بسم الله وله عظيم الحمد وخالص الثناء إذ رزقنا مودة وموالاة أسوة السالكين وقدوة العارفين ورحمته الكبرى للعالمين المصطفى الأمين وآله الطيبين الطاهرين صلوات الله وتحياته وبركاته عليهم أجمعين.
السلام عليكم أعزاءنا المستمعين، بتوفيق الله نلتقيكم في حلقةٍ أخرى من هذا البرنامج، نتناول فيها ضرورة تحلي السالك الى الله عزوجل بالأخلاق الكريمة على أساس عقيدة التوحيد، وذلك من خلال إيضاحات للعارف القرآني آية الله العلامة الطباطبائي…تابعونا مشكورين.
مستمعينا الأفاضل، إن من سنن الله الجارية في خلقه هي سنة (النظم) وحاكمية القانون والتشريعات السليمة العادلة، وهذه السنة الإلهية تجري في مختلف شؤون الحياة ومنها المنهج السلوكي.
ولكي تعطي سنة (النظم وحاكمية القانون) ثمارها وتسعد الإنسان تحتاج الى توفر شروط أخرى يحدثنا عنها العلامة الطباطبائي ضمن بحث له أورده في الجزء الحادي عشر من تفسير الميزان، قال- رضوان الله عليه:
لا يسعد القانون الا بايمان تحفظه الأخلاق الكريمة والأخلاق الكريمة لا تتم الا بالتوحيد، فالتوحيد هو الأصل الذي عليه تنمو شجرة السعادة الانسانية وتتفرع بالأخلاق الكريمة، وهذه الفروع هي التي تثمر ثمراتها الطيبة في المجتمع قال تعالى: " ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتى اكلها كل حين باذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار" سورة إبراهيم: الآية السادسة والعشرون فجعل الايمان بالله كشجرة لها أصل وهو التوحيد لا محالة وأكلٌ تؤتيه كل حين باذن ربها وهو العمل الصالح يرفعه.
أيها الإطائب، إن التوحيد والإيمان الصادق هو الذي يجعل القانون والأخلاق الكريمة تعطي ثمارها في تقريب السالك الى الله عزوجل، فعلى أساس التوحيد تصبح سلوكيات عبادية، يقول العلامة الطباطبائي في جانبٍ آخر من بحثه القرآني هذا:-
الأخلاق لا تفي بإسعاد المجتمع ولا تسوق الانسان إلى صلاح العمل الا إذا اعتمدت على التوحيد وهو الايمان بأن للعالم ومنه الانسان الها واحدا سرمديا لا يعزب عن علمه شيء ولا يغلب في قدرته. خلق الأشياء على أكمل نظام لا لحاجة منه إليها وسيعيدهم إليه فيحاسبهم فيجزي المحسن باحسانه ويعاقب المسيء بإساءته ثم يخلدون منعمين أو معذبين. ومن المعلوم ان الأخلاق إذا اعتمدت على هذه العقيدة لم يبق للانسان غاية في أعماله الحيوية الا التمتع بمتاع الدنيا الفانية والتلذذ بلذائذ الحياة المادية.
من هنا يتضح مستمعينا الأفاضل أن رسوخ عقيدة التوحيد في قلب السالك الى الله يجعل سلوكياته عبادةً لربه الكريم جلّ جلاله بدوافع ثلاثة يبينها بأختصار العارف القرآني آية الله العلامة الطباطبائي في تتمة بحثه في الجزء الحادي عشر من تفسيره القيم الميزان، قال- رضوان الله عليه-:
وان الله سبحانه يعبد بأحد طرق ثلاثة: الخوف والرجاء والحب قال تعالى: "وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ"(سورة الحديد الآية العشرون) فعلى المؤمن ان يتنبه لحقيقة الدنيا وهي انها متاع الغرور (كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا)، فعليه ان لا يجعلها غاية لاعماله في الحياة وان يعلم أن له وراءها دارا وهي الدار الآخرة فيها ينال غاية أعماله وهي عذاب شديد للسيئات يجب ان يخافه ويخاف الله فيه، ومغفرة من الله قبال أعماله الصالحة يجب ان يرجوها ويرجو الله فيها، ورضوان من الله يجب ان يقدمه لرضى نفسه.
نسأل الله لنا ولكم خالص العبادة لله عزوجل والتحلي بالأخلاق الكريمة التي يحبها لعباده، إنه سميع مجيب.
وبهذا ننهي لقاء اليوم من برنامج (الطريق الى الله) إستمعتم له من إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، شكراً لكم ودمتم سالمين.