جاء في حديث اللوح القدسي المروي من طريق أهل بيت النبوة – عليهم السلام – قول الله عزوجل في الحديث القدسي:
"جعلت حسيناً خازن علمي وأكرمته بالشهادة فهو أفضل من أستشهد وأرفع الشهداء درجة جعلت كلمتي التامة عنده وحجتي البالغة معه".
السلام عليكم أيها الأخوة والأخوات ورحمة الله.. معكم في الحلقة السادسة من هذا البرنامج، ننور فيها قلوبنا بكلام أهل البيت النبوي وهم – عليهم السلام – ينقلون لنا وصفاً إلهيا مؤثراً لسيد الشهداء أبي عبدالله الحسين – صلوات الله عليه – إخوتنا وأعزّتنا المؤمنين... إنّ أأمن طريق لإبلاغ نصوص الدين الحنيف ومتونه وشرائعه، ومفاهيمه و عقائده.. هو طريق العصمة، والعصمة تعني الملكة الإلهية المانعة من الخطأ والسّهو والنسيان، وبذلك تأتي النصوص سليمة من التحريف والتشويه، نزيهة عن التلاعب والتغيير.
وحول الإمام الحسين، كما حول الأئمّة الميامين أوصياء رسول الله صلى الله عليه وآله، ورد خبر عرف بخبر (اللّوح)، رواه الشيخ الصدوق في (عيون أخبار الرضا عليه السلام)، والشيخ الطوسيّ في (أماليه)، والشيخ الكلينيّ في (الكافي)، بسند ينتهي إلى أبي بصير راوياً عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام أنّه قال: قال أبي (أي الإمام الباقر عليه السلام) لجابر بن عبدالله الأنصاريّ (وهو الصحابيّ الجليل المعروف): إنّ لي إليك حاجة، فمتى يخفّ عليك أن أخلو بك أسألك عنها. قال له جابر: أيّ الأوقات أحببت. فخلا به في بعض الأيام فقال له: يا جابر، أخبرني عن اللّوح الذي رأيته في يد أمّي فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله، وما أخبرتك به أمّي أنّه في ذلك اللّوح مكتوب. فقال جابر: أشهد بالله أنّي دخلت على أمّك فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله فهنّيتها بولادة الحسين عليه السلام، ورأيت في يدها لوحاً أخضر ظننت أنّه من زمرّد، ورأيت فيه كتاباً أبيض شبه نور الشمس، فقلت: بأبي أنت وأمّي يا بنت رسول الله، ما هذا اللّوح؟ فقالت: هذا اللّوح أهداه الله إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله، فيه اسم أبي، واسم بعلي، واسم أبنيّ و اسم الأوصياء من ولدي، و أعطانيه أبي ليبشّرني بذلك.
قال جابر: فأعطتنيه أمّك فاطمة، فقرأته واستنسخته. فقال له أبي (والحديث ما يزال للإمام الصادق عليه السلام): فهل لك يا جابر أن تعرضه عليّ؟ فمشى معه أبي إلى منزل جابر، فأخرج صحيفة من رقّ (وهو جلد رقيق يكتب عليه) فقال: يا جابر، أنظر في كتابك لأقرأ عليك. فنظر جابر في نسخته، فقرأه أبي، فما خالف حرف حرفاً، فقال جابر: أشهد أني هكذا رأيته في اللوح مكتوبا..)
مستمعينا الأفاضل، وقبل أن ننقل لكم نص ما رأه الصحابي الجليل جابر الأنصاري – رضوان الله عليه – في حديث اللوح طبق ما نقلته المصادر المعتبرة المذكورة، نتناول سؤالاً يثيره البعض بشأن تلقيب مولانا أبي عبدالله الحسين – عليه السلام – بلقب (سيد الشهداء)، فكيف نفهم ذلك على ضوء الحديث النبوي الشهير (سيد الشهداء حمزة)؟ لنلاحظ معاً ما يقوله بهذا الشأن ضيفنا الكريم سماحة (الشيخ سعيد درويش الباحث الاسلامي في لندن)، نستمع معاً:
درويش: نعم ورد ذلك في الاحاديث المباركة ولكن اذا نظرنا الى سياق الاحاديث التي وردت بحق الشهيد حمزة اسد الله الغالب فأن ذلك وقع في السنة الثانية للهجرة حيث استشهد حمزة في معركة احد وكانت ولادة الحسين عليه السلام بعد تلك المرحلة وحدثت مع الحسين في كربلاء تفوقها بذلك بعشرات السنوات. بالواقع عندما ننظر الى الاحاديث الواردة بحق الحسين صلوات الله وسلامه عليه نلاحظ ان الرسم الرباني بحق الحسين جعله سيد الشهداء على الاطلاق منذ مسيرة رسول الله صلى الله عليه واله حين قال النبي صلى الله عليه واله "حسين مني وانا من حسين، احب الله من احب حسيناً، حسين سبط من الاسباط" فأن تضحية الحمزة رضوان الله تعالى عليه مع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم جعلته في مرحلة النبوة سيد الشهداء واعطاه النبي صلى الله عليه واله هذا اللقب للحمزة رضوان الله تعالى عليه في حركة الاسلام الاولى في مواجهة الكفار والوثنيين الذين حاربوا الرسالة السماوية وبعد ولادة الحسين صلوات الله وسلامه عليه اعطى النبي الحالة القدسية للحسين وارتباط حركة الحسين مع وجود الاسلام في عالم الوجود واستمرار وجوده عندما اعطى هذا التعبير الرباني "حسين مني وانا من حسين، احب الله من احب حسيناً، حسين سبط من الاسباط" وكذلك اكد النبي على العلاقة الربانية لأستمرارية الاسلام بوجود الحسن والحسين عندما قال صلى الله عليه واله"الحسن والحسين ابناي، من احبهما احبني ومن احبني احبه الله ومن احبه الله ادخله الجنة ومن ابغضهما ابغضني ومن ابغضني ابغضه الله ومن ابغضه الله ادخله النار على وجهه" فأن الحسن والحسين جعلا ميزاناً لعالم الاخرة، من عالم الدنيا الى عالم الاخرة لأن يكونا مفصلاً للارتباط مع عالم الاسلام بين دخول عالم التطبيق والخروج من عالم تطبيق الاسلام وهذا التعبير نراه في كلمة انه دخل الجنة في اتباعهما ودخل النار بمخالفتهما وبغضهما وترقت الاحاديث النبوية في ربط الناس بالحسن والحسين عندما قال "الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة" فمن كان سيداً في عالم الدنيا تعطاه السيادة في عالم الاخرة لذلك اصبح الحسين صلوات الله وسلامه عليه بعد ولادته عنواناً لهذه السيادة الربانية واصبح هو سيد الشهداء لما ضحى وقدم صلوات الله وسلامه عليه.
