قوم علا بنيانهم من هاشم
فرع أشم وسؤدد متأثل
اولئك آل أبي طالب، جمعوا المآثر الحميدة، الى الانساب الشريفة، والاخلاق الكريمة، الى الحنيفية الابراهيمية التي واصلوها بالمحمدية البيضاء، والعلوية الحيدرية العالياء، فشمخ بهم العزّ والإباء عن الخضوع للظلمة الأدعياء.
وتلك خطبة الامام الحسين (عليه السلام) تصدع في افق التاريخ: "ألا وإن الدعيّ ابن الدعي، قد ركز بين اثنتين، بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وطهرت، وأنوف حمية، ونفوس أبية، من أن نؤثر طاعة اللئام، على مصارع الكرام".
ولما كان عاشوراء، واشتد الأمر على الحسين وآل الحسين، رأى الناس من آل ابي طالب بأساً عجيباً وشهامة عالية، وإقداماً وعزماً شديدين. فأقبلوا على الشهادة يتسابقون اليها، فاستشهد جمع كبير منهم، وكان من الشهداء الابرار ولدان لعبد الله ابن الشهيد جعفر الطيار، تقدم عون فاستشهد وهو ابن العقيلة المكرمة زينب الكبرى بنت امير المؤمنين، وأما الثاني فهو محمد بن عبد الله بن جعفر رضوان الله عليه. فيكون هذا الشهيد الهاشمي الطالبيّ وأخوه عون من اسرة المجد الاثيل والشرف العريق. أبوه عبد الله بن جعفر، ذلك الرجل الجليل، امه المرأة الفاضلة أسماء بنت عميس، وأبوه الشهيد السعيد جعفر الطيار، وزوجته العقيلة الطاهرة زينب الكبرى (سلام الله عليها). وقد عُرف عبد الله بجوده وسخائه حتى ضرب به المثل، وكان يحظى بعناية خاصة من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، لا سيما بعد شهادة ابيه جعفر الطيار رضوان الله عليه. وقد روى أن النبي خصه بهذا الدعاء: اللهم بارك له في صفقته. فبورك له.
ولما رأى عبد الله بن بن جعفر ابا عبد الله الحسين عازماً على الرحيل من المدينة حذر عليه لشدة تعلقه به، وأراد أن يصرفه عن سفره لشدة محبته له، وأخذ له كتاب أمان من والي مكة، إلا أنّ الحسين (عليه السلام) لم يقبل ذلك ابداً، وقال لابن عمه عبد الله لن جعفر: "إني رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المنام، وأمرني بما أنا ماض ٍ له".
فلما يئس عبد من صرفه عن المسير، ولربما كان له عذر عن الرحيل معه، أمر ابنيه عوناً ومحمداً بلزوم خالهما الامام الحسين (عليه السلام)، والمسير معه والجهاد بين يديه والتضحية دونه فلبيا حتى استشهدا في أرض الطف بكربلاء يوم عاشوراء، فكانا من المزورين على ألسنة البيت النبوي الطاهر، فيقول الزائر وهو ينسبهما الى جدهما الشهيد جعفر الطيار: ""السلام على الشهداء من ولد أمير المؤمنين، السلام على الشهداء من ولد الحسن، السلام على الشهداء من ولد الحسين، السلام على الشهداء من ولد جعفر وعقيل".
*******
ومن الامور المثير للانتباه في واقعة الطف العظيمة، مواقف الحوراء زينب (سلام الله عليها) من استشهاد ولدها واخوتها وأولادهم الذين ليس لهم من نظير، عن بعض أبعاد هذه المواقف يحدثنا خطيب المنبر الحسيني سماحة الشيخ باقر الصادقي في الاتصال الهاتفي التالي:
الشيخ باقر الصادقي: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطاهرين، ان مواقف امهات الهاشميين في تشجيع ابنائهن على الاستشهاد والتضحية والفداء هذه المواقف لا تنسى ولا تنكر، فضلاً عن العزم الذي يمتلكه الابناء حينما اقبل القاسم بن الامام الحسن المجتبى ليستأذن عمه الحسين فمانعه البراز فقال انت السلوى والعلامة من اخي، فرجع ووضع يديه بين ركبتيه واخذ يبكي لانه لم يأذن له عمه في ان يتقدم، الا ان عاوده الاذن بعد وصية من ابيه وانطلق، وفي الحقيقة هذا شاهد وهذا موقف امهات الهاشميين بلا شك لهن دور واضح في تربية ابنائهن على البسالة والتضحية والسير في هذا الخط الذي رسمه الائمة عليهم السلام ابتداءاً من امير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه الى بقية الائمة، فهم في