قال أميرالمؤمنين مولانا الإمام علي- عليه السلام-: "كل عينٍ يوم القيامة باكية...إلا عين من إختصه الله بكرامته وبكى على ما ينتهك من الحسين وآل محمد عليهم السلام...."
أيّها الإخوة الأعزّة...السلام عليكم، وطابت أوقاتكم، وأهلاً ومرحباً بكم.
جاء عن أميرالمؤمنين عليٍّ عليه السلام قوله منبئاً ومبشّراً في الوقت ذاته:
"كلُّ عينٍ يوم القيامة باكية، وكلّ عينٍ يوم القيامة ساهرة، إلاّ عين من اختصّه الله بكرامته، وبكى على ما ينتهك من الحسين وآل محمّدٍ عليهم السلام" … وعن علقمة، روي أنّ الإمام الباقر عليه السلام في بيانه لبعض أعمال عاشوراء بعد زيارة الحسين عليه السلام، قال: ثمّ ليندب الحسين ويبكيه، ويأمر من في داره ممّن لا يتّقيه بالبكاء عليه...وليعزّ بعضهم بعضاً بمصابهم بالحسين عليه السلام...فسأله أحدهم:
كيف يعزّي بعضنا بعضاً؟ فأجابه عليه السلام قائلاً: "تقول: عظّم الله أجورنا بمصابنا بالحسين عليه السلام، وجعلنا وإيّاكم من الطالبين بثأره، مع وليّه الإمام المهديّ من آل محمّد".
مستمعينا الأكارم، من الملاحظ في الأحاديث الشريفة التأكيد المشدد على التفاعل الوجداني مع مصاب الحسين- عليه السلام- وطلب ثأره مع سليله المهدي المنتظر-عجل الله فرجه - فما السر في ذلك؟ نستمع معاً للإجابة عن هذا السؤال من ضيفنا الكريم سماحة (الشيخ جهاد شحروز الباحث الاسلامي من لبنان).
شحرور: اعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى اله الطيبين الطاهرين
السلام عليك يا ابا عبد الله الحسين ورحمة الله وبركاته
الامام الحسين هو قبس من نور النبوة وشعاع من نور الولاية، الامام الحسين بدمه الزاكي الطاهر المبارك اعاد للاسلام روحه، اعاد للاسلام حياته ومن خلال هذا الدم الذي انسكب من شرايينه الطاهرة على ارض كربلاء جرت الدماء في شرايين الاسلام حتى بعث حياً من جديد وقد قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه واله وسلم "حسين مني وانا من حسين، احب الله من احب حسيناً" حسين من رسول الله فهو ابنه وهو لحمته وهو ابن بنته وهو سبطه وريحانته ولكن رسول الله من الحسين يعني رسول الله الرسالة ورسول الله الدين ورسول الله الاسلام والقرآن من هنا نرى ان الامام الحسين عليه السلام له تلك المكانة في قلوب المؤمنين، له تلك المحبة، المودة، ذاك العشق الذي يتجلى عاماً بعد عام وتتعرف عليه الاجيال بعد الاجيال، الامام الحسين عليه الصلاة والسلام له ذاك الحب وقد كشف عنه رسول الله صلى الله عليه واله وسيم بقوله "ان لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لن تبرد ابداً" فعلاً هي لن تبرد حتى يوم القيامة ففي بعض الروايات عندما يصل المؤمنون وتأتي الملائكة لتزفهم الى الجنة واذا بالمؤمنين يتأخرون، يسألون لماذا تأخرتم؟ فيقولون نحن نقف مع ابي عبد الله الحسين والوقوف مع الامام الحسين واحلى واجمل واطيب لدينا من دخول الجنة، هكذا هي محبة الحسين وهذا هو عشق الحسين عليه السلام اما في زيارة عاشوراء هناك ربط كبير بين الامام الحسين عليه السلام وبين حفيده الامام المهدي ودعاء ان نكون من انصار الامام عليه السلام ومن الطالبين بثارات الامام الحسين لأن الشعار الذي يرفعه الامام المهدي سلام الله عليه هو يالثارات الحسين ولأن الامام المهدي عندما يظهر بأبي هو وامي ويسند ظهره الى الكعبة الشريفة ويقول "انا ابن مكة ومنى، انا ابن زمزم وصفا، انا ابن محمد المصطفى، انا ابن علي المرتضى، انا فاطمة الزهراء، انا ابن خديجة الكبرى" يعلن ثورته المباركة ونهضته الشريفة ثم يتوجه الى كربلاء ويصل الى مقام ابي عبد الله الحسين ويمد يده الشريفة ويستخرج الطفل الرضيع، يستخرج طفل الحسين عبد الله الرضيع المذبوح ظلماً وعدواناً، عطشاناً من الوريد الى الوريد، يحمله الامام ليقول لأصحابه، ليقول للواقفين بجانبه والدموع جارية والامام يبكي بدل الدموع دماً لمصيبة جده الحسين يقول ماذنب هذا الطفل حتى يذبح من الوريد الى الوريد وهكذا تكون ثورة المهدي سلام الله عليه وظهور الامام عليه الصلاة والسلام من اجل ان يحق الحق وان يعم العدل في كل ارجاء المعمورة وحتى ينتقم لجده الحسين من ظالميه ومن الذين سفكوا دماءه. اللهم ارزقني في الدنيا زيارة الحسين وفي الاخرة شفاعة الحسين، وفقنا لكي نكون من الطالبين بثارات الامام الحسين مع حفيده الامام المهدي عجل الله فرجه الشريف وصلى الله على محمد واله الطاهرين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نشكرسماحة (الشيخ جهاد شحروز الباحث الاسلامي من لبنان) على هذه الإجابة ونتابع أعزاءنا من إذاعة طهران لقاء اليوم من برنامج ،الحسين في كلام المعصومين عليهم السلام)…. أيّها الإخوة الأحبّة – إنّ قضيّة الإمام الحسين عليه السلام قضيّة عقائديّة وأخلاقيّة وإنسانيّة في الوقت ذاته، والمسلم المؤمن يتعامل معها بشعورٍ سامٍ وبصيرة وغيرةٍ في ذات الوقت، ويجدّ في إحيائها من خلال إقامة الشعائر، وإطلاق البيان اللسانيّ والكتابيّ، وترويج المبادئ الحسينيّة والأهداف الحسينيّة الإنسانيّة النبيلة...ممزوجةً بالتعاطف الوجدانيّ مع تلك المصيبة العظمى والفاجعة الكبرى التي حلّت يومها بالإسلام والمسلمين...
سئل الإمام الصادق عليه السلام: يا ابن رسول الله، كيف صار يوم عاشوراء يوم مصيبةٍ وغمٍّ وجزعٍ وبكاء، دون الذي قبض فيه رسول الله صلّى الله عليه وآله، واليوم الذي ماتت فيه فاطمة عليها السلام، واليوم الذي قتل فيه أميرالمؤمنين عليه السلام، واليوم الذي قتل فيه الحسن عليه السلام بالسم؟
فأجاب عليه السلام: "إنّ يوم الحسين عليه السلام أعظم مصيبةً من جميع سائر الأيّام، وذلك أنّ أصحاب الكساء الذين كانوا أكرم الخلق على الله تعالى، كانوا خمسة..." إلى أن قال عليه السلام: "فلمّا مضى الحسن عليه السلام كان للناس في الحسين عزاءٌ وسلوة، فلمّا قتل الحسين عليه السلام لم يكن بقي من أهل الكساء أحدٌ للناس فيه بعده عزاءٌ وسلوة، فكان ذهابه كذهاب جميعهم، كما كان بقاؤه كبقاء جميعهم، فلذلك صار يومه أعظم مصيبةً".
