قال رسول الله – صلى الله عليه وآله -:"أن الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة".
السلام عليكم مستمعينا الأكارم ورحمة الله:
معكم وهذا البرنامج ووقفة نتعرف على جانبٍ من منزلة الإمام الحسين –عليه السلام– من خلال ماوصفه به جده المصطفى – صلى الله عليه وآله-.
وحديثنا سيكون في هذا اللقاء سيكون عن الشطر الأول في الحديث النبوي المشهور أي قوله – صلى الله عليه وآله – (الحسين عليه السلام مصباح الهدى) ونترك الحديث عن الشطر الثاني الى الحلقة المقبلة بأذن الله تعالى...
أيها الأخوة الكرام... إن فلسفة الخلق قائمة على الرحمة، إذ هو الله تبارك وتعالى الرحمان الرحيم، وقد ملأت رحمته العوالم وشملت كلَّ شيء، ووسعت كلَّ شيء، وسبقت كلَّ شيء، حتى أنها سبقت غضبه جَل وعلا.. فقام الوجود برحمته، لرحمته، وهو القائل عزّ من قائل: "وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ{۱۱۸} إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ{۱۱۹}" (سورة هود الاية المئة والتاسعة عشرة). قال المفسّر المرحوم السيد محمد حسين الطباطبائي في كتابه (الميزان في تفسير القرآن): إن جُملة مايعطيه التدبّر في الآية المباركة: (إلا من رَحم): إلا من هداه الله من المؤمنين. وقوله تعالى: "وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ"إشارة إلى الرحمة، وهي الغاية التي أرادها الله تعالى من خلقه، ليسعدوا بذلك سعادتهم....وقد سُئل الإمام الصادق عليه السلام عن قول الله عزوجل: "وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ{۱۱۸} إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ" فقال: "خلقهم ليفعلوا ما يستوجبون به رحمته، فيرحمهم".
والرحمة من بني آدم – أيها الأخوة – هي رقة القلب ثمّ عطفُه، ومن الله جل وعلا هي: عطفه وبِرّه وإحسانه..ومن المصاديق العليا لرحمته تبارك وتعالى هدايته، تلك التي يمضي بها المرء على بصيرةٍ ونورانيةٍ وحكمة، وعلمٍ وإيمانٍ وتقوى، وقد هيأها تعالى تلك الهداية عن طريق الأنبياء، ثمّ الأوصياء، وكان منهم محمد ٌ المصطفى الأمين، صلوات الله عليه وعلى آله الميامين، ثمّ منهم أبو عبد الله الحسين الشهيد الذي خصه رسول الله بوصفه منفرداً بأنه مصباح الهدى، وهنا وقبل أن نتابع الحديث نستمع لما يقوله عبدالحميد النجدي الباحث الاسلامي بلندن في الإجابة عن سؤالنا بشأن سر هذا التخصيص مع أن كل أهل البيت –عليهم السلام – مصابيح الهدى نستمع معاً:
النجدي: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على حبيبنا محمد وعلى اهل بيته الطيبين الطاهرين
تخصيص الرسول الاعظم صلى الله عليه واله للحسين عليه السلام بهذه الصفة انه مصباح الهدى، المصباح هو للهداية، لهداية الناس يعني تشبيه هذا النور، تشبيه الهداية بالنور بأعتبار ان النور يكشف الظلمات، يزيل الظلمات وبما ان الظروف الموضوعية التي حدثت فيها ثورة الحسين عليه السلام كانت ظلمات حالكة وظلمات كثيفة جداً خلفها الظلم والعهد الاموي لذلك ثورة الحسين عندما حدثت لم تكن هناك ظلمات بمثل هذه الظلمات التي عاشها الحسين عليه السلام فهو مصباح الهدى لما حصل من ثورة لم تحصل لبقية الائمة عليهم السلام، هذه الثورة هي نور ومصباح اضاءت الظلمات التي كان يعيشها الواقع الموضوعي لتلك الثورة وجاءت هذه الثورة لتبدد تلك الظلمات لذلك النبي صلى الله عليه واله ينظر بمنظار مستقبلي بتعليم من الله سبحانه وتعالى حيث ان الله سبحانه وتعالى اطلعه على بعض الغيب فلذلك وصف الحسين عليه السلام بهذه الحقيقة التي لم تكن كبقية الائمة عليهم السلام اذن هناك علاقة بين ان يكون الحسين مصباح الهدى بهذه الصفة، كلهم مصابيح الهدى، كل الائمة عليهم السلام نور واحد ولكن الظروف الموضوعية هي التي تبرز بعض الصفات للائمة عليهم السلام عن البعض الاخر، هذه هي الحقيقة الموضوعية لهذه الصفة كما ان الحسين سفينة النجاة وكلهم سفن النجاة عليهم السلام بأعتبار انه لكل امام لقب من الالقاب، هناك فرق بين اللقب وبين الكنية، الكنية هي ما ابتدأ بأبن او اب او ابو اما اللقب فهو مايشعر بصفة مدح او ذم فصفات الائمة عليهم السلام بأعتبارهم الكمال الممكن يعني قمة الكمال في الممكنات، في ممكن الوجود فالائمة اكتسبوا هذه الصفات وايضاً برزت هذه الصفات نتيجة للظروف الموضوعية التي مروا بها فتجد ان كل امام من الائمة عليهم السلام له صفة، الامام جعفر الصادق، الامام الكاظم، كلهم كاظمون وكلهم صادقون وكلهم اتقياء وكلهم انقياء وكلهم مجتبون ومصطفون لكن هناك احداث وقعت برزت هذه الصفة في الامام دون تلك الصفات وليس ان هذه الصفة هي اكثر من بقية الصفات في الامام عليه السلام او في بقية الائمة يعني لايوجد تمايز من هذه الناحية، نعم هناك تفاضل بالائمة عليهم السلام كما ان هناك تفاضلاً بين الانبياء عليهم السلام "ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داود زبوراً" هذا التفاضل نتيجة لأمور اخرى موجودة كذلك في الائمة يعني لاشك ان الامام علي هو افضل من الامام الحسن عليه السلام ولاشك ان الامام الحسن عليه السلام هو افضل من الامام الحسين عليه السلام بأعتبار ان الامام الحسن عليه السلام هو امام الامام الحسين عليه السلام ولاشك ان الامام الحسين افضل من الامام زين العابدين عليه السلام، هذا التفاضل موجود اما الصفات فالانبياء كلهم يتصفون بهذه الصفات ولكن الاحداث والظروف الموضوعية التي يمر بها الامام المعصوم هي التي تبرز هذه الصفة دون تلك الصفة.
