً بكم في لقاء اليوم من هذا البرنامج وقد افتتحناه بكلامٍ لمولانا الإمام زين العابدين –عليه السلام- إخترناه من خطبته الملحمية التي ألقاها في أهل المدينة عند عودته بركب سبايا آل الرسول – صلى الله عليه وآله- بعد فاجعة الطف الرهيبة...وقد رواها السيد الجليل علي بن طاووس في كتاب (اللهوف). في هذا الكلام المفجع يصرح إمامنا السجاد- عليه السلام- بأن المصاب الحسيني هو الأعظم من بين ما نزل بأولياء الله عزوجل من الأولين والآخرين.
وهذا المعنى صرحت به كثيرٌ من الأحاديث الشريفة المروية عن أهل بيت النبوة- عليهم السلام- إذ أنه المصاب الذي اشتمل على أوسع انتهاك للحرمات الإلهية والمقدسات على مدى التأريخ الإنساني...
وهذا أمرٌ مشهودٌ لكل من تأمل في وقائع يوم عاشوراء ورحلة السبي المؤلم التي كان الإمام زين العابدين- عليه السلام- سيد أعلامها وقد عايش آلامها التي لا تطيقها الجبال الرواسي.
مستمعينا الأفاضل... وبعد الإشارة الى أن المصاب الحسيني هو الأعظم ينطلق رابع أئمة العترة المحمدية- عليهم السلام- للإشارة الى حقيقة أكدتها الأحاديث الشريفة المتحدثة عن قضية الإمام الحسين- سلام الله عليه-، وهي قضية غيبية من جهة وذات آثار مشهودة من جهة ثانية، إنها قضية شمولية التفاعل الكوني العام مع الملحمة الحسينية... فقال – عليه السلام:
"فلقد بكت السبع الشداد لقتله وبكت البحار بأمواجها والسموات بأركانها والأرض بأرجائها والأشجار بأغصانها والحيتان..." ولا يخفى عليكم- إخوة الإيمان- أن هذا القول منطلق من التصريح القرآني بأن لجميع المخلوقات درجات ومراتب من الإحساس والشعور حيث يقول الله عزّ من قائل في الآية ٤٤ من سورة الإسراء: "تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً". والآية الكريمة صريحة في أن جميع المخلوقات تسبح الله عزوجل وتنزهه وتقدسه بما يناسبها من أشكال التسبيح الذي لا يفقهه الإنسان العادي… وقصة تسبيح الحصاة في يد رسول الله صلى الله عليه وآله مشهورة رواها حفاظ السنة من مختلف المذاهب الإسلامية...
ومثلما أن تسبيح المخلوقات لله عزوجل يعبّر عن معرفتها بالله- بدرجة من المعرفة تناسب كل منها- كذلك الحال في بكائها على الإمام الحسين-عليه السلام- فهو يعبر عن أحد مصاديق تسبيحها لله عزوجل من جهة وشعورها بعظمة المصاب الحسيني من جهة ثانية.
أيها الاخوة والأخوات، لنستمع معاً لما يقوله ضيفنا الكريم سماحة (السيد بلال وهبي الباحث الاسلامي من لبنان)، عن دلالات بكاء السموات والأرض والطيور والحيتان والوحوش على المصاب الحسيني:
السيد بلال وهبي: اود القول انه وردت في مصادرنا الكثير من الروايات التي تحدثت عن حزن الكائنات على ابي عبد الله الحسين سلام الله عليه وهذا امر ثبت الى حد ما واستفاضت الروايات في هذا المجال مما يعطي الثقة للمتابع والباحث في ان هذا الامر قد حدث فعلاً من مطر السماء الى اشتدادها الى ظلمتها الى الكائنات الاخرى التي حزنت على الحسين سلام الله تعالى عليه واود هنا ان اقول ان الاتي هنا الى هذا الامر من زاوية انه هل يمكن ان يحدث هذا فعلاً؟ هل يمكن للكائنات ان تحزن على موت انسان؟ في الابحاث العلمية الحديثة نجد ان العلم خرج علينا بما هو مفاده ان هناك ارتباطاً وثيقاُ بين الانسان وبين بعض الكائنات فمثلاً قصة جواد الامام الحسين صلوات الله عليه الذي روى المؤرخون انه لطخ ناصيته من دم الامام الحسين وعاد الى الخيام يصهل صهيلاً عالياً وقد ورد في الحديث ان الامام الصادق سلام الله تعالى عليه قال "كان جواد جدي الحسين يقول الظليمة الظليمة من امة قتلت ابن بنت نبيها" المطلعون على شأن الجياد في هذا الزمان وقبل هذا الزمان يقولون ان هناك علاقة اكيدة تنشأ بين الجواد وبين صاحبه ويروى في هذا المجال روايات من بينها مارواه لي احد الاخوة الثقاة من تجربة حصلت له هو مع جواد ابيه حيث يقول ان اباه كان فارساً وكان عنده فرس وهذه الفرس حينما مات ابوه كانت تبكي وامتنعت عن الطعام والشراب لفترة من الفترات ويقول ان هذا امر متعارف عند مربي الخيول اذن هناك علاقة تنشأ بين الانسان والانسان الاخر واننا نعلم ان الله سبحانه وتعالى سخر كل هذه الموجودات لتكون في خدمة الانسان الذي فضله الله عليها وحمله عليها قال تبارك وتعالى بسم الله الرحمن الرحيم "ولقد كرمنا بني