قال مولانا الإمام السجاد – عليه السلام –: "لما اشتد الأمر بالحسين عليه السلام نظر إليه من كان معه فاذا هوبخلافهم لأنهم كلما اشتد الأمر تغيرت الوانهم.. وكان الحسين وبعض من معه – عليه السلام – تشرق الوانهم وتهدأ جوارحهم وتسكن نفوسهم".
إخوتنا الأفاضل.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
في كربلاء.. ويوم عاشوراء، كان لثلاثة أئمّة هداة حضور مقدّس، حتّى إذا استشهد ريحانة النبيّ أبو عبدالله الحسين عليه السلام، بقي ابنه عليّ زين العابدين، وحفيده محمّد الباقر، عليهما السلام، يتجرّعان ذكريات مرّة من واقعة الطفّ إلى آخر حياتهما الشريفة، فقد شاهدا تلك الحوادث المفجعة، من القتل الذريع، والسّبي الممضّ الأليم، فأخذ ذلك من قلبيهما المقدّسين مأخذه العميق.
ولكنّ تكاليف الإمامة دعتهما الى إصلاح الأمّة وتوعيتها، وقد ماتت القلوب وانصرفت النفوس إلى أطماع الدنيا، وغابت المبادئ التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وآله، فكان لابدّ من دم زاك تصحو الأمّة على أنواره الإلهية الساطعة، فتقدّم سيد الشهداء أبوعبدالله الحسين صلوات الله عليه، وقدّم بدنه الطاهر ورأسه المبارك، فتولّى الإمام السجاد عليّ ابنه سلام الله عليه دفنه، وجعل قبره القدسي علما ومناراً للهداية، ليكون مزاراً تطهّر فيه الأرواح والضمائر من أدران الذنوب والمعاصي، وتنقّي القلوب والنفوس من الأطماع المردية والشهوات الجهنمية المهلكة .. فأصبح الإمام الحسين سبباً عظيماً للهداية وللإصلاح وأخذ الأئّمة من بعده يأخذون الناس إلى هذا السبب الشريف في هدايتهم واصلاحهم... فتركز الاهتمام على زيارة المرقد الطاهر لسيد شباب أهل الجنّة، صلوات ربّنا عليه، وفي الزيارة حالات عبادية، واستشفافات أخلاقية، وعواطف إنسانية... هذا فضلاً عن أنّ نصوص الزيارة التي وضعها أهل البيت عليهم السلام قد تضمّنت معارف عقائدية، وتوجّهات عرفانية وولائية... تعيد للإنسان إنسانيته وشخصيته وكرامته وهويته الدينية، وإلّا فبنوأمية كانوا قد استحمروا الناس واستجهلوهم، وجرفوهم إلى معاداة أهل البيت النبويّ الطاهر، بل وحرّضوهم على ظلمهم وتقتيلهم، وتشريد بقاياهم.
في البدء – أيها الإخوة الأحبّة – كان لابدّ من أمور عديدة، منها: توبيخ قتلة الحسين وكلّ من شارك في تلك الجريمة العظمى، أوخذل الحسين فلم ينصره، فأنّبهم الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام في الكوفة في خطبة له لائمة، وجابه الطاغية عبيد الله بن زياد في قصره وردّ عليه شبهته الشيطانية في قتله لوليّ الله الحسين صلوات الله عليه، وعرّف أهل الشام من كان المقتول في كربلاء، وذلك بآية القربى والمودّة، وآية التطهير، وصدع بمظلومية أبيه السبط الشهيد في مجلس يزيد بن معاوية، وردّ على من أكثر الوقيعة في الحسين هنالك قائلاً له: لقد اشتريت مرضاة المخلوق بسخط الخالق، فتبوّأ مقعدك من النار.
