قال إمامنا ابوالحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام:"إن محرم هو الشهر الذي كان أهل الجاهلية يحرمون فيه الظلم والقتال لحرمته، فما عرفت هذه الأمة حرمة شهرها ولا حرمة نبيها لقد قتلوا في هذا الشهر ذريته وسلبوا نساءه وإنتبهوا ثقله... ولقد بكت السموات السبع والارضون لقتله (يعني الحسين عليه السلام) ولقد نزل من الملائكة أربعة آلاف لنصره. فلم يؤذن لهم، فهم عند قبره شعث غبر الى أن يقوم القائم عليه السلام فيكونون من أنصاره شعارهم يا لثارات الحسين".
السلام عليكم مستمعينا الأكارم ورحمة الله وبركاته… بتوفيق الله نلتقيكم في حلقة اخرى من هذا البرنامج نتدبر فيها ببعض ما قاله مولانا الإمام علي بن موسى الرضا – عليه السلام- عن جده سيد الشهداء- عليه السلام-.
قد إستمعتم آنفاً الى مقطع من كلام الإمام الرضا- عليه السلام- إقتطعناه من حديث طويل رواه الشيخ الصدوق في كتابي الأمالي وعيون الأخبار.
وفي مقدمة هذا المقطع من كلامه- عليه السلام- يشير الإمام الرضا الى إحدى الحرمات الأساسية التي إنتهكها طواغيت بني أمية بقتلهم الحسين- عليه السلام-.
إنها حرمة الشهر الحرام التي كان حتى أهل الجاهلية قبل الاسلام يحترمونها فيحرمون فيها القتال والظلم وإن إستحلوها في غير الأشهرالحرم وهذا يعني أن بني أمية قد بلغوا ذروة التسافل في نقض جميع الحرمات وسبقوا في ذلك حتى أهل الجاهلية الأولى التي جاء الإسلام لهدمها…
لقد خرج الإمام الحسين- عليه السلام- من مكة المكرمة حفظاً لحرمتها بعد أن علم أن يزيد وأشياعه عازمين على قتله ولو كان متعلقاً بأستار الكعبة…وهو– عليه السلام- يعلم أن بني أمية لا يحفظون لله حرمة بيته…لأنهم لا يؤمنون بأي حرمة حتى الحرمات التي أذعن لإحترامها أهل الجاهلية…وقد أثبتوا ذلك بقتلهم له وللذرية النبوية في الشهر الحرام.
مستمعينا الأعزاء…لكننا نلاحظ في كلام مولانا الإمام الرضا- عليه السلام- نسبة عدم حفظ حرمة الشهر الحرام وحرمه نبي الإسلام- صلى الله عليه وآله- الى (الأمة) وليس الى طواغيت بني أمية حيث قال عليه السلام: "فما عرفت هذه الأمة حرمة شهرها ولاحرمة نبيها، لقد قتلوا في هذا الشهر ذريته وسلبوا نساءه وإنتهبوا ثقله".
وفي هذه النسبة إشارة الى مسؤولية الامة الأسلامية جمعاء عن انتهاك هذه الحرمات المقدسة عما فعله طواغيت بني أمية بانتهاكهم المباشر لها، فكأن الامة قد شاركتهم بالسكوت في إنتهاك هذه الحرمات.
وفي جانب اخر من كلامه النوراني يتحدث مولانا الامام الرضا عليه السلام ـ عن نزول افواج الملائكة لنصرة الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء كما نزلوا لنصرة جده المصطفى _صلى الله عليه واله وسلم_ في يوم بدر وغيره من المعارك النبوية… ولكن لم يؤذن لهم بالقتال يوم عاشوراء كما أذن لهم في المعارك النبوية فما الحكمة من ذلك ؟ الاجابة عن هذا السؤال نستمع لها من ضيفنا الكريم سماحة (الشيخ جعفر عساف استاذ الحوزه العلمية من بيروت) لنتأمل معا فيما يقوله.
