تحكي "جلفا"، وهي مدينة حدودية تقع في شمال غرب إيران، بهندستها المعمارية الفريدة وتخطيطها الحضري على طول نهر "أرس"، قصة معقدة من التاريخ، والثقافة والجغرافيا.
تقع المدينة بالقرب من حدود أرمينيا وأذربيجان، وتعرض مزيجا من المعالم التاريخية والتطور الحديث بسبب موقعها الاستراتيجي ودورها في النقل.
لماذا تشكلت "جُلفا" بهذه الصورة؟
أدى الموقع الجغرافي لمدينة "جلفا"، بين نهر "أرس" وجبال "كيامكي"، إلى تحويلها إلى شريط خطي متميز عن التوسع الحضري المركزي أو الشعاعي للعديد من المدن الأخرى.
وبحسب الخبراء المحليين، فإن القرب من طرق التجارة التاريخية والحاجة للدفاع ضد التهديدات الحدودية لقد شكل هذه الهيكلية.
تعكس المعالم الحجرية مثل كنيسة "القديس ستيفن"، وهي من بقايا الوجود الأرمني والعصر الصفوي، تأثير الثقافات المتعددة في هذه المنطقة.
تاريخ التخطيط الحضري
تعود جذور التحضر في "جلفا" إلى القرن السابع عشر وعصر الشاه عباس الصفوي، عندما تم نقل الأرمن إلى هنا من منطقة "جلفا" في أرمينيا.
لكن التطور الحديث للمدينة بدأ في أواخر القرن التاسع عشر، عندما تم بناء خط السكة الحديدية من "جلفا" إلى "تبريز" بالتعاون مع المهندسين الإيرانيين والاستشارة الأجنبية، وخاصة من روسيا.
وفي العقود الأخيرة، إن تحويل "جلفا" إلى منطقة "أرس" الحرة، تسبب في إضافة خطط التنمية التجارية إليها.
نماذج ملهمة
تعتبر"جلفا" على عكس المدن ذات الأنماط الأجنبية المتميزة، نتاج تفاعلات محلية وإقليمية.
تشير هندسة الكنائس الأرمنية إلى الأساليب البيزنطية والساسانية، في حين يحمل التخطيط الحضري الخطي على ضفاف النهر أوجه تشابه مع المدن الحدودية في القوقاز والأناضول.

يقول الخبراء بهذا الصدد:
"إن البنية التحتية للسكك الحديدية والجمارك مستوحاة أيضًا من أنظمة النقل الروسية والمعايير الدولية.
ما الذي يجعل "جلفا" متميزة؟
تتميز "جلفا" عن المدن الإيرانية الأخرى بمميزات مثل بنيتها الخطية، التنوع الثقافي في الهندسة المعمارية، استخدام الأحجار المحلية، والتركيز على التجارة الحدودية.
إن وجود الطبيعة البكر، مثل شلال "أسياب خرابة" ومنتزه "كانتال" الوطني، حول هذه المدينة إلى مزيج من الحياة الحضرية والمعالم الطبيعية.
التأثيرات البيئية
لقد كان استخدام المواد المحلية والقرب من نهر "أرس" مفيدا بيئيا في "جلفا"، إلا أن تطوير المنطقة الحرة وزيادة حركة المرور أدى إلى تلوث الهواء والضوضاء.
وحذر ناشطون بيئيون من أن البناء المفرط قد يضر بالنظام البيئي للنهر والجبال المحيطة به.
الحياة في "جلفا" والتأثيرات الاجتماعية
إن العيش في مدينة حدودية متعددة الثقافات ساهم في تعريف سكان "جلفا" بالتنوع اللغوي والثقافي وعزز فيهم روح العمل والمرونة.
لكن صخب المناطق التجارية قد يؤثر سلباً على الصحة النفسية، خاصة للأطفال. كما أن الطبيعة المحيطة عززت أيضًا شعور احترام البيئة بين الناس.
من الزيتون التركي إلى المربى الأرمني
من أهم الصناعات اليدوية في "جلفا" يمكن الإشارة إلى حياكة السجاد ونسج الكليم، ويعود تاريخ حياكة الكليم في "جلفا" والقرى المجاورة إلى أكثر من مئات السنين.
ومن الحرف اليدوية القديمة والشهيرة في "جلفا" هي نحت الخشب.
ومن أهم وأشهر الهدايا التذكارية من مدينة "جلفا" يمكن الإشارة إلى مربى الجوز الأرمني، الزيتون التركي وبقلاوة إسطنبول.
المناظر الطبيعية في "جلفا"
من الكنائس التاريخية إلى أسواق الحدود المزدحمة، تعد "جلفا" مثالاً على التعايش بين التاريخ والحداثة.
تستمر هذه المدينة الصغيرة ولكن الديناميكية في العمل كجسر بين ثقافات المنطقة واقتصاداتها، في حين تواجه التحديات البيئية والاجتماعية.