بسم الله والحمد لله أكرم الأكرمين وغاية آمال العارفين والصلاة والسلام على معلمي عباده خالص توحيده النبي المصطفى وآله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم أعزائنا المستمعين، أهلا بكم ومرحبا في لقاء آخر من هذا البرنامج، نسعى فيه معا للتعرف على معالم المنهج المحمدي النقي في السير والسلوك إلى الله وتمييزه عن طرائق أدعياء العرفان والقرب الإلهية، حديثنا في هذه الحلقة عن الإخلاص وأثره في الحركة السلوكية يأتيكم ضمن وصية للعالم التقي الشيخ أحمد بن صالح آل طوق القطيفي رضوان الله عليه، تابعونا على بركة الله.
معنى الإخلاص هو أن يكون الدافع للعمل الذي يقوم به الإنسان خالصا نقيا من كل غرض غير ابتغاء رضا الله ووجهه عزوجل، وقد مدحته كثير من النصوص الشرعية واعتبرته شرطا لقبول الأعمال، قال الشيخ القطيفي في إحدى رسائله الفقهية المطبوعة: (متى ما كان لشهوة الإنسان أو شهوة غيره مدخلية في الباعث على العبادة، بطلت لمنافاتها ما أمر الله به من العبادة بالإخلاص، سواء كانت الشهوة هي الباعث وحدها أوكانت جزء الباعث. بل قد عرفت أن الإخلاص لا يمكن كونه جزء الباعث، بحيث يتركب الباعث منه ومن غيره، وأنه محال. ولا شبهة في أن من عمل لمجرد تحصيل الثواب في الآخرة أو الدنيا عامل عملا الباعث عليه شهوة نفسية، وقد عرفت حال الرياء والعجب والسمعة وعرفت أثرها في بطلان العبادة قبلا وفي الأثناء وبعدا، وأما إظهار العمل فربما أمر الشارع به كإظهار الزكاة، والصلاة في المساجد، وصلاة الجماعة والجمعة والعيدين والإستسقاء وصلاة الليل في بعض الأحوال وغير ذلك).
ولكن بين يدينا مجموعة من الأحاديث الشريفة التي تأمر المؤمن بإخفاء طاعاته مقابل أحاديث أخرى تأمر بإظهارها، فكيف يحفظ المؤمن إخلاصه في الحالتين؟ يقول الشيخ أحمد بن صالح القطيفي رضوان الله عليه في الإجابة: فالعامل يجب أن يلاحظ فيما يظهره أو يخفيه موافقة إرادة الله ومحبته وامتثال أمره في حاليه، فإن الله كما يحب أن يعبد سرا يحب أن يعبد جهرا، وقد أمر أن يعبد سرا وجهرا. فيجب أن يلاحظ العابد موافقة إرادة الله منه في إسراره وإعلانه فيظهر الزكاة الواجبة ويسر المندوبة مثلا، وهو في كل من الصفتين يبتغي وجه الله ورضاه وما أحبه منه، ويراعي فيما لم يدل الدليل فيه على أحد الوجهين أخلصهما لله وأقربهما من مرضاة الله وأحبهما إلى الله تعالى، كأن يكون في إظهار العمل سبب الإقتداء به، أو إخراج بعض الجاهلين من أسر الجهالة، أو إيقاظ بعض الغافلين من رقدة الغفلة عن طاعة الله، أويكون في إسراره إبعاد للشيطان عن وسوسة الرياء والسمعة أو العجب، وربما كان الإظهار سببا له، وكأن يكون الإسرار سببا لبقاء عبادة الله بتلك العبادة، فإنه ربما كان إظهارها سببا لقطعها وعدمها أو سببا لضرر مؤمن.
إذن فالمفهوم هو أن يراعي المؤمن طلب مرضاة الله وهذا هو العامل الأساس الذي يحفظ الإخلاص في عمله وهو جوهر العمل، وصورته الظاهرية ينبغي أن تكون تابعة له، يقول العالم الجليل الشيخ أحمد بن صالح القطيفي في تتمة كلامه المتقدم: العامل يجب عليه في إسراره وإعلانه اتخاذ أقرب الحالين إلى مرضاة الله ومحبته، فإن تساوى في نظر العامل أمران أو لم يهتد إلى المرجح كان الإسرار أرجح ما دامت دولة الجهل، فإن الله عز اسمه أحب من حيث الإطلاق أن يعبد فيها سرا. ومن أجل ذلك شرعت التقية ووقع التكليف بها حفظا لهياكل التوحيد عن المحو، إلى غير ذلك من الأسرار. وبالجملة، فمرجحات الإعلان والإسرار الموجب ملاحظاتها التقرب إلى الله وشدة الإخلاص كثيرة جدا، والطرق إلى مرضاة الله وما يقرب منه بعدد أنفاس الخلائق، وهي سمحة سهلة لكل سالك بحسب وسعه، والله رؤوف رحيم. وأما حب الإنسان لأن يظهر الله له في الناس الخير والذكر الجميل وبغضه لعكس ذلك، فأمر جبلي طبعت النفوس عليه، وهو غير مضر بالإيمان ما لم يعمل لذلك، فيدخل في الرياء والسمعة، وربما أدخل في العجب. وأما كراهية الإنسان لظهور معاصيه لمولاه، فإن كان حياء من الله فهو حسن، وإن كان حياء من الناس وخوفا من مقتهم أو عقوبتهم فما أقبحه، فقد ذم الله هذا في كتابه العزيز أشد الذم.
أعزائنا مستمعي إذاعة صوت الجمهورية الإسلامية في إيران نرجوا أن تكونوا قد قضيتم وقتا طيبا مع حلقة اليوم من برنامجكم (الطريق إلى الله)، تقبل الله منكم جميل المتابعة ودمتم بألف خير.