موضوع البرنامج:
شرح فقرة: "يا من قامت السموات بأمره..."
لانزال نحدثك عن الادعية المباركة، ومنها: الدعاء الموسوم بـ(الجوشن الكبير)، حيث يتضمن مائة مقطع، كل مقطع يتضمن عشرة اسماء من اسمائه تعالى او عشر صفة من صفاته، حيث انتهينا في لقائنا السابق الى الفقرة القائلة: (يا من قامت السماوات بأمره)والفقرة بعدها (يا من استقرت الارضون باذنه).
هنا نحسبك ستسارع الى القول او السؤال الآتي: لماذا قال النص بالنسبة الى السماوات بانها قامت بامره، بينما بالنسبة الى الارضين: قال النص انها قامت باذنه؟
اي ما هو الفارق بين امر الله تعالى وبين اذنه للشيء؟ وماهو الفارق بين السماء والارض؟
قبل توضيح الفارق بين السماء والارض، والفرق بين أمر الله تعالى وبين اذنه في خلق السماوات والارض، يجدر بنا ان نشير الى بعض ما نلاحظه من النكات المصحوبة مع هذا الفارق الذي ذكرناه.
ان النصوص القرآنية الكريمة والنصوص الواردة عن أهل البيت عليهم السلام طالما تستخدم عبارات متنوعة للتعبيرعن قدرته تعالى المطلقة في خلق الاشياء، حيث تستخدم مرة عبارة «كُن فَيَكُونُ»، اي: ان الله تعالى يقول للشيء (كُن) و (يَكُونُ) اي: يخلق ويتحقق ذلك ومرة نجد ان النصوص تستخدم عبارة (قِيلَ) مثل «يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ...»، وحيناً تستخدم عبارات مثل ما ورد في الدعاء الذي نتحدث عنه، وهو (قامت السماوت بأمره)، (قامت الارضون بإذنه)، وهكذا. والسؤال هو: ما هي النكات الكامنة وراء ذلك؟
الجواب هو: ان هذه العبارات تجئ في سياقات متنوعة بحيث تتجانس مع الموقف الذي يتحدث عن قدرته تعالى، فمثلاً عبارة«كُن فَيَكُونُ» تأتي في سياق التعبير عن قدرته المطلقة بنحو عام، اي: في صدد بيان قدرته تعالى بغض النظر عن سياقات خاصة بهذا الموضوع او ذاك، لذلك إذا كان الموضوع خاصاً (كالطوفان في زمن نوح(ع)) نجد نصاً يقول: «وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي».
بعبارة (قِيلَ) مبنية للمجهول نحوياً، بمعنى: أن الموضوع هو: انتهاء امة الطوفان، فيناسبه ما قبل عملية التوقف، اي: ان الله تعالى قال للطوفان كن فكان، وأما الآن فأن (قِيلَ) تعتمد على ما يبق من القول، وليست أمراً ابتدائياً: كأبتداء خلق الشيء، وهكذا بالنسبة الى التعبيرات الاخرى، ومنها: التعبير (يا من قامت السماوات بأمره، ويا من قامت الارضون بأذنه)، حيث نتساءل الان قائلين: ما هى النكات الكامنة وراء قيام السماوات بأمر الله تعالى، وقيام الارضين بأذنه؟
في تصورنا وأحتمالنا الغنيّ (وهو قابل للنقاش)، أن السماوات بصفتها علواً، ومركزاً لما هو عال ٍ: كالعرش او الكرسي ونحوهما، فضلاً عن علو ما ينتظمها من اللوح المحفوظ مثلاً أو علو الرفعة لادريس(ع) مثلاً، تظل مشدودة الى اصدار أمره تعالى ليتحقق مفهوم العلو المشار اليه واما بالنسبة الى الارض فأن خاقها جاء في مرتبة تالية لخلق السماء، بمعنى: ايجادها يقترن بإذن من الله تعالى ليكون الاذن بمثابة لحوق ٍ لما هو سابق، بخاصة ان الارض تقترن بتجربة الممارسة الخلافية المتأرجحة بين الطاعة وعدمها بصفة ان الاذن يقترن بتحقق هذه الممارسة.
المهم ان العبارتين المتقدمتين تتقابلان فيما بينهما، بالنسبة الى ايجادهما، ولكننا عندما نتجه الى ما يليهما نجد عبارتين تتحدثان عن موضوعين متفاوتين وليس متقابلين، وهما عبارة (يا من يسبح الرعد بحمده) وعبارة (يا من لا يتعدى على أهل مملكته)وهاتان العبارتان، تتحدث اولاً هما عن تسبيح أحد مخلوقات الله تعالى وهو (الرعد)، بينما تتحدث الاخرى عن تعامله تعالى مع اهل مملكته، والسؤال الجديد هو: ما هي النكات الكامنة وراء الاشارة الى (الرعد) وحده دون سائر المخلوقات؟ ثم الاشارة الى تعامله تعالى مع اهل مملكته بالرحمة؟
ختاماً نسأله تعالى ان يوفقنا الى ممارسة الطاعة، والتصاعد بها الى النحو المطلوب.