ادم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً" واشار في اية اخرى الى تسخير كل الكائنات لتكون في خدمة الانسان، ان هذه الكائنات التي سخرت لخدمة الانسان واعطي الانسان سلطاناً عليها لابد وان تنشأ بين هذا الانسان علاقة بحيث انها تحزن على هذا الانسان فكيف اذا كان هذا الانسان الامام الحسين سلام الله تعالى عليه ابن بنت رسول الله وخامس اهل الكساء وهو الامام المعصوم المفترض الطاعة هذا اذا اخذناه من زاوية علمية اما اذا اخذناه من زاوية اخرى وهي ان الله سبحانه وتعالى اراد ان يظهر كرامة الامام ومنزلة الامام وموقع الامام في حياة الناس بل في حياة الارض كلها فليس عجيباً ان تصدر هذه الامور من تلك الكائنات لتعلن تأثرها وحزنها على الامام المعصوم في الوقت الذي كان الاخرون يحملون سيوفهم تقطر دماً في ايديهم وهي قد تجرأت على فصل رأس ابن بنت رسول الله عن جسده سلام الله عليه فكأنما اراد الله سبحانه وتعالى في ايحاءه الى هذه الكائنات ان تتأثر على الحسين عليه السلام ولتبدي حزنها وان يقول لهؤلاء الذين قتلوا ابن بنت رسول الله انكم اكثر قسوة من الجمادات، ان الجمادات التي تظنون ان لاشعور فيها ولااحساس بكت الحسين عليه السلام بينما انتم الذين عايشتهم الحسين وتعلمون انه على حق وانه ابن من وحفيد من ومع هذا ولأنكم اغلقتم منافذ قلوبكم، لأن الشهوة والمال وحب الجاه او ربما الخوف احياناً قد سيطر على قلوبكم وعلى افئدتكم جعلكم كل هذا ان تحملوا السيوف لتقتلوا ابا عبد الله الحسين سلام الله تعالى عليه واذا كانت المسئلة هي بيد الله فليس ذلك على الله بعزيز، كيف والله مالك السموات والارض وهو القاهر فوق عباده والذي بيده ازمة الامور يفعل مايشاء، على ان الانسان لايمكنه ان ينكر هذه الوقائع مادام لم يتوصل الى فهم ملكوت السموات والارض بمعنى الى فهم كل الاسباب الحاكمة في هذا الوجود، الانسان وصل الى بعض الاسباب، اكتشف بعضها، تعرف على بعضها ولم يتعرف الى جل الاسباب التي لاتزال خافية على هذا الانسان. نعم ان الكائنات بكت الحسين عليه السلام وليس ذلك بعجيب ابداً على مثل الحسين فليبكي الباكون والسلام عليكم ورحمة الله.
نشكرسماحة (السيد بلال وهبي الباحث الاسلامي من لبنان) على التوضيحات، ونتابع
أحبتنا من صوت الجمهورية الاسلامية في ايران تقديم هذه الحلقة من برنامج (الحسين في كلام المعصومين عليهم السلام)...ونعود أيها الأخوة والأخوات الى كلام إمامنا السجاد- عليه السلام- والذي ابتدأنا به لقاء اليوم، فبعد أن يبين أن المصاب الحسيني هو المصاب الأعظم الذي بكته جميع المخلوقات تسبيحاً له عزوجل يخاطب الأجيال قائلاً: "أيها الناس، أي قلبٍ لا ينصدع لقتله أم أيّ فؤادٍ لا يحنّ إليه..." هذه هي النتيجة التي قدّم لها الإمام السجاد- عليه السلام- بذكر بكاء السموات والأرضين ومن فيهن والملائكة المقربين وأهل السموات أجمعين على مقتل الإمام الحسين- عليه السلام، فما الذي تعنيه وما الذي نستفيده منها؟
في الإجابة عن السؤال المتقدم نقول: إن الإمام زين العابدين – عليه السلام- يخاطب الأجيال والى يوم القيامة بما مؤداه أن الفطرة التي فطر الله الإنسان عليها تدعو الى أمرين:- الأول هو التفاعل القلبي مع مصاب سيد الشهداء سلام الله عليه لأنه يمثل في الواقع أحد مصاديق تسبيح الله وتنزيهه عزوجل مقابل ما فعله شر الخلائق من طواغيت بني أمية وأشياعهم وأتباعهم…
أما الأمرالثاني فهومرتبط (بالفؤاد) والمراد به ما هو أخص من القلب أي الروح الإلهية في الإنسان فينبغي للإنسان أن يجعلها تحن الى الإمام الحسين – عليه السلام- أي أن ترتبط إرتباطاً وجدانياً تتقرب به الى الله عزوجل من خلال تشبعه وعمله بقيم الملحمة الحسينية.
مستمعينا الأفاضل، ها نحن قد وصلنا بكم من صوت الجمهورية الاسلامية في ايران الى مشارف نهاية حلقة أخرى من برنامج (الحسين في كلام المعصومين عليهم السلام)..ومسك ختامها هو عودة الى الكلام السجادي الذي بدأنا به وهو: "أيها الناس... قتل أبوعبد الله وعترته... وهذه الرزية التي لا مثلها رزية... فلقد بكت السبع الشداد لقتله وبكت البحار بأمواجها والسموات بأركانها والأرض بأرجائها والأشجار بأغصانها والحيتان... والملائكة المقربون وأهل السموات أجمعون... أيها الناس أي قلبٍ لا ينصدع لقتله أم أيّ فؤادٍ لا يحنّ إليه".