نشكر الدكتور عبدالحميد النجدي الباحث الاسلامي من لندن على هذه الإجابة ونتابع اعزاءنا مستمعي إذاعة طهران تقديم هذه الحلقة من برنامج (الحسين في كلام المعصومين عليه السلام): ولكي نفهم معنى وصف النبي الأكرم – صلى الله عليه وآله – للحسين –عليه السلام – بأنه مصباح الهدى ينبغي أن نعرف معنى الهداية والهدى.
روى السيد هاشم البحراني قدس سره في كتابه(البرهان في تفسير القرآن) عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال في معنى قوله تعالى: " اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ"، قال: "أرشدنا للزوم الطريق المؤدي إلى محبّتك، والمبلغ إلى جنتك" – وفي رواية: "والمبلّغ إلى دينك، والمانع من أن نتّبع أهواءنا فنعطب، أي نهلك أو نأخذ بآرائنا فنهلك!".
ومن هنا –أيها الأعزة الأكارم – جاء تأويل الصراط المستقيم بولاية محمد وآل محمد صلوات الله عليهم، فهي تعني محبّة الله، وهي تؤدي إلى دين الله وهي تمنع من السقوط في عذاب الله...فهي الهداية الحقة التي من استمسك بها نجا، ومن تولى عنها ضلّ وهوى.. وقد اشتهر عند العامّة والخاصّة بما تواتر وعُرف بحديث السفينة، وهو قول رسول الله صلّى الله عليه وآله: "مثلُ أهل بيتي كمثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها غرق وهوى!". لماذا؟ لأن سبب النجاة يومها أنحصر في سفينة نوحٍ عليه السلام، كذلك أهل البيت أصبحوا سبب نجاةٍ وحدهم بعد رسول الله – صلى الله عليه وآله -، وسبب هدايةٍ ورحمةٍ دون غيرهم بعد النبي صلى الله عليه وآله – وأحد أهل البيت عليهم السلام: هو الحسين بن علي –عليهما السلام – وقد أُثر عنهم أنهم جميعاً سُفن نجاة، ولكن سفينة الحسين أوسع وفي لُجج البحار أسرع!
نعودُ مرّةً اخرى – أيها الإخوة الأحبة إلى مفهوم الهداية، فنجد من يقول بأنها تعني الدلالة، مستفيداً من قوله تعالى: "إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ" (سورة الإسراء: الاية التاسعة)… ونقرأ في ظلّ قوله تعالى: "إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً"(سورة الدهر الاية الثالثة). قول الأمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام معرّفاً كلمة (هديناه) ب: (عرَّفناه)، ثم قال: "إما آخذ، وإما تارك". كذلك عرّف أصحاب اللغة وأهل التفسير والحديث كلمة (الهادي) بأنها تعني الدليل، مستفيدين من الآية الكريمة المباركة في قوله تعالى: "إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ" (سورة الرعد: الية السابعة) ، والآية خطابٌ مع النبي صلى الله عليه وآله أنه هو المنذر، وذلك بينٌ جليّ، أما الهادي فقد عرّفَته الرواياتُ العامّة والخاصّة أنه أميرالمؤمنين عليٌّ عليه السلام....ولكن من سيكون هادياً لهذه الأمّة إذا استُشهد أميرالمؤمنين ياتُرى؟! أليس الأوصياء من بعده خلفاء رسول الله صلى الله عليه وآله، هم الهادين ذلكم الذين أوصى بهم، وعرّف الأُمة بهم، وأفصح لهم عن أسمائهم، بل وكذلك عن ألقابهم ومنهم الإمام الحسين عليه السلام الذي خُص بذلك لشدة آثار نهضته ومظلوميته في الهداية للدين الحق والإنقاذ من الضلالة...فلننره قلوبنا بالحديث النبوي الذي إفتتحنا به اللقاء. وندعوكم به ونحن نختم الحلقة الثانية من برنامج (الحسين في كلام المعصومين عليه السلام) قال رسول الله – صلى الله عليه وآله– إن الحسين مصباح الهدي وسفينة النجاة.