نشكر سماحة (الشيخ سعيد درويش الباحث الاسلامي في لندن) على هذه التوضيحات ونتابع من إذاعة طهران تقديم هذه الحلقة من برنامج (الحسين في كلام المعصومين عليهم السلام) بالعودة الى نقل حديث اللوح وما ورد فيه من وصف سيد الشهداء – صلوات الله عليه – أعزّتنا الأفاضل... هكذا جاء خبر اللّوح الشريف الذي أودعه النبيّ صلى الله عليه وآله ابنته الصدّيقة فاطمة الزهراء سلام الله عليها: "بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من الله العزيز الحكيم * لمحمّد نبيه ونوره و سفيره، وحجابه ودليله * نزل به الرّوح الأمين، من عند ربّ العالمين * عظّم يا محمّد أسمائي، واشكر آلائي، ولا تجحد نعمائي* إنّي أنا الله لا إله إلّا أنا * قاصم الجبّارين، ومديل المظلومين، وديان الدّين* إنّي أنا الله لا إله إلّا أنا، فمن رجا غير فضلي، أو خاف غير عدلي، عذّبته عذاباً لا أعذّبه أحداً من العالمين* فإياي فأعبد، وعليّ توكل * إنّي لم أبعث نبيا فأكملت أيامّه، وأنقضت نبوّته، إلّا جعلت له وصيا * و إنّي فضّلتك على الأنبياء * وفضّلت وصيك على الأوصياء * وأكرمتك بشبليك وسبطيك، حسن وحسين * فجعلت حسناً معدن علمي بعد أنقضاء مدّة أبيه * وجعلت حسيناً خازن وحيي، وأكرمته بالشهادة، وختمت له بالسعادة * فهو أفضل من استشهد، وأرفع الشهداء درجة * جعلت كلمتي التّامّة عنده، وحجّتي البالغة معه * بعترته أثيب وأعاقب، أوّلهم سيد العابدين، وزين أوليائي الماضين * وابنه شبيه جدّه المحمود، محمّد الباقر لعلمي، والمعدن لحكمتي..". وهكذا أيها الإخوة الأعزّة الأكارم – يمضي خبر اللّوح الشريف، وهو كلام الله تبارك وتعالى مهدى إلى رسول الله صلى الله عليه واله، فيه معاني التوحيد، ووصايا الربّ لنبيه، ثمّ فيه تعيين أوصياء المصطفى صلى الله عليه وآله مع بيان بعض خصالهم وخصائصهم سلام الله عليهم، ومن بينهم شبل النبي وسبطه عرّفه الله جل وعلا بأنّه خازن وحي الله، وتلك منزلة عظمى بين أولياء الله، ثمّ أنّ الله أكرمه بالشهادة، وختم له بالسعادة، وليس ذلك فحسب، وإنّما جعله أفضل الشهداء، والأرفع درجة في الشهداء، صلوات الله عليه وعلى جدّه أشرف الأنبياء، وعلى أبيه سيد الأوصياء، وعلى أمّه الزهراء سيدة النساء، وعلى أخيه المجتبي سيد شباب أهل الجنّة في الأوصياء، وعلى أبنائه الأئمّة الأبرار النجباء.
أيها الأخوة والأخوات: ــ وها نحن نصل بتوفيق الله الى ختام سادسة حلقات برنامج (الحسين في كلام المعصومين عليهم السلام) الذي يأتيكم من إذاعة صوت طهران الجمهورية الاسلامية في ايران. نشكر لكم حسن المتابعة وندعوكم في ختام البرنامج للإستماع الي النص الشريف الذي ابتدأنا به هذا اللقاء وهو: جاء في حديث اللوح القدسي المروي من طريق أهل البيت النبوي – عليهم السلام – قول الله عزوجل في الحديث القدسي:
جعلت حسيناً خازن علمي وأكرمته بالشهادة فهو أفضل من إستشهد وأرفع الشهداء درجة جعلت كلمتي التامة عنده وحجتي البالغة معه.