السلام عليكم مستمعينا الأكارم ورحمة الله وبركاته، تحية طيبة مفعمة بهدى الإسلام نهديها لكم مرحبين بكم في لقاء اليوم مع قصص الذين هداهم الله إلى دين الحق.
أيها الإخوة والأخوات، لا يمكن لأي بيئة ينشأ فيها الإنسان ومهما كانت بعيدة عن الدين أن تمنع وصول أنوار الدين الحق لمن يطلبه، وهذا من مصاديق رحمة الله بعباده.
هذه الحقيقة المهمة هي الدرس المحوري المهم الذي نستفيده من قصة هذه الحلقة، إنها قصة إعتناق الأخت (تاتانيا فاليري) ولدت وعاشت في مركز الإتحاد الشيوعي ونشأت على مبادئه وقيمه، ننقل لكم قصتها مقتبسة من مقابلة طويلة أجرتها معها مجلة (نور الإسلام) اللبنانية في عددها المزدوج (٦۷ و ٦۸) الصادر في شهر محرم الحرام سنة ۱٤۱٦ للهجرة، تابعونا على بركة الله.
مستمعينا الأطائب تحدثنا الأخت (تاتانيا) عن البيئة التي نشأت فيها فتقول ما ترجمته: (ولدت في أسرة ذات مستوى ثقافي جيّد، فقد كان أبي يعمل مسؤولاً في مصنع لقطع السيارات، وكانت أمّي تعمل محاسبة في شركة للحاسبات الإلكترونية، والدي من روسيا البيضاء، ووالدتي أوكرانيّة، وجدّي يوغسلافي، وجدّتي بولونية، وقد جمعت بذلك بين أصول مختلفة، وقد ولدت في (كييف) عاصمة أوكرانيا سنة ۱۳۸۹هـ، وأنا البنت الكبرى لعائلة من ثلاثة أولاد، وكانت علاقتي بأسرتي حميمة، وكنّا نعيش كأيّ أسرة شرقية، تعتنق المذهب الارثوذكسي كدين تقليدي، حيث يذهب أكثر الناس هناك إلى الكنيسة انسجاما فقط مع التقاليد والعادات، وليس بسبب الإيمان بتلك الشعائر والطقوس; لأنّ المفاهيم الماركسية كانت قد أوجدت جوّاً معادياً لأيّة عقيدة دينية!
وبموجب تلك الأنظمة التي كانت سائدة، كان يحظر على الطلاب المسيحيين من الشبيبة الروسية أن يذهبوا إلى الكنيسة لغرض العبادة، بل كان يسمح لهم بذلك على اعتبار أنّ الكنائس هي كالمتاحف، أماكن للزيارة والاستطلاع وليست للصلاة.
وقد كانت الثقافة التعليمية في المدارس تستخدم الآيديولوجية القائمة على أساس الإلحاد، ولم أكن أعرف إلاّ هذه التعاليم التي تدور حول ماركس ولينين والنظام الشيوعي الذي كان يتحتّم علينا الإخلاص له. وكنّا نتلقّى بعض المعلومات الدينية التي تنظر إلى الدين كحركة اجتماعية مرّت وعبرت، كشكل من أشكال الوعي الاجتماعي، هذه نقطة أساسية أولى. والنقطة الثانية تقوم
على اعتبار أنّ المادّة في في المقام الأوّل، ثمّ يأتي الوعي الذي هو في نظرهم، شكل من أشكال المادة).
هذه، مستمعينا الأفاضل، هي البيئة التي نشأت فيها هذه الأخت وقد ذكرت أنها للقيم الشيوعية قبل تعرفها إلى الإسلام ولكن ذلك لم يحجبها عن القبول بالهدى الإلهي عندما هيأ الله لها أسبابه وبذلك تخلصت من الحيرة، تقول هذه الأخت الروسية ما ترجمته: (كنت أشعر منذ البداية في ظلّ النظام الماركسي بثغرات على مستوى الفكر والعقيدة، وكانت هناك بضعة أسئلة فطرية تلحّ عليّ باصرار، ولا أجد لها جواباً، وبالإضافة إلى دوافع الفطرة التي هيّأتني إلى دخول الجّو الجديد، كان تعرّفي على نموذج جديد في الفكر من خلال تعرفي على الشاب الذي أصبح فيما بعد زوجي، وقد ساعدني ذلك على الخروج من واقعي الحائر، فكان اللقاء معه نقطة بداية للدخول إلى أجواء الإسلام، وكانت هذه الفرصة مهمّة، كونها ساعدتني على مراجعة آرائي السابقة وتمحيص الثقافة والأفكار التي تربّيت عليها.