ثمّ كان له عليه السلام خطبة تاريخية في ذلك المحفل المزدحم، أذهل العقول، وأيقظ النفوس، وقد عرّف نفسه بأبيه قائلاً: "أنا ابن المرمّل بالدماء، أنا ابن ذبيح كربلاء،.." حتّى ضجّ الناس بالبكاء وخشي يزيد انقلاب الأمر عليه، فأمر المؤذن بالأذان في غير وقته، فلمّا نادى أجابه الإمام عليّ زين العابدين بكلّ مقطع عبارات فهم الناس أنّ الرجل وليّ من أهل بيت النبيّ، حتّى إذا نادى المؤذّن: أشهد أنّ محمّداً رسول الله، قال عليه السلام للمؤذّن: "أسألك بحقّ محمّد أن تسكت حتّى أكلّم هذا! والتفت إلى يزيد قائلاً له: هذا الرسول العزيز الكريم، جدّك أم جدّي؟! فإن قلت جدّك، علم الحاضرون والناس كلّهم أنّك كاذب.. وإن قلت جدّي، فلم قتلت أبي ظلماً وعدواناً، وانتهبت ماله، وسبيت نساءه، فويل لك يوم القيامة إذا كان جدّي خصمك!".
مستمعينا الأكارم.. ونعود الآن الى الحديث المعبّر الذي وصف فيه إمامنا السجاد عليه السلام حالة سيد الشهداء صلوات الله عليه وصحبه الأبرار مع إقتراب موعد الشهادة حيث كانت تشرق ألوانهم وتهدأ جوارحهم وتسكن نفوسهم... المزيد من التوضيح لمعنى هذا الوصف ودلالاته نستمع من ضيفنا الكريم سماحة (الشيخ هادي العقيلي الباحث الاسلامي من العراق).
العقيلي: اعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد وال بيته الطيبين الطاهرين
اقول كلما اقترب موعد الشهادة كلما اشرق وجه ابي عبد الله الحسين، هذا يعني انه لاينظر الى ان الدين المحسوس الذي ينظر اليه هذا وذاك من البشر جميعاً لأن المعصومين عليهم السلام كانوا على دراية وعلى معرفة وعلى فهم حقيقي ودقيق ومعرفة يقينية بالله جل وعلا وبذلك انما يقدمون اغلى شيء يمكن ان يقدمه الانسان ويمتلكه، اقول هذا السرور الذي يجعل ابي عبد الله الحسين يشرق نوره ووجهه الشريف حينما يقترب موعد الشهادة وبذلك نقول ان المعصومين ايضاً كلهم في درجة واحدة وكلهم امام الله سبحانه وتعالى ممن دعا وممن حث الناس وممن قام بدوره على اكمل وجه لكن امامنا الصادق عليه السلام يقول "كلنا سفن النجاة لكن سفينة جدي الحسين اسرع واوسع" مايعني ان مقدار التضحية، مايعني ان مقدار العرفان، مقدار مايقدم من اجل هذه الناس تارة بالكلمة وتارة بالموعظة وتارة بأفتتاح المدارس الدينية والفقهية والاصولية والعقائدية كما فعل الباقر والصادق عليهما السلام وتارة في المظلومية خلف الاسوار كالامام الكاظم عليه السلام والامام الرضا عليه السلام حينما كانا في سجون الظالمين، اقول ماقدمه ابي عبد الله الحسين يفوق كل ذلك حيث انه قدم خمسة من اولاده وخمسة من اخوته وسبعة عشر من اولاد ابي طالب هم خيرة اصحابه ثم قدم روحه ومهجته صريعاً وبقي ثلاثة ايام ورأسه مفصول عن جسده ولم يوارى الثرى وال بيته ونساءه وعياله من ال بيت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يسبون الى حيث الشام.
كانت هذه توضيحات ضيفنا الكريم في هذه الحلقة من برنامج الحسين في كلام المعصومين عليهم السلام سماحة (الشيخ هادي العقيلي الباحث الاسلامي من العراق) فشكراً له وشكراً لكم إخوتنا مستمعي إذاعة صوت الجمهورية الإسلامية في ايران على طيب المتباعة... مستمعينا الأكارم الإمام الباقر صلوات الله وسلامه عليه – عاش محنة كربلاء وهو ابن ثلاث أو أربع سنوات، وشاهد ما شاهد بعينه وكان يحثّ على زيارة جدّه الحسين ولوعلى مشقّه، فيسأل محمد بن مسلم أحد أصحابه المخلصين: هل تأتي قبر الحسين عليه السلام ؟ أجابه: نعم، على خوف، فشجّعه وشوّقه وقال عليه السلام له: ما كان من هذا أشدّ فالثواب فيه على قدر الخوف، ومن خاف في إتيانه آمن الله روعته يوم القيامة، يوم يقوم الناس لربّ العالمين، وانصرف بالمغفرة، وسلّمت عليه الملائكة وزاره النبيّ صلى الله عليه وآله ودعا له، وانقلب بنعمة من الله وفضل لم يمسسه سوء، واتّبع رضوان الله.. أجل – أيها الأحبّة – ففي الزيارة إحياء الدين في الناس، هكذا كان العلاج يومها وما يزال... ويكفينا ما أوردته كتب الزيارات من تعريف بكربلاء وإشارات الى ما كان هناك، ونصوص لزيارة الإمام الحسين عليه السلام بعد بيان فضائلها، وتبيين آدابها.. وعلى رأس النصوص: زيارة عاشوراء المشهورة، ففيها ذكر المصائب، والمودّة الولائية لأهل البيت، والبراءة القاطعة من أعداء النبيّ وآله وأعداء الحسين وقتلته على الخصوص. وأمّا الإمام الصادق عليه السلام – أيها الإخوة الأكارم – فقد نبّه إلى أنّ المصداق الأكمل في خطاب الله تعالى: يا أيتها النفس المطمئنّة ارجعي إلى ربّك راضية مرضية – في سورة الفجر المباركة – هي نفس أبي عبدالله الحسين، المطمئنّة بالله أشدّ الاطمئنان وأتمّه، اسلمها عليه السلام لربّها بذلاً في طاعته ومحبّته، حتّى اشتهرت هذه السورة الشريفة بسورة الحسين سلام الله عليه، وفسّر الإمام الصادق تلك النّفس المقدّسة قائلاً: إنّما يعني الحسين بن عليّ عليه السلام، فهو ذو النفس المطمئنّة الراضية المرضية.
ثم كان للإمام الصادق حثّ على زيارة الحسين حثيث، حتّى سئل يوماً: ما تقول فيمن ترك زيارة الحسين وهو يقدر عليها؟ فأجاب: "أقول: إنّه عقّ رسول الله صلى الله عليه وآله وعقّنا، واستخفّ بأمر هوله".وقال عليه السلام يوماً لأصحابه: "من زار الحسين عليه السلام محتسباً، لا أشراً ولا بطراً، ولا رياءً ولا سمعةً، محّصت عنه ذنوبه كما يمحّص الثوب بالماء فلا يبقى عليه دنس، ويكتب له بكلّ خطوة حجّة، وكلّما وضع قدما عمرة". وكانت له سلام الله عليه نصوص وافرة في بيان فضائل زيارة الإمام الحسين الشهيد، وآدابها، ومتونها الشريفة، وكما كانت له دعوات غيورة في الحزن على سيد الشهداء المظلوم، حتّى قال يوماً لأبي بصير: "أما تحبّ أن تكون فيمن يسعد فاطمة عليها السلام؟"، قال أبوبصير: فبكيت حين قالها، فما قدرت على الكلام من البكاء، وخرجت من عنده فلم أنتفع بطعام، وما جاءني منام!
مستمعينا الأكارم ونعود في ختام هذه الحلقة من برنامج (الحسين في كلام المعصومين عليهم السلام) الى الحديث الشريف الذي افتتحناها به وبقرائته ثانية نودعكم سالمين وهو: قال مولانا الإمام السجاد – عليه السلام –: "لما اشتد الأمر بالحسين عليه السلام نظر إليه من كان معه فاذا هو بخلافهم لأنهم كلما اشتد الأمر تغيرت الوانهم.. وكان الحسين وبعض من معه – عليه السلام – تشرق الوانهم وتهدأ جوارحهم وتسكن نفوسهم".