قال رسول الله – صلى الله عليه وآله –: "أتاني جبرئيل فأخبرني أن أمتي ستقتل إبني هذا – يعني الحسين عليه السلام – وأتاني بتربة من تربته حمراء".
السلام عليكم أيها الأخوة والأخوات
الحديث الذي إفتتحنا به هذا اللقاء رواه أئمة حفاظ عند أهل السنة ومنهم الحاكم النيشابوري في مستدركه على كتابي البخاري ومسلم بما صح على شروطهما في قبول الرواية... كما روي مضمونه بأسانيد عدة في الكتب المعتمدة عن أهل السنة مثل مسند أحمد بن حنبل وغيره.
ويستفاد من كثير من أحاديث أهل بيت النبوة – عليهم السلام – أن الله عزوجل قد أخبره أنبياءه حتى قبل خاتمهم عليه وآله وعليهم أفضل الصلاة والسلام بمقتل سيد الشهداء الإمام الحسين – عليه السلام –... نعم أخوتنا الأعزاء فانّ العالم هذا ومنذ وجد، لم يكن إلّا وكان محمّد وآل محمّد صلوات الله عليه وعليهم أوّل الخلق، إذ لأجلهم وبفيض بركاتهم جعل الله تعالى هذا الخلق، ومن هنا كان لهم ذكر طيب على لسان كلّ وحي أوحي، وعلى لسان كلّ نبيّ بعث ورسول أرسل، وكان للإمام الحسين ذكر خاصّ يتعلّق بعظم مصيبته... فروي أنّ نوحاً عليه السلام لمّا فزع في موقف من رحلته وهو في سفينة نجاته، فدعا، فأتاه جبرئيل عليه السلام يخبره: يا نوح، في هذا الموضع يقتل الحسين سبط محمّد خاتم الأنبياء، وابن سيد الأوصياء. فسأله نوح: ومن القاتل له يا جبرئيل؟ أجابه: قاتله لعين أهل سبع سماوات وسبع أرضين. فلعنه نوح، فسارت سفينته حتّى بلغت الجوديّ فاستقرّت عليه. وهذا شيخ الأنبياء خليل الرحمان إبراهيم عليه السلام يمرّ في أرض كربلاء، فيعثر به فرسه، ويقع على الأرض فيشجّ رأسه ويسيل دمه، فأخذ عليه السلام في الاستغفار، ثمّ السؤال: إلهي، أيّ شيء حدث منّي؟ فيأتي جبرئيل له بالجواب من عند ربّ العزّة: يا إبراهيم، ما حدث منك ذنب، ولكن هنا يقتل سبط خاتم الأنبياء، وابن خاتم الأوصياء، فسال دمك موافقة لدمه... وأخبره بقاتله، فأخذ إبراهيم بلعن قاتل الحسين وهو رافع يديه الطاهرتين.
وذاك إسماعيل صادق الوعد، قال فيه الإمام أبوعبدالله الصادق عليه السلام: إنّ إسماعيل الذي قال الله عزّوجلّ في كتابه: ((واذكر في الكتاب إسماعيل إنّه كان رسولاً نبيا)) (سورة مريم:الايه الرابعة والخمسون) لم يكن إسماعيل بن إبراهيم، بل كان نبياً من الأنبياء، بعثه الله عزّوجلّ إلى قومه فأخذوه فسلخوا فروة رأسه ووجهه، فأتاه ملك فقال: إنّ الله جلّ جلاله بعثني إليك، فمرني بما شئت، فقال: لي أسوة بما يصنع بالحسين.
