البث المباشر

تأريخ المشهد الحسيني في القرن الهجري الاول

الأحد 26 مايو 2019 - 09:31 بتوقيت طهران

قد قلت للركب الطلاع كأنهم

ربد النسور على ذرى أطوادها:

قف بي وبو لوث الازرار فانما

هي مهجة علق الهوى بفؤادها

بالطفّ حيث غدا مراق دمائها

ومناخ أينقها ليوم جلادها

القفرُ من أوراقها، والطير من

طراقها، والوحش من عوّادها

تجري لها حبب الدموع وإنما

حبّ القلوب يكنّ من أمدادها

اللهم ثبتني على طاعتك، وطاعة رسولك، وذريته النجباء السعداء صلواتك عليهم ورحمتك، وسلامك وبركاتك، وتحييني ما أحييتني على طاعتهم، وتميتني إذا أمتني على طاعتهم، وأن لا تمحوا من قلبي مودتهم ومحبتهم، وبغض أعدائهم ومرافقة اوليائهم، وبرّهم ولا تتوفاني الا بعد أن ترزقني حج بيتك الحرام، وزيارة قبر نبيك وقبور الائمة (عليهم السلام).
ما زلنا نتقصى من خلال بعض الاخبار والتاريخ صورة تقريبية لمرقد الامام الحسين (عليه السلام) منذ القرن الهجري الاول، وكيف أن القبر في بادئ أمره كان بارزاً ثم بني عليه سقيفة، كما أسس عند مسجده، وهكذا حتى وضع عليه صندوق الضريح المبارك، ثم عمر على يد المختار الثقفي لما تولى الحكم على الكوفة، فبنى فوق المرقد قبة من الجص والآجر. والآن كيف لنا ان نتصور ذلك المرقد الطاهر في القرن الاول؟
كتب السيد الكليدار في كتابه الفاخر (تاريخ كربلاء وحائر الحسين (عليه السلام)): المرقد ـ يومذاك ـ هو بناء مربع الشكل، يتراوح كل ضلع منه بين عشرين الى خمسة وعشرين متراً، يستقر بناؤه على قاعدة مستوية ترتفع بعض الشيء عن سطح الارض تبعاً للاصول المتبعة منذ القديم في العراق، خشية تسرب الرطوبة الى اسس البناء، وتعلو من جوانب المرقد جدران مرتفعة هندسية الشكل، منظمة الهيئة، مطلية من خراجها بالكلس الابيض الناصع، فيلمع للناظر عن بعد كبيضة نعامة في وسط الصحراء، وفوق هذا البناء الجميل البسيط تستقر سقيفة تعلوها قبة هي أول قبة من قباب الاسلام ـ لا ما ذهب اليه طه الوليّ في كتابه (المساجد في الاسلام) من أن اول قبة في الاسلام هي قبة الصخرة في القدس ـ بل هي قبة حرم الامام الحسين الخالدة، والتي خيمت لأول مرة في الجانب الشرقي من الجزيرة العربية بين صفة الفرات وحافة الصحراء في الاتجاه الشماليّ.
نعم، وما زلنا مع السيد الكليدار في وصفه للمرقد الحسيني الزاهر في القرن الهجري الاول ـ حيث يقول مضيفاً: وتخرج من وسط جدران الحائر ثغرتان: احداهما نحو الجنوب ـ وهي المدخل الرئيسي للحائر المقدس كما هو لحد اليوم، والاخرى من جهة الشرق ـ وهي المخل الذي يصل بين الحائر والمدينة (مدينة كربلاء المقدسة) الى حيث مرقد أبي الفضل العباس (عليه السلام) على مشرعة الفرات، وقد زيّن حول كل مدخل منهما بالخطوط والنقوش البارزة - تحمل الآيات القرآنية المخطوطة بالكتابة الكوفية القديمة، في طليعتها قوله تعالى: «وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ».
ثمة قضية مهمة جذبت انتباه كثير من المحققين فيما يرتبط طبيعة توزيع معالم المشهد الحسيني المبارك وترتيب قبور شهداء الملحمة الحسينية، فمن الثابت تأريخياً أن توزيع هذه القبور بالوضع الحالي تم تحت إشراف أمام معصوم هو الامام السجاد (سلام الله عليه) فما هي أوجه الحكمة في هذا التوزيع؟

