موضوع البرنامج:
شرح فقرة: "... يا من تشققت الجبال من مخافته..."
حدثناك في لقاء سابق عن دعاء الجوشن الكبير في دلالة ما تعنيه هاتان العبارتان وهما: (يا من انقاد كل شيء من خشيته، يا من تشققت الجبال من مخافته) وتساءلنا: ما هو الفارق بين (الخشية) وبين (الخوف)؟ ثم قلنا لماذا ذكر الدعاء ظاهرة (الجبال)المتشققة من مخافة الله تعالى دون غيرها من الظواهر الكونية.
بالنسبة الى السؤال الاول وهو: الفارق بين الخشية وبين الخوف في ضوء الآية القرانية الكريمة القائلة عن المؤمنين بانهم «يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ» نقول: بما ان الخشية معناها هو: الرهبة امام الله تعالى، حينئذ فانها تتمثل في انها تعني طابعاً لا مانع بينه وبين الخوف من عقاب الله تعالى ايضاً، اي: انك من جان تخشى الله تعالى مهابة لعظمته، وفي نفس الوقت تخاف الله تعالى لانك تخشى من عقابه، يبقى السؤال الآخر وهو: ان المعصومين عليهم السلام قالوا: ان المؤمن الحق هو من (يخشى) الله تعالى فحسب بغض النظر عن ثوابه وعقابه، بمعنى آخر لو فرضنا ان الله تعالى لا يثيب المختشي بل يعاقبه: لكان المؤمن الحق راضياً بذلك لانه عبد الله تعالى من اجل انه اهل للعبادة: بغض النظر عن الثواب والعقاب.
هنا نطرح سؤالاً عرضياً هو: ما معنى العبارة القرآنية القائلة «وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ»؟ هذا السؤال طرحه احدهم وأجاب المعصوم(ع) بأن الله تعالى لا يصدر منه السوء (تعالى عن ذلك) ولكن المقصود هو: محاسبة الانسان من خلال (العدل) وليس من خلال الاستحقاق، اي: ان الله تعالى لا يؤاخذه عبده على ما أذنبه في كل صغيرة وكبيرة بحيث يرتب عليه العقاب بل (يسامح) عباده، ولذلك فأن (الخوف) هنا هو: من العقاب، قبالة (الخشية) من عظمة الله تعالى.
بعد ذلك نتجه الى الاجابة عن السؤال الاخر، وهو: ان عبارة الدعاء القائلة (يا من تشققت الجبال من مخافته) ماذا تعني؟
لماذا لم يقل الدعاء (يا من تشققت الجبال من خشيته)؟
ثم لماذا اقتصر النص على ظاهرة الجبال دون غيرها من الموجودات الكونية: كالانهار والاشجار والبحار والكواكب؟
الجواب عن السؤال الاول هو: ان (الخوف) من الله تعالى بالنسبة الى الجبال يعني (في احتمالنا الغنيّ): التنفيذ لارادة الله تعالى، اي قوله تعالى للشيء «كُن فَيَكُونُ» معناه: انه تعالى قادر على كل شيء ولا يمتنع عليه شيء البتة، فيكون الخوف حينئذ تعبير مجازياً او لنقل: استعارة تعني: ان الجبال قد خُلقت بأرادته القادرة على كل شيء بحيث لا يتخلف عن ارادته، اي شيء نتصوره وبذلك يكون (التشقق) تعبيراً عن الامتناع عن ممن تخلف السئ عن ارادته تعالى.
ويبقى بعد ذلك: الجواب عن السؤال الآخر وهو: لماذا اقتصر الدعاء على ظاهرة (الجبال) وقال عنها انها تتشقق من مخافة الله تعالى؟
في احتمالنا الغنيّ ان الدعاء عندما نجده قد اقتصر على مخافة الجبال من الله تعالى هو: ان الجبل يتميز عن سواه بشموخه وبثبات قواعده، حتى ان النصوص الشرعية تذهب الى ان الله تعالى جعل الْجِبَالَ أَوْتَادًا للارض، تتقوى بها الارض، وهذا يعني ان للجبل قوته الخاصة التي تفوق الارض وما فيها، واذا كانت كذلك، اي: متميزة بقوتها التي لا تضارعها سائر قوى الارض: حينئذ يكون انتخاب الاقوى من ظواهر الارض: مسوغاً للاستشهاد به في تبيين قدرته تعالى.
اذن اتضح لنا سبب انتخاب الدعاء لظاهرة الجبال دون غيرها (كما نحتمل) تعبيراً عن قدرته تعالى.
ختاماً نسأله تعالى ان يجعلنا ممن (يخشى) الله تعالى، و(يخافه)، ويشملنا بالاية الكريمة القائلة «وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ»، وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.