اخوتنا الأفاضل: وقبل أن نتابع روايات إطلاع الله عزوجل أنبيائه الكرام – عليهم السلام – على المصاب الحسيني، نستمع لضيفنا الكريم سماحة (الشيخ صادث النابلسي مدير حوزة الامام الصادق في صيدا لبنان)، وهو يحدثنا عن الحكمة الإلهية في الإخبار الإلهي المسبق عما سينزل بسيد الشهداء عليه السلام، نستمع معاً:
النابلسي: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد واله الطيبين الطاهرين
من دون ادنى شك ان اخبار الانبياء عن حادثة الحسين وماسيحل بالحسين واهل بيته واصحابه انما تحمل الكثير من الدلالات العميقة ونحن نعلم ان الحسين سلام الله عليه هو وارث الانبياء ووارث النبيين ووارث تاريخهم ووارث علمهم ووارث ايمانهم ووارث رسالتهم وقضاياهم فلذلك لابد من الحديث عن هذه الشخصية المهمة التي تعيد تجديد الدين واحياء منابع التوحيد بشكل كبير وواسع وعلى هذا الاساس انما نحن عندما نحيي ذكرى الامام الحسين عليه السلام نحيي ذكرى الانبياء جميعهم، ذكرى تراثهم العظيم وجهادهم وكفاحهم من اجل ان تثبت عقيدة التوحيد في نفوس وعقول وقلوب كل البشرية جمعاء وعلى هذا الاساس نحن عندما نلاحظ هذا التأكيد الكبير من قبل الانبياء سلام الله تعالى عليهم على هذه الحادثة انما ليذكرونا ان هذا المفصل التاريخي حلقة من الحلقات المتصلة في تلك السلسلة من تاريخ الانبياء ولذلك يجب ان تفهم حادثة الحسين على انها حلقة من هذه الحلقات المترابطة مع نبي الله محمد ومع عيسى ومع موسى ومع ابراهيم ومع كل الانبياء لذلك نحن نعتقد ان حركة الحسين في فهم الانبياء وثورة الحسين في فهم الانبياء وعقلهم انما يعود لمفصلية هذه الحادثة التاريخية المهمة وكذلك نرى ان الانبياء سلام الله تعالى عليهم قد شرحوا اهداف نهضة الحسين والغايات من وراء قيامه والشعارات التي سيقولها في ذلك التاريخ انما يهدف كل هذا الكلام لتمثل الاسلام على حقيقته وتمثل الدين على حقيقته ولتمثل الجهاد على حقيقته، انما يذكر الانبياء سلام الله عليهم مصيبة الحسين ومايحل بأهل بيته وجهاده وكفاحه ونضاله وشهادته ليؤكدوا ان الحسين يمثل دين التوحيد وانه يحفظ تراث الانبياء في شخصيته وفي حضوره وفي جهاده وفي شهادته، هو تجسيد لمشيئة الله وارادته في ان يبقى هذا الدين ديناً حياً وان يبقى هذا الدين ديناً ثورياً يتصف بكل معاني القوة في مواجهة الباطل ومواجهة الفاسدين والمنحرفين.
نشكر سماحة (الشيخ صادث النابلسي مدير حوزة الامام الصادق في صيدا لبنان ) على هذه التوضيحات ونتابع أيها الأعزاء من صوت الجمهورية الإسلامية في ايران تقديم الحلقة العاشرة من برنامج (الحسين في كلام المعصومين)... وقد نقلنا لكم سابقاً عدة روايات عن أهل بيت النبوة – عليهم السلام – بشأن إخبار الله عزوجل لنوح وابراهيم من أنبياء أولي العزم – عليهم السلام – بالمصاب الحسيني الفجيع...
وأمّا موسى الكليم سلام الله عليه، فقد روي في قصصه أيها الإخوة الأحبّة – أنّه كان سائراً ذات يوم مع وصيه يوشع بن نون، فلما وصل أرض كربلاء أنخرق نعله وانقطع شراكه، ودخل الخسك في رجليه (لعلّه نوع من الأشواك)، وسال دم رجليه، فقال مستخبراً: إلهي، أيّ شيء حدث منّي؟ فأوحى الله تعالى إليه أنّ هنا يقتل الحسين عليه السلام، وهنا يسفك دمه، فسال دمك موافقة لدمه، فسأل موسى: ربّ ومن يكون الحسين؟ فجاءه الجواب: هو سبط محمّد المصطفى وابن عليّ المرتضي، فسأل عن قاتله، فأجيب أنّه ذاك اللعين، فرفع موسى يديه وأخذ بلعنه، ويوشع بن نون يؤمّن على دعائه، ثمّ مضى موسى لشأنه.