*******

نتلمس الاجابة عن هذا التساؤل في كلام خطيب المنبر الحسيني سماحة السيد محمد الشوكي في الحديث الهاتفي التالي:
المحاور: هناك قضية مهمة جلبت انتباه الكثير من المحققين فيما يرتبط بطبيعة توزيع معالم المشهد الحسيني المبارك وترتيب قبور شهداء الملحمة الحسينية، فمن الثابت تاريخياً ان توزيع هذه القبور بالوضع الحالي تم تحت اشراف امام معصوم هو الامام السجاد (سلام الله عليه)، فما هي اوجه الحكمة في هذا التوزيع، نتلمس الاجابة عن هذا التساؤل في كلام خطيب المنبر الحسيني سماحة السيد محمد الشوكي؟
السيد محمد الشوكي: اعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، الحقيقة فيما يرتبط بتقسيم القبور والمدافن في هذه المواضع المعروفة التي نزورها ونترك بها ونسأله تعالى ان لا يقطع عنا زيارتها، ربما هناك حكم ولطائف واسرار في توزيعها على هذا الشكل، طبعاً بالنسبة الى اصحاب الامام الحسين (سلام الله عليه) نعرف انهم دفنوا في حفرة واحدة باجمعهم، طبيعة الحال الامام الحسين (سلام الله عليه) كان كل ما وقع شهيد من الشهداء حمله الى خيمة خصصها لاجساد الشهداء الطاهرة فكان يحمل فيها اصحابه، هكذا ابناء عمومته بني هاشم (سلام الله عليهم) الذين استشهدوا في كربلاء، فكان يجمعهم بهذه الخيمة، في بعض الاخبار افرد خيمتين خيمة للاصحاب وخيمة لبني هاشم، لكنهم جمعوا في قبر واحد، الا البعض منهم من الاصحاب واهل البيت، بالنسبة للاصحاب مثلاً الحر معروف ان قبره بعيد نسبياً عن مدافن الاولياء (سلام الله عليهم)، وهناك خبر ان عشيرته قامت بدفنه بهذا الموضع، وربما هذا فيه دلالات بان يدفن بهذا الموضع كثيرة، كذلك بالنسبة لاهل البيت (عليهم السلام) نجد ابا الفضل العباس (سلام الله عليه) دفن ايضاً في مكانه لانه لم ينقل الى الخيام و"القضية معروفة" بان ابا الفضل هو الذي طلب ان يبقى في مكانه ولا يحمل الى الخيام، فبقي هناك ودفن هناك، ربما ليكون معلماً لانه كان بالامكان من بعد مقتله ان يجمع مع بقية الشهداء، ولكن ابا الفضل العباس (سلام الله عليه) شخصية متميزة بين الثوار، ونحن نعرف انه ظهر الحسين (سلام الله عليه) وهو ظهر عصي على المصائب انحنا وكسر عند وفاة واستشهاد العباس (سلام الله عليه)، فدفن في مكانه مع انه كان بالامكان ان يحمل ويدفن مع الشهداء بعد مقتله، صحيح هو لم يقبل ان يحمل لما كان حياً لكن كان بالامكان ان يحمل بعد موته، فربما تكون الحكمة انه لم ينقل ولم يدفن مع الشهداء ليكون معلماً بارزاً للتضحية والفداء والوفاء يأمه الناس اجمعون على مر التاريخ كما هو حاصل، كذلك علي الاكبر مثلاً (سلام الله عليه) افرد عن بقية الشهداء مع ان بنو هاشم ايضاً دفنوا مع الاصحاب في حفيرة واحدة وفي قدر واحد كبير لكن علي الاكبر (سلام الله عليه) افرد ايضاً عن بني عمومته وعن الاصحاب ودفن في اقرب نقطة الى الحسين (سلام الله عليه) عند رجلي ابا عبد الله الحسين صلوات الله وسلامه عليه، ربما ايضاً للدلالة على قرب هذا الولد المبارك وهذه النسمة الطاهرة من ابيه، طبعاً يقولون بانه ما كان يفارقه حتى بالطريق الى كربلاء كان الاكبر (سلام الله عليه) دائماً ملازم للحسين كان الاقرب الى الحسين (سلام الله عليه)، هذا القرب ايضاً استمر حتى في القبر كان الصق الناس به (سلام الله عليه)، بطبيعة الحال يوم القيامة وفي الآخرة هم اقرب الناس الى بعض، طبعاً ربما يدل على طاعة هذا الشاب العلوي الكريم عندما يكون دائماً امام والده وبين يدي ابيه وامام رجلي ابيه، هذه فيها رمز للطاعة والامتثال للاوامر والخضوع امام سيد الشهداء (سلام الله عليه)، اقول ربما في توزيع القبور بهذه الطريقة حكم ودلالات ينبغي ان نستشعرها وينبغي ان نستوحيها والحمد لله رب العالمين.
شكراً لسماحة السيد محمد الشوكي وشكراً لاعزائنا ونتابع معكم ما تبقى من برنامج "ارض الحسين (عليه السلام)".

