بسم الله وله عظيم الحمد سامع الدعوات وقاضي الحاجات، والصلاة والسلام على معلمي عباده آداب عبادته وتوحيده المصطفى الأمين وآله الطاهرين. السلام عليكم أيها الأحبة ورحمة الله وبركاته. تحية مباركة طيبة نهديها لكم ونحن نلتقيكم بتوفيق الله في حلقة جديدة من هذا البرنامج، موضوعها هو الدعاء والذكر في المناهج المحمدية للسير والسلوك إلى الله عزوجل، تابعونا مشكورين.
(الدعاء وذكر الله) هو أبرز مظاهر ارتباط العبد بالمعبود جل جلاله على أساس شعور العبد بالإفتقار الدائم إلى معبوده أوحبه له تبارك وتعالى، وهذا هو جوهر العبودية، ولذلك صرحت الآيات الكريمة بأن الإعراض عن الدعاء ناشئ من الإستكبار عن عبادة الله وبالتالي دخول النار.
لنتأمل معا أيها الأحبة في الكلمات التالية التي كتبها الفقيه العارف العالم المعاصر الشيخ علي أصغر مرواريد – رضوان الله عليه – عن الاثار السلوكية للدعاء في مقدمة كتاب (مصباح المتهجد)، قال: "قال تعالى "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون" الدعاء خشوع وخضوع وتضرع وتوسل ورجاء، ومائدة روحية يجتمع حولها الأنبياء والصالحون حيث تسمو النفوس المؤمنة إلى مقام القرب من الله.."
حيث معراج الروح البشرية إلى رحاب النور.. تعالوا نحلق بأجنحة الدعاء إلى أبواب الله المفتوحة لعباده الصالحين.. هناك حيث تختصر المسافات وتنعدم الفوارق وتتساقط الحجب. تعالوا معي لنقلب صفحات هذا السفر الخالد (مصباح المتهجد وسلاح المتعبد) لنجد فيه البلسم الشافي والدواء المعافي للنفوس الضامئة والأرواح العاشقة، التواقة للعروج إلى الملكوت الأعلى.
وأزكى نصوص الدعاء في تعليم الإنسان آداب العبودية والتوحيد هي الصادرة عن أعرف الخلق بالله محمد وآله الطاهرين – عليهم السلام –، قال آية الله الشيخ (علي أصغر مرواريد) في تتمة حديثه المتقدم: (فيا أيها الطالب إن كنت تريد الله وقربه، فالطلب مقصودك من فصول الأدعية، وإن أردت الكمال والفوز والسعادة فأقبل بقلبك إلى الدعاء لأنه مخ العبادة، وإن كنت في بحر من الحيرة والقلق وأردت السكون والطمأنينة، فاسع سعيك وواصل جهدك لتجد مرادك في رحاب هذه الأدعية المأثورة عن الأئمة المعصومين. ويا أيها المريد أطلب مرادك من مضامين هذه الأدعية العظيمة واسبح في بحر معانيها السامية فإنك ستتغلب حتما على الأمواج العاتية التي تعترض طريقك، وستصل في النهاية إلى شاطئ السلامة والأمان، فلعمري إن فيها ما تشتهي الأنفس وترتاح القلوب. وأنت أيها السالك العزيز إذا أردت أن تعرف ربك وتتصل بأنوار سرادقات عرشه، فأدخل بنفسك وأغلق بابك وأسبل سترك وصف قدميك بين يدي مولاك تجد الله أنيسك في وحدتك ونورك في ظلمتك وصاحبك في وحشتك. فتعالوا أيها العارفون أدعوكم إلى الإجتماع حول هذه المائدة الروحية.. إلى المعراج.. إلى الدعاء... إلى الإنقطاع من كل شيء... إلى الله... لننظر بأبصار قلوبنا ملكوت الله. عرش الله وعظمته وبهاءه، ولنطهر نفوسنا من كل شيء ونتصل بأرواحنا بجوهر عظمة الخالق تعالى.
أيها الإخوة والأخوات، وتعضد آثار الدعاء في تقريب السالك إلى الله، اثار ذكر الله الذي يشمل الدعاء لطلب الحاجات أو المناجاة الأنسية به جل جلاله. وهذا من لوازم السير والسلوك إلى الله، يقول العارف الشهير آية الله الميرزا جواد الملكي التبريزي في رسالته السلوكية التي كتبها للفقيه الزاهد آية الله الشيخ محمد حسين الكمباني الإصفهاني – رضوان الله عليهما –، يقول: سألتني عن الذكر فرأيت من المناسب للحال والمقال أن أستشهد بالقرآن وكلمات المعصومين المأثورة منها ذكر يونس – عليه السلام – حينما قال: "لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين". والقرآن بين عاقبته أيضا بقوله "وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ"، وبما أن غم السالك هو التخلص من سجن الطبيعة فيجب أن يكون هذا المقصد العالي هو الأساس لسير العارف والإرتقاء إلى عالم القدس. ومن البديهي أن هذه النتائج ليست مجرد لقلقة لسان بل تستوجب الإنقطاع إليه والفناء فيه. نعم الذكر الدائم للمذكور والتوجه إليه ضروري حتى تصل له الملكة في ذلك وتنفتح أمامه نافذة على عالم الملكوت ليصل إلى مرتبة شهود النفس المجردة ومرتبة "من عرف نفسه فقد عرف الله". وفي مقطع آخر من الرسالة المذكورة يقول آية الله الملكي التبريزي "كل من هو طالب لله يجب أن يكون الله حاضرا عنده دائما ولسانه مشغولا بالذكر وأن يجعل قلبه حرما لله".
نشكر لكم أيها الإخوة والأخوات طيب الإصغاء لحلقة اليوم من برنامجكم (الطريق إلى الله) قدمناه لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في إيران، تقبل الله أعمالكم ودمتم في رعايته سالمين.