وقد روى الحافظ السيوطيّ الشافعي في (ذيل اللآلي المصنوعة)، والخوارزميّ الحنفيّ في (مقتل الحسين عليه السلام)، والبدخشيّ في (مفتاح النجا في مناقب آل العبا) أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله ذكر أنّ الله جلّ وعلا قال لنبيه موسى وحياً: يا موسى، لوسألتني في الأوّلين والآخرين لأجبتك، ماخلا قاتل الحسين بن عليّ بن أبي طالب، فإنّي أنتقم له منه! كذلك روي أنّ عيسى ابن مريم عليهما السلام كان يسيح في البراري ومعه الحواريون، فكان أمامه عائق لم يرفع إلّا بعد أن لعن قاتل الحسين، وأمّن على دعائه الحواريون. وروي أيضاً أنّ زكريا عليه السلام سأل الله عزّوجلّ أن يعلّمه أسماء الخمسة، فأهبط عليه جبرئيل فعلمّه تلك الأسماء المقدسة، فإذا ذكر محمداً وعلياً وفاطمة والحسن عليهم الصلاة والسلام سرّي عنه همّه، وانجلى كربه، لكنّه إذا ذكر الحسين خنقته العبرة وهولا يدري، فسأل الله تعالى عن سرّ ذلك، فأنبأه الله تعالى عن قصته.. ذكر ذلك الإمام الحجّة المهديّ عليه السلام، ثمّ قال: فلمّا سمع ذلك زكريا لم يفارق مسجده ثلاثة أيام.. وأقبل على البكاء والنحيب... ثم كان يقول: إلهي ارزقني ولداً تقرّ به عيني على الكبر، فاذا رزقتنيه فافتنيّ بحبّه، ثمّ افجعني به كما تفجع محمداً حبيبك بولده. قال: فرزقه الله يحيي وفجعه به)).
وهكذا – أيها الإخوة الأفاضل – أنّ ذكر الإمام الحسين عليه السلام كان مستأثراً بعناية الله تبارك وتعالى، حتّى أخبر به وبمصائبه جميع أنبيائه ورسله، فتفجّعوا له، وواسوا رسول الله فيه، واشتركوا في عزائه والحزن عليه قبل أن يولد بمئات السنين، وذلك لعظم قدر الإمام الحسين وعظيم منزلته سلام الله عليه، حتّى أصبح ذكره الشريف، والبكاء على رزيته من أسمى العبادات وأشرف القربات، وحتّى صار ذلك من سنن الأنبياء والمرسلين صلوات الله عليهم أجمعين... فسألوا عنه وتعرّفوا عليه، وتكدّرت مهجهم الشريفة حزناً عليه وشوقاً إليه، ثمّ عرّفوا به أنّه وليّ الله المظلوم، ولم ينسوا أن يلعنوا قاتله ويتبرّؤوا إلى الله تعالى منه، فذلك من مستلزمات الولاء والمودّة لأهل البيت النبويّ الطاهر، كما لم ينسوا أن يندّدوا بأعداء آل الله ويعرّفوا الناس بمصيرهم ومآلهم الأسود.
وخير من وصف ذلك من الأنبياء والمرسلين، خاتمهم محمّد المصطفى الأمين، صلوات ربّنا عليه وعلى اله الطيبين... حيث روى عنه الشيخ الصدوق في (عيون أخبار الرضا عليه السلام) أنّه صلى الله عليه وآله قال: - "إنّ قاتل الحسين بن عليّ في تابوت من نار، عليه نصف عذاب أهل الدنيا، وقد شدّت يداه ورجلاه بسلاسل من نار، منكس في النار حتّى يقع في قعر جهنّم، وله ريح يتعوّذ أهل النار إلى ربّهم من شدّة نتنه، وهو فيها خالد ذائق العذاب الأليم، مع جميع من شايع على قتله، كلّما نضجت جلودهم بدّل الله عزّوجلّ عليهم الجلود حتّى يذوقوا العذاب الأليم، لا يفتّر عنهم ساعة ويسقون من حميم جهنّم، فالويل لهم من عذاب الله تعالى في النار!".
أيها الأخوة والأخوات:
والى هنا ينتهي لقاؤنا بكم في الحلقة العاشرة من برنامج (الحسين في كلام المعصومين عليهم السلام)، من إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران... نودعكم بتلاوة الحديث الذي إفتتحنا به هذا اللقاء وهو: -
قال رسول الله – صلي الله عليه وآله –:"أتاني جبرئيل فأخبرني أن أمتي ستقتل إبني هذا – يعني الحسين عليه السلام – وأتاني بتربة من تربته حمراء