البث المباشر

العلاقة وثيقة بين دعاء عرفة الحسيني ويوم الطف الدامي

الأربعاء 29 مايو 2019 - 12:00 بتوقيت طهران

السلام عليك يا ابن رسول الله، السلام عليك يا ابن أمير المؤمنين، السلام عليك يا أبا عبد الله، السلام عليك يا سيّد أهل الجنّة، ورحمة الله وبركاته. وأشهد أنّك ومن قتل معك شهداء أحياء عند ربّكم ترزقون، وأشهد أنّ قاتليك في النار، أدين الله بالبراءة ممّن قاتلك وممّن قتلك، وشايع عليك، وممّن جمع عليك، وممّن سمع صوتك ولم يجبك.
السلام عليكم إخوتنا إخوة الولاء والإيمان، آجركم الله وأحسن لكم الأجر والثواب، بمصابكم ومصابنا بسبط رسول الله (صلي الله عليه وآله) أبي عبد الله الحسين (صلوات الله عليه)، الذي قتل في صحراء طفّ كربلاء ظمآناً، لم ترع فيه حرمة جدّه المصطفي، ولم يبالوا سيكون عليهم من الوزر والحساب الشديد، وماذا سيكون منهم جواب إذا سئلوا غداً: ماذا فعلوا؟ ومن قتلوا؟
في (المعجم الكبير) للطبرانيّ، و(ذخائر العقبي) للمحبّ الطبريّ، و(تاريخ دمشق) لابن عساكر الشافعيّ وغيرها، أنّ عبيد الله بن زياد لمّا أمر بتسيير السبايا ورؤوس شهداء كربلاء إلي يزيد، سار القوم بذلك، وفي أوّل منزل نزلوا به، إذا بيد تخرج من الحائط معه قلم يكتب بدم عبيط:

أترجو أمّة قتلت حسيناً

شفاعة جدّه يوم الحساب

فلا والله ليس لهم شفيع

وهم يوم القيامة في العذاب

لقد قتلوا الحسين بحكم جور

وخالف أمرهم حكم الكتاب

فهربوا، ثمّ رجعوا فرحلوا من ذلك المنزل. يقول أبو مخنف في مقتله: وإذا هاتف يقول: ماذا تقولون لو قال النبيّ لكم:

ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم!

بعترتي وبأهلي عند مفتقدي

منهم أساري، ومنهم ضرّجوا بدم

ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم

أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي

ولقد كان رسول الله (صلي الله عليه وآله) ينبئ كثيراً في حياته أنّ قوماً يتحيّنون وفاته لينقضّوا علي أهل بيته قتلاً وتنكيلاً، انتقاماً منهم بروح جاهليّة لأسلافهم الكفرة الذين قطع سيف الإسلام رؤوسهم في بدر وحنين. روي أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّ النبيّ (صلي الله عليه وآله) زار أهل بيته يوماً، وبكي عندهم بدموع غزيرة بعد دعاء كان منه، فأكبّ عليه الحسين (عليه السلام) فقال يسأله: يا أبه، رأيتك تصنع ما لم تصنع مثله قطّ!
فأجابه: يا بنيّ، سررت بكم اليوم سروراً لم أسرّ بكم مثله، وإنّ حبيبي جبرئيل أتاني وأخبرني أنّكم قتلي، ومصارعكم شتّي، وأحزنني ذلك، فدعوت الله لكم بالخيرة وفي (أمالي الشيخ الصدوق) أنّ الأصحاب قالوا: يا رسول الله، ما تري واحداً من هؤلاء (أي أهل بيته) إلّا بكيت!
فأخذ رسول الله (صلي الله عليه وآله) يفصّل لهم شهادة أهل بيته: عليّ وفاطمة والحسن المجتبي. حتي بلغ الحسين (عليه السلام) وصفه بالمقامات الرفيعة، والمناقب الرفيعة، حتي قال: وإنّي لمّا رأيته تذكرت ما يصنع به بعدي، كأني به وقد استجار بحرمي وقربي فلا يجار، فأضمّه في منامي إلي صدري، وآمره بالرحلة عن دار هجرتي (أي المدينة)، وأبشّره بالشهادة، فيرتحل عنها إلي أرض مقتله، وموضع مصرعه، أرض كرب وبلاء، وقتل وفناء.
إلي أن قال (صلي الله عليه وآله): كأنّي أنظر إليه وقد رمي بسهم فخرّ عن فرسه صريعاً، ثمّ وعرض المشهد المؤلم المفجع الأخير، ثمّ بكي (صلي الله عليه وآله) وبكي من حوله من الصحابة حتي ارتفعت أصواتهم بالضجيج ف بعدها قام وهو يقول: اللهم إنّي أشكو إليك ما يلقي أهل بيتي بعدي!