*******

حديثنا فيها عن تأريخ المشهد الحسيني في القرن الهجري الاول ونعود مرة اخرى الى السيد عبد الجواد الكليدار في كتابه (تاريخ كربلاء وحائر الحسين (عليه السلام))، فنجده (رحمه الله) يستفيد من بعض الاخبار الواردة في: إقبال الاعمال للسيد ابن طاووس، وكامل الزيارات لابن قولويه، وأعيان الشيعة للسيد محسن الامين وغيرها أن الحائر الحسيني المقدّس في الربع الاول من القرن الهجري الثاني، وربما في أواخر القرن الاول، كان ظاهراً عامراً معروفاً، يقصده الزائرون من كل مكان، وكان له نظام يقوم بتنظيمه وخدمته القومة والسدنة، ولا يدخله أحد الا بإذنهم. وكان اولئك السدنة على غاية من النظافة تفوح منهم روائح طيبة وهم مرتدون الملابس البيض للقيام بالخدمة. وكان الزائرون يتوافدون من الاماكن القريبة المجاورة ومن المناطق النائية البعيدة، الى زيارة قبر سيّد الشهداء أبي عبد الله الحسين (سلام الله عليه)، وكان البعض يقطعون طريقهم اليه مشياً على الاقدام، لا سيما في ليالي الجمعات.
وقد وضع الحكم الاموي الجائر مسالح على حدود كربلاء لمنع الزوّار من الوصول الى المرقد الشريف، منزلين بهم أشد الايذاء ما يصل منه أحياناً الى القتل! حتى أخذ الزائرون يتخذون قرية الغاضرية القريبة ملجأ ومحطا ً لرحالهم قرب كربلاء، ليتسللوا منها خفية ً الى القبر الزاكي.
ولأهمية إحياء أمر أهل البيت عامة، وأمر الامام الحسين (عليه السلام) خاصّة ومنه زيارته، حثّ الائمة صلوات الله عليهم على زيارة الحائر الحسيني المقدس، وأمروا الزائرين باتخاذ مقام لهم في قرية نينوى، أو الغاضرية.. فمنها بعد الغسل، وفي جنح الظلام وستر الليل، كان الزائرون يلجون ـ أفراداً وجماعات - الى الحائر الشريف لزيارة القبر المطهر، ثم ينصرفون من عنده قبل طلوع الفجر، خشية مواجهة مسالح الأمويين لهم!
فسلام على السبط الشهيد، ريحانة رسول الله وسلام على زائريه بالارواح والابدان طاعة وحباً لله واللعنة على مبغضيه أعداء الله.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة