روي أن أميرالمؤمنين – عليه السلام –: لما مر بكربلا في غزوة صفين أخذ من تربتها فشمها ثم قال: "واها لك أيتها التربة ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة بغير حساب .. هذه كربلاء هاهنا موضع رحالهم.. هاهنا مهراق دمائهم.. صبرا أبا عبدالله، صبرا أبا عبدالله".
السلام عليكم أعزائنا معكم في لقاء آخر من هذا البرنامج نخصصه لبعض ما روي عن مولانا الإمام علي بشأن ولده الحسين – عليهما السلام –..
أعزائنا إن قضية الإمام الحسين عاشت في قلوب أهل البيت عليهم السلام، قضية كبرى، وحادثة عظمى، استأثرت منهم باهتمام كبير واسع ومن جهات عديدة، منها: مسألة الإمامة المغصوبة التي استلبها بنوأمية وهم من عرفوا بجاهليتهم المتأصلة في نفوسهم، كما عرفوا بفسادهم وإفسادهم في الدين والمجتمع. ومنها أيضا: مسألة الهتك الذريع الذي أوقعته السلطة الأموية بالحسين وآل الحسين، أسرة رسول الله صلى الله عليه وآله، يوم عاشوراء وما بعده.. من القتل والتمثيل بالأجساد الطاهرة، وأسر النساء الأرامل والأطفال اليتامى وثواكل آل النبي.
ومن هنا وجدنا الأحاديث الشريفة ركزت – أيها الإخوة الأكارم – على أصالة الإمامة والخلافة النبوية في آل رسول الله، وعلى بيان ما جرى في طف كربلاء، وذلك يستلزم أمرين ضروريين: هما تولي أهل البيت والتبرؤ من أعدائهم وقتلتهم.
وإذا كان للنبي الأكرم إنباءاته وإخباراته حول شهادة سبطه المفدى أبي عبدالله الحسين سلام الله عليه، فإن أميرالمؤمنين عليا أباه صلوات الله عليه كانت له أيضا إنباءاته، إذ هو إمام أطلعه الله تعالى على مغيبات، كما أطلعه مدينة العلم رسول الله عليها في إنباءات، وقد فتح له ألف باب من العلم، من كل باب يفتح ألف باب..من العلوم الإلهية القطعية الصادقة. روى الخوارزمي الحنفي في (مقتل الحسين عليه السلام) عن يحيى الحضرمي، أن الإمام عليا عليه السلام لما سار إلى صفين وحاذى نينوى– أي كربلاء – نادى: (صبرا أبا عبد الله، صبرا أبا عبد الله) وهو بشط الفرات، قال يحيى: فقلت: مالك يا أميرالمؤمنين؟ قال: (دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وعيناه تفيضان، فقلت: بأبي وأمي أنت، مالعينيك تفيضان؟! قال: (قام من عندي جبرئيل آنفا، فأخبرني أن الحسين يقتل بالفرات وقال: فهل لك أن أشمك من تربته؟ قلت: نعم، فقبض قبضة من تراب وأعطانيها، فلم أملك عيني أن فاضتا) (روى ذلك أيضا: أحمد بن حنبل في مسنده، والهيثمي الشافعي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، والحافظ السيوطي في الخصائص الكبرى، والذهبي في تاريخ الإسلام، والطبراني في المعجم الكبير، وسبط ابن الجوزي الحنفي في تذكرة خواص الأئمة وغيرهم كثير).
أيها الإخوة والأخوات وقبل أن نتابع الحديث عن الحسين في كلام أبيه الوصي المرتضى عليهما السلام، نشير إلى أن كثيرا من الأحاديث الشريفة قد صرحت بأهمية أرض كربلاء المقدسة، فلنستمع لأهم خصوصياتها المذكورة في الأحاديث الشريفة. عن هذا الموضوع يحدثنا ضيفنا الكريم سماحة (الشيخ احمد الوائلي الباحث الاسلامي من لندن).
الوائلي: السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
ان الله تعالى فضل، هناك اماكن الله تعالى فضلها وهنالك ازمنة فضلها ايضاً يعني لو اخذنا الكعبة المشرفة، الكعبة المشرفة ماهي الا احجار كبقية الاحجار ولكن الله تعالى جعل فيها هذه الخصوصية بأن الناس تأمها من كل مكان وكذلك التربة الحسينية، ارض كربلاء، الله تعالى جعل في هذه الارض خصوصية لما فيها من كرامة لأن الامام الحسين عليه السلام استشهد في هذه الارض وهذه الارض امتزجت فيها المعاني القيمة التي ناضل وجاهد الامام الحسين من اجلها لتثبيت معالم الدين الاسلامي لذلك عندنا شرعاً بأنه لايجوز اكل الطين يعني عدم جواز اكل الطين الا لو كان هنالك علاج وهو في تربة الامام الحسين، اكل كمية قليلة جداً من هذا الطين لأن فيه شفاء ولذلك الشاعر يقول:
مولى في تربته الشفاء وتحت
قبته الدعاء من كل داع يسمع
هذا الشاعر عندما اتى بهذا الشعر ماجاء به اعتباطاً لأن هذه التربة الرسول الاكرم صلى الله عليه واله ايضاً تروي الروايات ان الرسول صلى الله عليه واله وسلم خرج في يوم من الايام باكياً فعندما سئل، قال آنفاً كان عندي جبرئيل وجاء لي بتربة وهذه التربة في ارض يقال لها كربلاء سيقتل فيها ولدي الامام الحسين واعطى هذه التربة الى ام سلمة وقال لها اذا كانت هذه التربة واذا اصبحت هذه التربة دماً عبيطاً فأعلمي ان ولي الحسين قد استشهد. اذن هذه التربة لها قدسية ولها مكانة عند الله تعالى لأن امتزجت فيها معاني الجهاد ومعاني النضال ومعاني احياء الامة لأن الامة وصلت الى مرحلة في زمن يزيد ان الدين الاسلامي كان يمكن ان ينحرف ولولا واقعة الامام الحسين حقيقة، واقعة الطف لما وصل لنا الدين الاسلامي الذي نحن الان عليه.