*******

المحاورة: بلغة الدعاء ومناجاة الله عزوجل جلّا الحسين (عليه السلام) في يوم عرفة روح التوحيد والتسليم لله جل جلاله، وفي يوم عاشوراء تجلت هذه الروح بلغة الفداء والتضحية. فالعلاقة وثيقة بين دعاء عرفة الحسيني وبين يوم الطف الدامي، لنستمع معاً لما يقوله سماحة الشيخ باقر الصادقي الباحث الاسلامي من مدينة قم المقدسة بهذا الخصوص:
الشيخ باقر الصادقي: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين حبيب اله العالمين ابي القاسم محمد وآله الطاهرين.
عظم الله اجورنا واجوركم بمصابنا بأبي عبد الله الحسين وجعلنا الله واياكم من الاخذين بثاره على يد مولانا الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) يمكن للانسان ان يربط بين دعاء الامام الحسين (عليه السلام) يوم عرفة وبين النهضة، نهضة الامام الحسين الدامية التي وقعت في ارض كربلاء بعدما قدم نفسه الزكية قرباناً لبقاء الاسلام والربط واضح، المتتبع لدعاء عرفة يجد بشكل واضح ان المحبة الالهية في قلب امام الحسين لله سبحانه وتعالى واضحة خصوصاً في هذه الفقرة: «كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر اليك أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك ام متى غبت حتى تحتاج الى دليل يدل عليك ام متى بعدت حتى تكون الاثار هي الموصلة اليك عميت عين لاتراك ولاتزال عليها رقيبة وخسرت صفقة عبد لم تجعل في حبك نصيباً» واضح من خلال هذه الفقرة المحبة الالهية الصادقة للامام الحسين اتجاه ربه: «ماذا وجد من فقدك وما الذي فقد من وجدك» من خلال هذه النصوص وهذه العبائر نجد ان المحبة الالهية واضحة والعبد اذا احب الله عزوجل محبة صادقة قدم لله كل ما يملك ومن هنا نجد ان الامام الحسين (عليه السلام) في الوقت الذي كان يناجي ربه على صعيد عرفة ظهراً تصهره حرارة الشمس هو نفس الامام الحسين (عليه السلام) حينما استدعى الواجب منه ان ينهض في قبال الجور والظلم والطغيان المتمثل بيزيد عصره آنذاك فأخذ اهله واولاده واهل بيته وبني عمومته وجاء بهم الى كربلاء ووقف تلك الوقفة المشرفة، قدم اولاده في ذلك اليوم ليبرهن ان الاولاد من اجل العقيدة ومن اجل الدين هم في الحقيقة في غاية السعادة ان يقوم الانسان بتقديم اولاده في سبيل الله، حينما اقتضى من العلم ان يجاهد المنافقين بنفسه الشريفة قدم نفسه والجود بالنفس اقصى غاية الجود وهكذا بالنسبة الى امواله قدم وبذل كل امواله في سبيل الله حينما كان يقصده الفقراء والضعفاء يستمحون بره وكرمه وجوده فكان يعطيهم بلا تردد، اقبل اليه رجل وقال: «لم يثب اليوم من رجاك ومن حرك من دوني بابك الحلقة انت جواد ابوك معتمد ابوك كان قاتل الفسقة لولا الاولى من اوائلكم كانت علينا الجحيم منطبقة»وبعد ما انتهى الامام من الصلاة قدم له من خلف الباب قال: «خذها فأني اليك معتذر واعلم بأني عليك ذو شفقة لو كان فينا سيء امست سمانا عليك منطبقة لكن ريب الزمان ذوغير واليد مني قليلة النفقة» اذن هنا يقدم الاموال من اجل الله وفي سبيل الله وهكذا يأتي بأهل بيته من اجل الله وفي سبيل الله وهذا يكشف عن المحبة الصادقة للامام الحسين لله تبارك وتعالى فلذلك قدم كل ما يملك من اجل الله وفي سبيل الله فأذن الربط واضح بين دعاء عرفة وبين نهضة الامام الحسين في يوم عاشوراء تلك التي قدم بها دمه الزاكي من اجل ان يبقى الاسلام وفعلاً بقى الاسلام المحمدي الى يومنا هذا ببركة موقف الامام الحسين فسلام على الحسين يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حياً والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.