وبداية كان التساؤل عن أصل الإنسان (النظرية الداروينية) عن النشوء والارتقاء، مسيطراً عليّ، والسؤال المحور كان هل المادة أوّلاً أم الوعي، وأيّهما ينتج عن الآخر؟ وذلك يدور في إطار نظرية أصل الأشياء، أو مبدأ الخلق والتكوين، وذلك بحثاً عن العلّة الأولى الخالقة للكون، أهي المادة وتناقضاتها، أم أنّ هناك قوّة فوق المادة؟ من هنا بدأت رحلتي مع الإيمان والعقيدة، حيث وصلت إلى قناعات كافية وإيمان راسخ عن طريق الإجابات المقنعة التي يقدّمها الإسلام في هذا المجال وسواه).
مستمعينا الأفاضل، إن إنسجام التعاليم الإسلامية مع الفطرة وعقلانيته العقائدية والطاقات الروحية التي يزود بها الإنسان، جعلت الأخت الأوكرانية (تاتانيا) تستقيم على دينها الجديد في وجه كل الضغوط التي مورست ضدها وضد اقترانها بشاب مسلم، وهذا ما ذكرته مفصلاً لكي تخلص إلى القول:
(بعد اعتناقي الإسلام شعرت براحة نفسية عظيمة، خصوصاً أنّني بدأت أمارس الصلاة، الصوم الذي فهمته كباعث ديني اجتماعي للتعاطف مع الفقراء، وقد وفّرت لي هذه العبادات شعوراً بالاطمئنان، ودفعتني نحو التكامل الروحي والإنساني.
وبعد أن عرفت أنّ للحياة هدفاً، وأنّ للكون خالقاً ومدبّراً، تخلّصت من حيرتي، ولم يعد هناك فراغ في حياتي على مستوى الفكر والعقيدة. يجب أن ندعو الناس إلى حوار فكري وعقيدي مهما كانت عقيدتهم ونظرتهم للحياة، على قاعدة الاقتناع والبحث عن الحقيقة للوصول إلى قواسم مشتركة، خاصّة مع أتباع الديانات السماوية، إنّ أكثر المسلمين يعيشون القشور في حياتهم، ويتركون جوهر الإسلام، وهناك الكثير ممن اكتفوا بالنظرية وتركوا التطبيق، ولم يحوّلوا ما أخذوه إلى واقع علمي وإيجابي، بالإضافة إلى أسباب وعوامل خارجية أخرى، تؤدّي إلى ضعف التزام قطّاعات كبيرة من المسلمين بدينهم، غير أنّ ذلك يجب أن لا يمنع الواعين من العمل الدؤوب لتحسين واقع المسلمين، وتقوية الدين في نفوسهم، إنّني أدعو المسلمات المهتديات – خصوصاً - كي يتحّدثن عن تجربتهن في الاهتداء إلى الإسلام، من أجل إغناء أسلوب الدعوة وإيضاح الطريق أمام الأخريات.
كما أدعو علماء الدين والهيئات الدينية الإسلامية كي يحوّلوا الدين من مجرّد دعوة جامدّة إلى دين حي يغتني بالفكر والواقع ويغنيهما، وأدعوهم إلى أن يرتفعوا إلى مستوى الرسالة الحضارية الإنسانية التي جاء بها الإسلام، والعمل على إزالة الخلافات فيما بينهم; لأنّها تؤثّر على حركة التبليغ وسمعة الإسلام وهم يتحمّلون بذلك مسؤولية شرعية كبيرة).
ختاماً تقبلوا منا أيها الأكارم جزيل الشكر على كرم المتابعة لحلقة اليوم من برنامجكم (أسلمت لله) عرضنا لكم فيه قصة إهتداء الأخت الأوكرانية (تاتانيا فاليري) حفظها الله وإنتقالها من الشيوعية للإسلام.
لكم دوماً من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران خالص التحيات وفي أمان الله.