بسم الله والحمد لله عظيم العفو حسن التجاوز ذي الفضل والإنعام وأفضل الصلاة والسلام على معادن حكمته وأبواب رحمته سيد الأنام محمد وآله الكرام.
سلام عليكم إخوتنا ورحمة الله، بتوفيق الله نلتقيكم في حلقة أخرى من هذا البرنامج نستنير فيها بحديث لمولانا الإمام الصادق – عليه السلام – عن سبيل النجاة من الذنوب والفوز بالورع. تابعونا على بركة الله.
روى ثقة الإسلام الكليني في كتاب الكافي بسنده عن إسحاق بن عمار قال: قال أبوعبد الله الصادق عليه السلام: يا إسحاق! خف الله كأنك تراه وإن كنت لا تراه فإنه يراك، وإن كنت ترى أنه لا يراك فقد كفرت وإن كنت تعلم أنه يراك ثم برزت له بالمعصية، فقد جعلته من أهون الناظرين عليك.
أيها الإخوة والأخوات، نستفيد من هذا الحديث الشريف أن استشعار الإنسان وجدانيا لإطلاع الله عزوجل عليه يعينه على التحلي بفضيلة الورع وبالتالي التطهر من المعاصي وهي أهم عقبات طريق السير والسلوك إلى الله عزوجل قال العلامة المجلسي في كتابه القيم (مراة العقول) في شرح هذا الحديث الشريف ان الرواية تطلق على الرؤية بالبصر وعلي الرؤية القلبية وهي كناية عن غاية الإنكشاف والظهور والمعنى الأول هنا أنسب أي خف الله خوف من يشاهده بعينه وإن كان محالا. ويحتمل الثاني أيضا، فإن المخاطب لما لم يكن من أهل الرؤية القلبية ولم يرتق إلى تلك الدرجة العلية – فإنها مخصوصة بالأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) – قال: (كأنك تراه) وهذه مرتبة عين اليقين وأعلى مراتب السالكين. وقوله: (فإن لم تكن تراه) أي إن لم تحصل لك هذه المرتبة من الإنكشاف والعيان فكن بحيث تتذكر دائما أنه يراك.وهذا مقام المراقبة كما قال تعالى: {أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت إن الله كان عليكم رقيبا} والمراقبة مراعاة القلب باشتغاله به والمثمر لها تذكر أن الله تعالى مطلع على كل نفس بما كسبت وأنه سبحانه عالم بسرائر القلوب وخطراتها فإذا استقر هذا العلم في القلب جذبه إلى مراقبة الله سبحانه دائما وترك معاصيه خوفا وحياء والمواظبة على طاعته وخدمته دائما. وقوله – عليه السلام – (وإن كنت ترى أنه لا يراك) تعليم لطريق جعل المراقبة ملكة للنفس فتصير سببا لترك المعاصي. والحق أن هذه شبهة عظيمة للحكم بكفر أرباب المعاصي ولا يمكن التقصي عنها إلا بالإتكال على عفوه وكرمه سبحانه ومن هنا يظهر أنه لا يجتمع الإيمان الحقيقي مع الإصرار على المعاصي.
ولا يخفي عليكم – مستمعينا الأطائب – أن الكفر المقصود هنا هو العملي وليس الكفر الحقيقي، أي أن من يرتكب المعاصي كأنه يعتقد بأن الله لا يراه أي كأنه – عمليا – كافر بالله وبأطلاعه عزوجل على جميع أفعاله وأفكاره وما يخفيه صدره فضلا عما يقوم به من أعمال.
أيها الإخوة والأخوات، وللتخلص من هذا الكفر العملي ينبغي العمل بوصية الإمام الصادق – عليه السلام – فنلتزم بمراقبة اطلاع الله على أعمالنا لكي لا نعصيه، بل والاهم من ذلك أن نطهر قلوبنا من آثار الغفلة التي تحجبنا عنه وتسلبنا لذة مناجاته، قال العارف الزاهد الشيخ الحسين بن عبد الصمد الحارثي الهمداني والد الشيخ البهائي في كتابه القيم (العقد الحسيني):
(أن القلب هو الرئيس الأعظم لهذه الأعضاء وهو موضع نظر الرب ومناجاة الباري تعالى لأنه لا ينظر إلى الصور الظاهرة فيجب غسله من تلك الأدناس ليصلح لمناجاة الرب والوقوف بين يديه ويستلذ بالمناجاة العبادة ويقع في حيز القبول لأن الباري طيب طاهر لا يقبل إلا الطيب الطاهر وأما إذا بقي علي نجاسته وكدورته فإنه لا يصلح لمناجاة الحق سبحانه ولا لخدمته فيتحقق عدم القبول بل يستحق الطرد والعقاب لدخوله من غير الباب وإنما أمرنا بالتيمم بالتراب عند فقد الماء وضعا لتلك الأعضاء الشريفة وهضمها لها بتطهيرها بالتراب الخسيس وكذا القلب إذا لم يكن تطهيره من الأخلاق الرذيلة وتحليه بالأوصاف الجميلة وجب أن يقوم في مقام الذل والانكسار والاعتراف بالعجز والقصور فيطلع عليه مولاه الرحيم وهو منكسر متواضع متذلل فعسى أن يهبه نفحة من نفحات نوره وقضية جوده لأنه عند القلوب المنكسرة وهذه الإشارات والمعارف أنما أخذناه من كلام الأئمة المعصومين عليهم السلام لأنه قد ورد عنهم أن الطهارة عن الحدث والخبث أمر مجازي ظاهري وإنما أوجبه الباري سبحانه ليكون طريقا ودليلا علي وجوب الطهارة الحقيقية وهي طهارة القلب لأنه مدار التكليف والباري لا ينظر إلا إليه وهذا أصل مدار علوم السالكين ومقامات العارفين من الأنبياء والأئمة المعصومين والأولياء المقربين صلوات الله عليهم أجمعين.
كونوا معنا أعزائنا مستمعي إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في إيران في لقائنا المقبل من برنامجكم (الطريق إلى الله) وإضاءة أخرى لمنهج السير والسلوك إلى الله عزوجل طبق ما هدانا له منهج الثقلين كتاب الله ووصايا أهل بيت النبوة – صلوات الله عليهم أجمعين –.
شكرا لكم ودمتم في رعاية الله.