هذا ما رواه الشيخ الصدوق في (علل الشرائع)، أمّا ابن قولويه فقد روى في كتابه (كامل الزيارة) عن معاوية بن وهبٍ قوله: دخلت على أبي عبد الله الصادق عليه السلام وهو في مصلّاه، فجلست حتّى قضى صلاته، فسمعته وهويناجي ربّه ويقول: "يا من خصّنا بالكرامة، ووعدنا بالشفاعة... إغفرلي ولإخواني، وزوّار قبر أبي الحسين بن عليٍّ صلوات الله عليهما.... اللهمّ إنّ أعداءنا عابوا عليهم خروجهم، فلم ينههم ذلك عن النهوض والشخوص إلينا خلافاً عليهم، فارحم تلك الوجوه التي غيّرتها الشمس، وارحم تلك الخدود التي تقلّب على قبر أبي عبد الله عليه السلام، وارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمةً لنا، وارحم تلك القلوب التي جزعت واحترقت لنا، وارحم الصرخة التي كانت لنا. اللهمّ إنّي استودعك تلك الأنفس وتلك الأبدان، حتّى ترويهم من الحوض يوم العطش".
ونبقى – أيّها الإخوة الأحبّة- مع أهل بيت المصطفى ورواياتهم الشريفة حول الإمام الحسين سيّد شباب أهل الجنّة....فيروي لنا الشيخ الكلينيّ في (الكافي) أنّ الإمام الصادق عليه السلام يسأل سديراً: "يا سدير، تزور قبر الحسين عليه السلام في كلّ يوم؟" فيجيب سدير: جعلت فداك، لا، فيقول له الإمام: فما أجفاكم! فتزورونه في كلّ جمعة...في كلّ شهر؟)) الجواب: لا، "في كلّ سنة؟" الجواب: قد يكون ذلك، فقال له الإمام الصادق عليه السلام: يا سدير، ما أجفاكم للحسين عليه السلام! أما علمت أنّ لله عزّوجلّ ألفي ملكٍ شعثٍ غبرٍ يبكون ويزورون، لا يفترون!"، ثمّ علّمه كيف يزور من بعيد بعد أن اعتذر سدير أنّ بينه وبين القبر الشريف فراسخ كثيرة، قائلاً له: "إصعد فوق سطحك، ثمّ تلّفت يمنةً ويسرة، ثمّ ترفع رأسك إلى السماء، ثمّ تنحونحو القبر وتقول: السلام عليك يا أبا عبد الله، السلام عليك ورحمة الله وبركاته". قال سدير: فربّما فعلت ذلك في الشهر أكثرمن عشرين مرّة. أجل....فلا انقطاع عن الإمام الحسين عليه السلام لا عن قربٍ ولا عن بعد، لا عن أمانٍ ولا عن خوف.ثمّ لا انقطاع
عنه في المناسبات خاصّة بإطلاق العواطف الطيّبة نحوه.
قال الإمام الرضا عليه السلام: "على مثل الحسين فليبك الباكون، فإنّ البكاء عليه يحطّ الذنوب العظام"...ثمّ قال عليه السلام: "كان أبي (أي الإمام موسى الكاظم عليه السلام) إذا دخل شهرالمحرّم لا يرى ضاحكاً، وكانت الكآبة تغلب عليه، حتّى تمضي عشرة أيّام، فإذا كان يوم العاشر، كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه، ويقول: هو اليوم الذي قتل فيه الحسين عليه السلام!".
وها نحن نصل مستمعينا الأكارم من صوت الجمهورية الاسلامية في ايران الى ختام حلقة أخرى من برنامج (الحسين في كلام المعصومين عليهم السلام)..نودعكم سالمين أيها الأعزاء بتذكيركم بالحديث الشريف الذي إخترناه لمطلع هذا اللقاء وهو: قال أميرالمؤمنين مولانا الإمام علي- عليه السلام-: "كل عينٍ يوم القيامة باكية...إلا عين من إختصه الله بكرامته وبكى على ما ينتهك من الحسين وآل محمد عليهم السلام...".