إن إحدى الخطوات الأكثر تحديا في مكافحة السرطان هي الكشف المبكر عنه. ففي المراحل المبكرة من تكوين الأورام، تبدو الأنسجة طبيعية تماما وتحدث تغيرات كبيرة على مستوى التمثيل الغذائي للخلايا لا تستطيع طرق التشخيص الشائعة مثل الموجات فوق الصوتية والتصوير الشعاعي تحديدها، لأن هذه الطرق تفحص شكل الأنسجة وحجمها فقط.
في هذه الأثناء، تدخل تقنيات التصوير النووي، بما في ذلك الطب النووي، هذا المجال. وتحقن في هذه الطرق، كمية صغيرة جدا من مادة مشعة (نظير مشع) في الجسم مما تُمكّن أجهزة التصوير من مراقبة نشاط الخلايا بدقة عالية.
على سبيل المثال، بما أن الخلايا السرطانية تستهلك جلوكوزًا أكثر من الخلايا السليمة، فإن الجزيئات الشبيهة بالجلوكوز، المُعلّمة بالنظائر المشعة، تمتصها هذه الخلايا بسهولة أكبر وتظهر كبقع أكثر سطوعا في الصور. وتتيح هذه القدرة الكشف المبكر عن الأورام، حتى في مراحلها المبكرة جدًا، واكتشاف النقائل الخفية، وهو أمر يمكن إجراؤه في وقت أبكر بكثير من طرق مثل التصوير بالرنين المغناطيسي أو التصوير المقطعي المحوسب.
لا تقتصر التكنولوجيا النووية على التشخيص فحسب، بل تُقدم أيضًا حلولًا علاجية مبتكرة. ويُعد العلاج الإشعاعي التقليدي، الذي يُوجّه الإشعاع من خارج الأوارم، طريقة معروفة، ولكنه غالبًا ما يُصاحبه تلف في الأنسجة السليمة المحيطة بها.
في المقابل، أحدث العلاج الإشعاعي المُوجَّه، ثورةً في مجال العلاج باستخدام التكنولوجيا الحيوية. وتوسم في هذه الطريقة، أجسام مضادة مُحددة قادرة على الارتباط بالخلايا السرطانية بنظائر مُشعَّة مُوجَّهة. ويرتبط هذا المُركَّب مُباشرةً بالخلايا السرطانية ويُدمِّر خلايا الأورام دون الإضرار بالأنسجة السليمة.
إيران، رائدة في إنتاج الأدوية الإشعاعية والفرص الاقتصادية
وفقًا لتقرير صادر عن مقر التكنولوجيا الحيوية، الصحة والتقنيات الطبية التابع للمعاونية العلمية لرئاسة الجمهورية الإيرانية، تجاوزت قيمة سوق الأدوية الإشعاعية العالمية 6.8 مليار دولار أمريكي في عام 2024، ومن المتوقع أن تصل إلى 14 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2034.
وقد قطعت إيران شوطًا كبيرًا في هذا المجال. وكانت إيران تستورد جزءًا كبيرًا من الأدوية الإشعاعية قبل عام 2009م، ولكنه تم إطلاق مشروع لإنتاج الأدوية الإشعاعية محليًا بالتعاون مع منظمة الطاقة الذرية الإيرانية.
تُعَدُّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية اليوم من بين الدول الثلاث الأولى عالميا في إنتاج الأدوية الإشعاعية، وتُنتج حوالي 70 نوعًا منها. ويُلبي هذا الإنجاز احتياجات 230 مركزًا طبيًا و6500 مركز للطب النووي في جميع أنحاء البلاد، بالإضافة إلى تصديرها إلى 15 دولة حول العالم، محققًا عائدات من النقد الأجنبي للبلاد بلغت حوالي 70 مليون دولار في عام 2025. ومع ذلك، لا تزال واردات بعض النظائر الخام من دول مثل روسيا تُكلف ما بين 100 ألف و300 ألف دولار سنويا، مما يُشير إلى الحاجة إلى مزيد من التطوير في هذا المجال.
تلعب الطاقة النووية، دورا حيويا في ضمان صحة المجتمع ورفاهيته بعيدا عن الاعتبارات العسكرية. وأن تقييد أو فرض عقوبات على إيران في هذا المجال يستهدف صحة المواطنين بشكل مباشر.
إن الدمج الذكي لهذه التقنية مع التكنولوجيا الحيوية والمعرفة الطبية جعلها أحد الركائز الأساسية للتشخيص والعلاج الحديثين. لذلك، يُعدّ الدعم المُوجَّه والمستمر لهذا المجال سبيلاً حيوياً للتقدم وضمان مستقبل صحي أفضل للبلاد.