نشكر ضيفنا الكريم سماحة (الشيخ احمد الوائلي الباحث الاسلامي من لندن) على هذه التوضيحات كما نشكركم أعزائنا مستمعي صوت الجمهورية الإسلامية في إيران على جميل المتابعة لهذه الحلقة من برنامج الحسين في كلام المعصومين عليهم السلام.
ونبقى أيها الإخوة الأكارم مع أميرالمؤمنين عليه السلام وإخباراته الصادقة في شهادة حبيبه الحسين عليه السلام.. حيث روى ابن عساكر الدمشقي الشافعي في (تاريخ مدينة دمشق) عن هانئ بن أبي هانئ أن عليا عليه السلام قال: (ليقتل الحسين بن علي قتلا، وإني لأعرف تربة الأرض التي يقتل بها). هكذا العبارات العلوية على درجة عليا من التأكيد الجازم.. فيما روى نصر بن مزاحم المنقري في كتابه (وقعة صفين) عن هرثمة بن سليم، قال: غزونا مع علي غزوة صفين، فلما نزلنا بكربلاء صلى بنا، فلما سلم رفع إليه من تربة كربلاء فشمها ثم قال: (واها لك أيتها التربة! ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة بغير حساب) ثم عاد المنقري يروي عن الحسن بن كثير، عن أبيه، أن عليا صلوات الله عليه أتى كربلاء فوقف بها، فقيل: يا أميرالمؤمنين، هذه كربلاء. فقال: (ذات كرب وبلاء!)، ثم أومأ بيده إلى مكان فقال: (هاهنا موضع رحالهم، ومناخ ركابهم)، وأومأ بيده إلى موضع آخر فقال: (هاهنا مهراق دمائهم!).
وعن الحاكم الجشمي، روى الخوارزمي في (مقتل الحسين عليه السلام) أن أميرالمؤمنين عليه السلام لما سار إلى صفين نزل بكربلاء، وقال لابن عباس: (ألا ترى ما هذه البقعة؟) قال: لا، فقال عليه السلام له: (لوعرفتها لبكيت بكائي!)، ثم بكى بكاء شديدا، ثم قال: (مالي ولآل أبي سفيان!!)، ثم التتفت إلى ولده الحسين وقال له يخاطبه: (صبرا يا بني، فقد لقى أبوك منهم مثل الذي تلقى بعده!).
أما الأمر الآخر الذي نبه عليه السلام الإمام أميرالمؤمنين سلام الله عليه بعد بيانه لفضائل ولده الحسين ومظلوميته، فهو وجوب التبري من الظلمة الطغاة.. أجل – أيها الإخوة الأعزة –، وكذا وجوب نصرة ولده المظلوم الشهيد.. ففي كتاب (الغيبة) للنعماني، ورد عنه عليه السلام هذه العبارة: (ألا لعنة الله على العصاة من بني أمية، وبني فلان الخونة، الذين يقتلون الطيبين من ولدي، ولا يراقبون فيهم ذمتي، ولا يخافون الله فيما يفعلونه بحرمتي!).
فيما روى المنقري في (وقعة صفين) أنه عليه السلام قال لقوم كانوا معه لما نزل كربلاء: (ثقل لآل محمد ينزل هاهنا، فويل لهم منكم وويل لكم منهم).. فلما سئل عن معنى ذلك قال: (وويل لهم منكم: تقتلونهم، وويل لكم منهم: يدخلكم الله بقتلهم إلى النار) …وبهذا نصل أيها الإخوة والأخوات إلى ختام حلقة أخرى من برنامج الحسين في كلام المعصومين عليهم السلام من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في إيران نودعكم بقراءة الحديث العلوي الذي افتتحنا به هذا اللقاء وهو:
روي أن أميرالمؤمنين – عليه السلام – لما مر بكربلاء في غزوة صفين، أخذ من تربتها فشمها ثم قال: "واها لك أيتها التربة، ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة بغير حساب.. هذه كربلاء، هاهنا موضع رحالهم.. هاهنا مهراق دمائهم، صبرا أبا عبد الله، صبرا أبا عبد الله".