*******

أجل، لقد كان للبيان الحسيني الذي دوّي من المدينة إلي كربلاء مقدّمات نبويّة صريحة اشتهرت بين صحابة رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وبقي يعلن للناس ما سيجري محذّراً مرّةً ومستنصراً أخريف ومعرّفاً ثالثة. كما روي الخوارزميّ الحنفيّ في كتابه (مقتل الحسين عليه السلام) أنّ النبيّ توقّف في سفر كان له، ثمّ استرجع ودمعت عيناه، فسئل عن ذلك فقال: «هذا جبريل يخبرني عن أرض بشاطئ الفرات يقال لها "كربلاء" يقتل فيها ولدي الحسين بن فاطمة.
قيل: ومن يقتله يا رسول الله؟
قال: رجل يقال له (يزيد) لا بارك الله في نفسه وبعد عودته من سفره خطب في أصحابه إلي أن قال: اللهم وقد أخبرني جبريل بأنّ ولدي هذا مقتول مخذول، اللهم فبارك لي في قتله، واجعله من سادات الشهداء، إنّك علي كلّ شيء قدير، اللهم ولا تبارك في قاتله وخاذله.
قال الراوي: فضجّ الناس في المسجد بالبكاء، فقال لهم النبي: أتبكون ولا تنصرونه؟! اللهم فكن أنت ولياً وناصراً.
وحتي ساعته الأخيرة وهو علي فراش الاحتضار والرحيل، بكي (صلي الله عليه وآله) حتي بلّت دموعه لحيته.
فقيل: يا رسول الله ما يبكيك؟!
فقال: أبكي لذرّيتي وما تصنع بهم شرار أمّتي من بعدي!
نعم، أعلمهم رسول الله حتي أيقنوا، وطالما ذكرهم الحسين (عليه السلام) بذلك في بياناته الشريفة حتي ساعاته الأخيرة، يريدهم أن ينجوا من مهلكتهم العظمي إذا أقدموا علي قتله، فنادي بهم يوم عاشوراء: (أيها الناس! إنسبوني من أنا، ثمّ ارجعوا إلي أنفسكم وعاتبوها، وانظروا هل يحل لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟! ألست ابن بنت نبيّكم؟!).
إلي أن قال لهم: (فوالله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبيّ غيري فيكم ولا في غيركم).
هذا بيان اللسان، ومن قبل وبعد كانوا يرون فيه بيان الجنان، فتلك ملامحه في محياة تذكر برسول الله وشمائله، فذاك أبو هريرة قد قال يوماً: دخل الحسين بن عليّ يوماً وهو معتمّ، فظننت أنّ النبيّ قد بعث وذاك أنس بن مالك قال وقد رأي الحسين (عليه السلام): كان أشبههم برسول الله. وكتب المفكر المصريّ عبد الله العلايلي في مؤلّفه (سمّو الذات في سمّو المعني) قائلاً:
جاء في أخبار الحسين: أنّه كان صورة احتبكت ظلالها من أشكال جدّه العظيم، فأفاض النبيّ (صلي الله عليه وآله) عليه إشعاعةً غامرةً من حبّه، وأشياء نفسه، ليتم له من وراء الصورة معناها، فتكون حقيقة من بعد، كما كانت من قبل: إنسانية ارتقت إلي (أنا من حسين) ونبوّةً انسابت في إنسانيّة (حسين مني).
إذا كيف تجرّأ القوم علي قتله تلك القتلة الشنيعة، والمثلة به في تلك الواقعة الفضيعة؟! بعد تلك البيانات التي ملأت الآفاق من أحاديث رسول الله (صلي الله عليه وآله) في معالي مناقب الحسين، ومراقي منازله، ومقاماته الرفيعة عند الله تعالي وعند جدّه المصطفي.
كتب ابن حجر العسقلاني الشافعي في مؤلّفة (الإصابة في تمييز الصحابة) أنّ إبراهيم النّخعيّ قال: لو كنت فيمن قاتل الحسين ثمّ دخلت الجنّة، لاستحييت أن أنظر إلي وجه رسول الله (صلي الله عليه وآله)!

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة