السلام عليكم مستمعينا الأطائب ورحمة الله وبركاته، تحية طيبة مباركة نهديها لكم ونحن نلتقيكم في رحاب قصص الذين إنشرحت صدورهم بالنور الإلهي فاعتنقوا دينه الحق للسير في صراط الكمال والرقي والقرب للجمال المطلق.
(أنا سعيدة حقاً)، هذا أيها الأكارم هو العنوان الذي إخترنا لقصة أخت من ألمانيا إختارت لنفسها إسم (سعيدة) بعد إعتناقها للإسلام المحمدي، تابعونا مشكورين.
في مطلع عقد الستينيات من القرن الميلادي المنصرم ولدت (آيني غريد) في مدينة (هامبورغ) الألمانية الغربية قبل ظهور ألمانيا الموحدة، ونشأت في أسرة تنتمي للمسيحية على المذهب البروتستاني، ولكن هذا الإنتماء ظاهري ووراثي، فأسرة (غريد) لم تكن ملتزمة دينياً كجزء من موجة الإعراض عن الكنيسة التي إجتاحت العالم الغربي، وكان عجز الكنيسة عن الإستجابة للتطلعات الفطرية أحد الأسباب المهمة التي ولدت هذا الإعراض.
ولكن هذا الحال لم يستطع قمع التوجه الفطري لله في هذه الأخت (آيني)، وهذا ما يشير إليه مطلع قصتها التي كتبتها بقلمها ونشرتها على شبكة الإنترنت، قالت ما ترجمته:
( في فترة طفولتي لم يكن أبي وأمّي يذهبان إلى الكنيسة، ولم تكن لي فرصة للذهاب إلى الكنيسة إلاّ مع طلاّب مدرستنا، وكنت أهوى الكنيسة لأنّها كانت تمنحني الطمأنينة والراحة النفسيّة التي كنت أتصوّر أنني أستمدّها من ربّنا الرؤوف الذي يعيش في السماء والذي يعيننا إذا توجّهنا إليه، لمّا بلغت الحادية عشر من العمر شاركت في بعض الدروس الدينيّة التي كانت تقام في مدرستنا، ولم يكن ذلك منّي إلاّ مماشاة مع باقي الطلبة، لأنّني كنت أرى بأنّ هذه الصفوف تضعف اتّصالي بالله، وتعقّد صلتي بربّي، لانّها كانت تثير الشكوك والشبهات أكثر من تقوية علاقتي بربّي فلهذا كنت لا أشعر برغبة نفسيّة اتّجاهها).
وهنا تشير الأخت الألمانية إلى أثر الثقافة الدينية التجريدية في تطويق التوجه الفطري لله عزوجل ومنع تفتحه، وهذا الأمر الذي أدى بها إلى الإبتعاد عن الدين، تتابع الأخت (سعيدة آيني غريد) حديثها عن رحلتها إلى الإيمان، حيث تقول:
(مع زيادة عمري ارتفع مستواي العلميّ في تحليل ودراسة الأمور، فأمعنت النظر في الديانة المسيحيّة التي كنت عليها، فرأيتها لا تصلح لأن تكون سبيلاً للتقرّب إلى ربّي ; لأنّ فيها الكثير من الأمور الفلسفيّة المعقّدة، وفيها بعض الأمور المنافية للطبع الإنساني السليم، من جملتها اعتبار الخمر الذي نتناوله في الكنيسة أنّه دم المسيح في حين أنّ جميع الأطبّاء الإخصائيّين يقرّون بأضرار الخمر وآثاره السلبيّة على الحياة الفرديّة والاجتماعيّة.
وهنا نلتقي مستمعينا الأفاضل بإشارات مهمة تبين لنا سر الإعراض عن الكنيسة في العالم الغربي فهي ترجع – كما أشرنا سابقاً – إلى عجز النصرانية الحالية عن الإجابة لمتطلبات الحياة المعاصرة وعرض التوحيد الخالص الذي يمثل المحور الأساس لكل الديانات الإلهية الخالية من التحريف.
وهذا درس مهم، ينبغي للمبلغين الإلتفات إليه، فالعرض الفلسفي المعقد للدين وعدم الإجابة عن الأسئلة الفطرية التي تبحث عن معرفة الله نقية من التعقيدات، كل ذلك يؤدي إلى إبعاد الشباب عن الدين وإيقاعهم في الحيرة ثم أشكال الإنحرافات كما تحكي ذلك أختنا الألمانية (آيني غريد) حيث تقول ما ترجمته:
(بقيت في الحيرة فترة من الزمن حتّى ضعف إيماني نتيجة فقداني السبيل الذي يربطني به، فلمّا فشلت محاولاتي كلّها في البحث عن الرابط بيني وبين ربّي، التجأت إلى تخدير نفسي باللهو واللعب، كي لا أشعر بتأنيب الضمير الذي كان يحثّني على الاجتهاد والمثابرة، فقرّرت بعدها أن التجىء إلى الطرب والموسيقى، وكان هدفي هو أن أصبح قائدة للأركسترا! فاشتريت بعض الأجهزة الموسيقيّة، بدأت بالعزف عليها، وكنت أحاول أن لا أشغل بالي بأمر يعيقني عن الوصول إلى هدفي.
ولكن فجأة برزت فكرة الموت أمام عيني، فاقشعرّ لها جلدي، وقلت في نفسي: إنّ الموت يسلب منّي كلّ ممتلكاتي، وما قيمة عمل نلتذّ به، ولكنّنا نجهل الآثار المترتّبة عليه، كما قلت في نفسي: لماذا لا ألتجىء إلى سبيل يمنحني الطمأنينة في الحياة.
فقرّرت أن لا أيأس في البحث عن الحقّ، وعن السبيل الذي اختاره الله لعباده ليتقرّبوا به إليه).
تتابع أختنا (آيني غريد) رواية حكايتها حيث كتبت تقول:
(صادف في هذه الفترة أن التقيت بأحد الشبان اللبنانيّين المسلمين في الجامعة لقاءً قصيراً، تحدّث معي فيه حول القيم والأخلاق ودور الرسل في بناء الشخصيّة، فاعجبت كثيراً بأفكاره ومبادئه ورؤاه، وكان أكثر ما لفت انتباهي فيه في هذا اللقاء القصير، هدوءه وطمأنينتة النفسيّة التي كان يتمتّع بها.
فقرّرت بعد ذلك أن أتعرّف على الإسلام بصورة جادّة، فتوجّهت إلى الكتب الباحثة حول الإسلام فلم أجد فيها سوى التشنيع والاستهزاء به، ولم أجد فيها البحث الموضوعيّ المنصف، فقرّرت أن أتلقّى المعارف الإسلاميّة بصورة مباشرة، فطلبت من أبي أن يوافق على تعلّمي للغة العربيّة، فقبل أبي ذلك، واستدعى لي أستاذاً في هذا المجال.
وكان الأستاذ مسلماً، ولكنّه لم يكن ملتزماً بدينه، وكان لا يعرف عن الإسلام سوى بعض طقوسه الدينيّة الظاهريّة.
فاكتفيت منه بتعلّم اللغة العربيّة، وكان الأستاذ يهديني بعض الكتب العربيّة من أجل ممارسة قراءتها، وكان من جملة تلك الكتب كتاب تحت عنوان "الحياة والرؤية الكونيّة في الإسلام" فلمّا قرأته بتمعّن تفتّحت آفاق رؤيتي، ووجدت بأن الدين الاسلاميّ يتلاءم مع الفطرة، ويرفع الإنسان إلى مستوى فكريّ رفيع؛ كي لا تشغله توافه الحياة، والمظاهر الدنيويّة المزيّفة، وعرفت أنّ الإسلام بخلاف ما شُنّع عليه، بل هو سبيل يهدي إلى الرشاد والتكامل).
وكانت هذه المعرفة مستمعينا الأفاضل المنعطف الأساس في رحلة الهداية للأخت الألمانية (آيني غريد) لتصل فيها إلى تذوق السعادة الحقة في رحاب مدرسة أهل البيت – عليهم السلام – وهذا ما سنتابعه معكم في الحلقة المقبلة من برنامج (أسلمت لله) لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران جميل الشكر وخالص الدعوات ودمتم بألف خير.