الشيخ جعفر عساف: اعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم وعظم الله اجوركم التي لازلنا نعيش فيها ذكرى ابي عبد الله الحسين ومصاب ابي عبد الله عليه السلام
نعم ان ماورد في بعض الاحاديث ان الحسين عليه السلام قد امده الله سبحانه وتعالى بالملائكة لنصرته في كربلاء فلم يأذن الحسين عليه السلام بذلك ولكن قبل الدخول في هذا الموضوع اود ان اشير الى ان مسئلة امداد الملائكة للمؤمنين وتأييدهم والعمل على نصرتهم هو امر واضح وبين في الاسلام ولذلك فأن تأييد الملائكة للمسلمين والمؤمنين في الحروب كما حصل في معركة بدر حيث ان الله سبحانه وتعالى كما توضح بعض الايات القرآنية ان الله سبحانه وتعالى مد المؤمنين والمسلمين بالنصر في بدر بعد ان كانوا اذلة في معركة بدر كان النصر بسبب الملائكة فلذلك ان مسئلة دعم الملائكة وتأييدهم للمؤمنين في حروبهم وفي قتالهم هذا امر لامشكلة فيه من الناحية الدينية والاسلامية ولكن هناك بعض التعليق الذي يشكل به البعض انه عندما امد الله تعالى الحسين عليه السلام في كربلاء بهذا الامداد بالملائكة عند ذلك رفض الحسين عليه السلام هذا الامداد، نعم المسئلة هنا في هذا الامر انه كيف رفض الحسين عليه السلام هذا الامداد ولكن ليس هذا امراً كبيراً على الحسين عليه السلام ان يمده الله سبحانه وتعالى بالملائكة لتأييده ولمساندته في معركته في كربلاء ولكن اعتقد ان هذا الامر كان من الحسين عليه السلام الرفض لمساندة الملائكة لايعني ان الحسين عليه السلام لايريد هذا الامداد الالهي وهذا النصر الالهي ولكن الحسين عليه السلام كما تعلمون عندما خرج اصلاً الى كربلاء كانت هدفيته وصل ثورته ومحورها الشهادة وهدفيته الشهادة والقتل في سبيل الله سبحانه وتعالى ولذلك اعتقد ان الحسين عليه السلام عندما يمده الله سبحانه وتعالى، الله تعالى يريد ان يبين ان الحسين عليه السلام يستحق هذا الامداد الالهي ويستحق هذه المساندة الالهية وبدوره الحسين عليه السلام عندما يرفض او لايريد هذه المساعدة من الملائكة لأنها تتنافى مع حتمية الشهادة والقتل في سبيل الله تعالى ولذلك لامانع ان يكون الحسين عليه السلام قد قام بذلك وايضاً هناك امر اخر لعله يمكن ان نستفيده من خلال امداد الحسين عليه السلام بالملائكة ان الحسين عليه السلام اراد الله تعالى ان يظهر كرامته ومكانته من الله تعالى، ان نفس امداد الحسين بالملائكة ونصرة الملائكة لأبي عبد الله الحسين انما يدل على كرامة الحسين وفضل الحسين ومقامه وقربه من الله تعالى ولذلك نجد ان الحسين عليه السلام وهو في اخر لحظات حياته يتألق عشقاً له سبحانه وتعالى ويبين قربه من الله تعالى في بعض ادعيته ودعاءه المهم الذي كان يدعو فيه لله تعالى في تلك اللحظات الحرجة والمؤلمة عندما كان يقول "صبراً على قضاءك يارب لااله سواك ياغياث من لاغياث له" وما الى ذلك من هذه الفقرات التي كانت في دعاء ابي عبد الله الحسين لذلك فأن الحسين عليه السلام لعله لم يكن يريد نصرة الملائكة لأنها قد تتنافى مع هدفية ومحورية شهادة الحسين عليه السلام وقتله في كربلاء وكذلك الله سبحانه وتعالى اراد للحسين ان يبين له هذه المكانة، لم يستعن بالملائكة ليبقى على قيد الحياة بل استعان بالله سبحانه وتعالى واراد الامداد من الله واراد الوصول الى الله سبحانه وتعالى في هذه الشهادة التي كانت شهادة ملأت التاريخ وغيرت الحياة وغيرت مجرى الانسانية.