الحقيقة لهم ميدان السبق في هذا المجال، ولو ولد ابو طالب جميع الناس لصاروا شجعانا، ومن هنا نلاحظ الكثير في ملحمة الطف من المواقف التي تؤيد وتؤكد على ان الامهات كان لهن هذا الدور في الشجاعة وفي الحماسة حتى من غير نساء بني هاشم حينما كان يمنع الامام الحسين بعض الغلمان كان يرجع الى امه، امه تقول له بني لا ارضى عنك حتى تبيض وجهي امام فاطمة الزهراء، وكانت ربما تقوم ببعض الافعال كما قامت احدى النساء تطويل الثياب وقالت لولدها امشي على طرف اصابعك حتى يتبين ان عمره كبير وحجمه كبير، هذه في الحقيقة مواقف ان دل على شيء انما تدل على التضحية والبسالة عند امهات الهاشميين وامهات الانصار الذين كانوا في ركب الامام الحسين (عليه السلام)، من هنا كان سلام الامام الحسين على اصحابه وعلى اهل بيته، اما بعد فاني لا اعلم اصحاباً خير من اصحابي ولا اهل بيت ابر واوفى من اهل بيتي، فجزاكم الله عني جميعاً خيراً، ويمكن ان نلمس هذا المعنى كذلك في حوار الامام الحسين مع اخته العقيلة زينب حينما قالت له هل تعلم في نيات اصحابك؟
"قال: بلى اخيه قد بلوتهم وخبرتهم فلم اجد فيهم الا الاشوس الاقعس يستأنسون بالمنية دوني استئناس الطفل بمحالب امه، فاذن هذا الدور لامهات الهاشميين دور بارز وواضح في شعب الهمم والتشجيع على التضحية والقتال دون ابن بنت رسول الله، جزاهم الله خير جزاء المحسنين، والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
*******
حديثنا فيها عن شهداء كربلاء من ولد زوج العقيلة زينب عبد الله بن جعفر وقد تقدم الحديث عن استشهاد عون (عليه السلام). وأما شهادة محمد بن عبد الله بن جعفر، فيذكرها المؤرخون على هذه الصورة: بعد شهادة محمد بن أبي سعيد بن عقيل بن أبي طالب رضوان الله عليهم، برز محمد بن عبد الله بن جعفر رضوان الله عليه الى ساحة المعركة وهو يرتجز ويقول:
نشكو الى الله من العدوان
فعال قوم في الردى عميان
قد بدلوا معالم القرآن
ومحكم التنزيل والتبيان
وأظهروا الكفر مع الطغيان
ثم قاتل قتالاً شديداً، حتى تمكن من قتل عشرة رجال، وقيل: تسعة عشر رجلاً، واستمر في مطاردة الاعداء، ميمماً وجهه نحو مصرع الشهادة، وقلبه نحة مرضاة الله تبارك وتعالى، فاصيب بضربات عميقة، ثم كانت شهادته على أيد احد اللئام، وهو عامر بن نهشل التميمي. كما روى الاصفهاني في (مقاتل الطالبيين)، والمجلسي في (بحار الانوار)، والطبريّ في (تاريخه) إلا أنه سمى القاتل بـ (عامر بن نهشل التيميّ، لا التميمي). كذلك ورد اسم هذا القاتل في (مثير الاحزان) لابن نما، و(الارشاد) للشيخ المفيد، وغيرهما في ذكر حملة آل ابي طالب، فقيل: وحمل عامر بن نهشي التميمي على محمد بن عبد الله بن جعفر بن ابي طالب فقتله. وفي محمد هذا الشهيد البارّ، قال سليمان بن قتة يرثيه:
وسميّ النبي غودر فيهم
قد علوه بصارم ٍ مصقول
فإذا ما بكيت عيني فجودي
بدموع تسيل كل مسيل
وخير من ذلك وأسمى رثاء الامام المهدي المنتظر صلوات الله عليه وعلى آبائه الطيبين، حيث يقول في زيارته له وللشهداء يوم عاشوراء: السلام على محمد بن عبد الله بن جعفر، الشاهد مكان ابيه، والتالي لأخيه، واقيه ببدنه. لعن الله قاتله عامر بن نهشل التميميّ.
ونذكر بعض أخبار التاريخ أن كان لمحمد هذا رضوان الله عليه أخ له هو عبيد الله بن عبد الله بن جعفر بن ابي طالب رضوان الله عليهم، هكذا نصّ عليه أبو الفرج الاصفهانيّ.
فيما ذكر المورخون أنّ عبيد الله بن عبد الله كان شاباً صغيراً يافعاً، لم يبلغ من العمر الا اثني عشر عاماً، مع ذلك فقد جاهد بين يدي إمامه وابن عمه الحسين (سلام الله عليه)، حتى تمكن من قتل سبعة رجال وجرح العديد من عسكر الاعداء، ومضى يقاومهم وهم جموع وحده، الى أن ضعفت قواه، فهجم عليه بعض جنود ابن سعد فقتلوه، رضوان الله تعالى عليه.
*******