بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على حبيب الله المصطفى محمد رسول الله وآله الهداة لله.
السلام عليكم اخوة الإيمان ورحمة الله، على بركة الله نلتقيكم في حلقةٍ جديدة من برنامجكم هذا نتناول فيه محورية دور الصلاة في المنهج المحمدي في السير والسلوك الى الله عزوجل.
مستمعينا الأفاضل، تعلمون جميعاً بكثرة النصوص الشريفة قرآناً وسنة المبينة لحقيقة أن الصلاة هي عامود الدين وبقبولها تقبل الأعمال الأخرى وبردها ترد الأعمال الأخرى…
ومنها يستفاد أيضاً محورية دور الصلاة في الحركة السلوكية الى الله عزوجل، ولكن شريطة أن تقام بالصورة المطلوبة ووفق شروطها، قال العارف الزاهد الشيخ محمد تقي المجلسي والد مؤلف موسوعة البحار، في كتابه القيم (روضة المتقين):
قال أبوالحسن الرضا عليه السلام (الصلاة قربان كل تقي) رواه الصدوق في الصحيح عن محمد بن الفضيل عنه عليه السلام، والظاهر من هذا الخبر أنه لا يحصل القرب المعنوي إلى الله تعالى من الصلاة بدون التقوى من جميع المناهي بل المكروهات، بل من غيره تعالى وهو المشاهد عن أرباب الرياضات، فبقدر التقوى يحصل القرب منها كما قال تعالى: "إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ"(سورة المائدة۲۷) ويدل الخبر على أن الصلاة مطلقا سبب القرب، فكلما كانت الصلاة أكثر كان القرب أتم مع قوله صلى الله عليه وآله وسلم: الصلاة خير موضوع فمن شاء استقل ومن شاء استكثر.
ويتحدث الشيخ محمد تقي المجلسي في جانب آخر من كلامه وهو يشرح أحد الأحاديث الشريفة عن أهم الشروط المطلوبة لتحقق الآثار السلوكية للصلاة، قال _رضوان الله عليه_:
والظاهر أنه عليه السلام شبه الإيمان بالخيمة والصلاة بعمودها وسائر الأعمال بسائر ما تحتاج إليها لبيان اشتراط الإيمان بالأعمال وزيادة اشتراطها بالصلاة أو أنه عليه السلام شبه مجموع الأعمال بالخيمة مع جميع ما يحتاج إليها والصلاة بالعمود لبيان أنها العمدة من بينها، ويفهم منه أن قبول الصلاة مشروط بالصالحات كما أنها مشروطة بالصلاة أيضا فإن الواجبات بأجمعها بمنزلة مادة الحيوان فإذا نقص جزء منها لم ينفع كما هو حقها، بل المندوبات أيضاً بمنزلة ما زيد في الترياق المجرب، ولا شك في أن الصلاة أعظم أسباب القرب إلى الله تعالى بالآيات والأخبار المتواترة، فإذا لم يحصل القرب منها في العمر الطويل فليس إلا بمخالفة الشروط، فالواجب على السالك إلى الله تعالى أن لا يتساهل في شيء من الكبائر والصغائر ولا يقصر في شيء من الواجبات والمندوبات ويكون دائما في المراقبة مع الله تعالى ويكون مراعيا لقلبه دائما بأن لا يتوجه إلى غير جنابه الأقدس حتى يكون إنسانا أفضل من الملائكة، وإذا قصر في شيء منها يكون كالأنعام بل هم أضل.
مستمعينا الأفاضل، إذن، فالفرائض والأعمال الصالحة تشكل بمجموعها زاد السالك الى الله عزوجل ووقود بلوغ معارج الكمال والتكامل فهي تقوي فيه الإيمان بالله ومعرفته ومحبته مثلما تقوي فيه سائر الفضائل الإنسانية، يقول العلامة المجلسي في تعليقه على أحد الأحاديث الشريفة ورد في الجزء ٦٥ من موسوعة البحار:
"شبه الأعمال الصالحة والعبادات الموظفة، بالأعلام والمنائر التي تنصب على طريق السالكين لئلا يضلوا فمن اتبع الشريعة النبوية وأتى بالفرائض والنوافل يهده الله للسلوك إليه، وبالعمل يقوى إيمانه، وبقوة الايمان يزداد عمله، وكلما وصل إلى علم يظهر له علم آخر، ويزداد يقينه بحقية الطريق إلى أن يقطع عمره، ويصل إلى أعلا درجات كماله بحسب قابليته التي جعلها الله له، أو شبه الايمان بالطريق، والأعمال بالأعلام، فكما أن بسلوك الطريق تظهر الاعلام فكذلك بالتصديق بالله ورسله وحججه عليهم السلام تعرف الأعمال الصالحة ".
وخلاصة الكلام أيها الاخوة والأخوات أن جميع الفرائض الشرعية تمثل في جوهرها منازل سلوكية الى الله عزوجل يتقرب الإنسان بها الى الله ويحصل بها على مراتب أسمى من معرفته ومحبته إذا أداها بالصورة الإلهية المطلوبة. وفقنا الله وإياكم لذلك ببركة مودة وموالاة محمد وآله الطاهرين صلوات الله أجمعين- صلوات الله عليهم أجمعين-.
وبهذا نصل اعزاءنا من إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران الى ختام حلقةٍ أخرى من برنامج (الطريق الى الله) تقبل الله منكم حسن المتابعة ودمتم في رعايته سالمين.