نشكرسماحة (الشيخ جعفر عساف استاذ الحوزه العلمية من بيروت) على هذه التوضيحات ونشكر لكم أعزاءنا مستمعي إذاعة طهران جميل الإصغاء لحلقة اليوم من برنامج (الحسين في كلام المعصومين عليه السلام).
ونبقى أحباءنا مع حديث مولانا الإمام الرضا وكلامه- سلام الله عليه- عن الملائكة الذين نزلوا لنصرة الحسين- عليه السلام- في يوم عاشوراء فلم يؤذن لهم بالقتال لأن الله عزوجل شاء أن يرى الحسين قتيلاً مع أصحابه وأولاده حتى الرضيع وشاء أن يرى زينب والفاطميات سبايا…شاء ذلك بعد أن رضي الحسين وعياله بتقديره لكي تصبح الملحمة الحسينية الزينبية نبراس هداية لا يطفأ أبدا يهدي أجيال العالمين الى الدين الحق ويعرفهم بحرمات الله ويبعث فيهم روح البراءة من أعدائها على مدى التأريخ.
لقد نزل الملائكة لنصرة سيد الشهداء- عليه السلام- فلم يؤذن لهم بالقتال ولكن لم يغلق أمامهم باب نصرته- سلام الله عليه- بعد إستشهاده…لقد فتحت أمامهم باب واسعة لنصرة الحسين- عليه السلام- هي باب المرابطة في مشهده القدسي…ولكن ما الذي يقومون به نصرةً له عليه السلام في هذه الرابطة؟
يجيبنا مولانا الإمام الرضا- عليه السلام- عن هذا السؤال بوصفه لحال هؤلاء الملائكة المقربين المرابطين في المشهد الحسيني والحافين به، فهو يقول عنهم أنهم (شعثٌّ غبّرٌ) وفي ذلك إشارة الى دوام بكائهم على المصاب الحسيني، وهذه الحالة هي التي تنتقل الى زوار قبر أبي عبد الله الحسين – عليه السلام- من حيث لا يشعرون فنبعث فيهم روح الحزن والبكاء القدسي على مصاب الأعظم…
وهذه الروح الغيورة على حرمات الله هي وقود نصرة خاتم الأوصياء الإمام المهدي- عجل الله فرجه- الذي يطهر الأرض من جميع أشكال الظلم والجور التي أدت الى مقتل سيد الشهداء- عليه السلام- فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً للعالمين. وهذا ما يشير إليه مولانا الإمام الرضا- عليه السلام- بقوله إن شعار هؤلاء الملائكة المقربين هو (يا لثارات الحسين).
وبهذه الإشارة نختم – من إذاعة صوت الجمهورية الاسلامية في ايران – هذه الحلقة من برنامج (الحسين في كلام المعصومين عليه السلام) ومسك ختامها تلاوة الكلام الرضوي الذي إفتتحنا به البرنامج وهو:
قال إمامنا ابوالحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام:
"إن محرم هو الشهر الذي كان أهل الجاهلية يحرمون فيه الظلم والقتال لحرمته، فما عرفت هذه الأمة حرمة شهرها ولا حرمة نبيها لقد قتلوا في هذا الشهر ذريته وسلبوا نساءه وإنتهبوا ثقله…ولقد بكت السموات السبع والارضون لقتله (يعني الحسين عليه السلام) ولقد نزل من الملائكة أربعة آلاف لنصره. فلم يؤذن لهم، فهم عند قبره شعث غبر الى أن يقوم القائم عليه السلام فيكونون من أنصاره شعارهم يا لثارات الحسين".