لقد شرحنا جميع الأساطير الستة بشكل كامل ودحضناها بناءً على الحقائق التاريخية. وفي هذه الحلقة والحلقات القادمة سوف نتحدث وإياكم عن ثلاث خرافات أو أساطير حالية عن إسرائيل. أساطير معاصرة تستخدمها إسرائيل لتبرير احتلال واغتصاب أرض فلسطين.
السلام عليكم
أنا رائد دباب
وأنتم تستمعون إلى الحلقة السابعة من بودكاست "عشر خرافات عن اسرائيل ".
*********** الموسيقى *********
يذكر إيلان بابيه في الفصل السابع من كتابه إحدى الأساطير الصهيونية المعاصرة. وهي أسطورة تقول: "إسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط".
ويقول بابيه إن إسرائيل وبرؤية العديد من الإسرائيليين ومؤيديها هي دولة ديمقراطية معتدلة وإنها تسعى إلى بسط السلام مع جيرانها. يقول البعض إنه إذا كان هناك خطأ ما في هذا البلد الديمقراطي، فإنه يعود إلى حرب عام 1967.
وهذه الأسطورة الكاذبة التي لا أساس لها من الصحة، هي أمر يروج لها للأسف حتى بعض الباحثين، لكن ليس لها أي أساس تاريخي وصحيح.
فقبل عام 1967، لم يكن من الممكن اعتبار إسرائيل دولة ديمقراطية. وكما قلنا في الحلقات السابقة فإن إسرائيل وضعت الشعب الفلسطيني تحت الحكم العسكري. وهي التي كانت تنفي أي حقوق أساسية ومدنية للفلسطينيين. وكانت تدمر بيوت الناس وأحياءهم.
فكانوا يعتقلون الناس عشوائيا ويضعونهم في السجون متى ما أرادوا. وحتى لو قررت القوات العسكرية الإسرائيلية هدم منازل الفلسطينيين أو إبقائهم على الحاجز لساعات، أو حبسهم دون حكم من المحكمة، فإن الفلسطينيين لم يكن بإمكانهم فعل أي شيء أو اعتراض ولا التوجه إلى أي مكان لتقديم الشكوي.
وقد بدأت هذه السلوكيات منذ السنوات الأولى لقيام إسرائيل. إنهم طردوا الشعب الفلسطيني من منازلهم ومدنهم وقتلوا وجرحوا الكثير منهم. وكان الوضع أسوأ بكثير في المناطق الريفية حيث كانت الحركة الإسرائيلية تطمع في الأراضي الخصبة لهذه القري.
إنهم خدعوا العديد من القرويين للاستيلاء علي أراضيهم وكانوا قد وعدوهم لمغادرة منازلهم لمدة أسبوعين فقط بحجة أن الجيش يحتاج إلى أراضيهم للتدريب العسكري والمناورة. لكن عندما عادوا إما رأوا أن قراهم قد اختفت تماما من الوجود أو تم تسليمها لأشخاص آخرين.
ويمكن رؤية مثال واضح على حالة "الإرهاب العسكري" هذه في مجزرة كفرقاسم في تشرين الأول/أكتوبر 1956. حيث استشهد 49 مواطناً فلسطينياً بريئاً برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي في قرية كفرقاسم والتي زعمت السلطات الإسرائيلية أن هؤلاء الأشخاص انتهكوا قواعد الأحكام العرفية وحظر التجول.مما دفع الجيش إلى إطلاق النار عليهم و قتلهم.
لكن الواقع كان شيئاً آخر لأنهم لم يكونوا على علم بإعلان حظر التجوال في ذلك الوقت. فبعد هذه المجزرة، أظهرت الوثائق أن إسرائيل كانت تسعى بقوة لطرد الفلسطينيين من المنطقة بأكملها. والآن يعرف العديد من الباحثين أن مذبحة عام 1956 كانت بمثابة خطوة استباقية لمعرفة ما إذا كان سكان المنطقة خائفين من المغادرة أم لا. و هذا دليل واحد من آلاف الأدلة التي سمحت للجيش الإسرائيلي بالقتل والعبث في الأراضي المحتلة دون مواجهة التوبيخ أو المحاسبة.
ولايظهر القمع الممنهج للصهاينة في حوادث مثل القتل والإبادة فحسب. حيث يمكن رؤية أسوأ الوحشية في السلوك اليومي والإداري للكيان الإسرائيلي وإدارته. فلا يزال الفلسطينيون في الأراضي المحتلة لا يتحدثون كثيرًا عن الفترة التي سبقت عام 1967 وما حدث لهم. فالوثائق من تلك الفترة لا تظهر لنا الصورة الكاملة لما حصل. والمثير للدهشة أننا نجد في بعض الأبيات الشعرية صورا من الحياة في ظل الحكم العسكري.
فكان ناثان ألترمان (Nathan Alterman) أحد أشهر شعراء جيله. وكانت له كتابات أسبوعية بعنوان "العمود السابع" يكتبها عن الأحداث التي قرأها أو سمعها وتنشر في الصحف الإسرائيلية. إنه كان قد اختار لغة الشعر لكتاباته فهو يقول في إحدى قصائده:
"ظهرت العناوين لفترة وجيزة لمدة يومين، ثم اختفت.
ويبدو أن لا أحد يهتم، و يبدو أن لا أحد يعرف.
في قرية أم الفحم البعيدة جداً
كان أطفال السكان الأصليين يلعبون في الوحل
ويبدو أن أحد الجنود، وهو شجاع مثلا ، ظن بأحد أطفال القرية، فصرخ به: توقف.
فأنا آمرك أن تتوقف
إنه أمر واجب الطاعة، ولكن الصبي لم يفهم هذه الأمور ولم يتوقف
فركض.
ولذلك ليس من المستغرب أن هذا الجندي الذي يبدو عليه شجاعًا أن يطلق النار على الصبي ويرميه برصاصة حربية و يقتله.
ولم يتحدث أحد شيئا عن هذه الحادثة".
وتطرق ألترمان مرة أخرى في قصيدته عن والدة مريض فلسطيني:
وأرسلت إسرائيل أم المريض إلى الضفة من نهر الأردن دون أي تفسير.
فعندما حاولت المرأة العودة ، تم القبض على أطفالها الصغار وسجنهم.
فكتب ألترمان: لقد افترض هذا المؤلف خطأً أن هذه القصة سيتم إنكارها أو تفسيرها.
لم يحدث أي شيء، ولم تخرج حتى كلمة من فم أحد.
************** الموسيقى *****************
هناك الكثير من الأدلة على أن إسرائيل لم تكن دولة ديمقراطية قبل عام 1967. وقد اعتمدت إسرائيل "سياسة إطلاق النار بقصد القتل" ضد النازحين الذين يحاولون استعادة محاصيلهم ومواشيهم. لقد قتل الجيش الإسرائيلي وهو مخمور بالسعادة، آلاف المواطنين الفلسطينيين بين عامي 1948 و1967 دون أي سبب.
ومقياس الديمقراطية في أي بلد هو قياس درجة تسامح هذا البلد تجاه الأقليات التي تعيش فيه. وفي هذا السياق فإن تصنيف إسرائيل أقل بكثير مما يمكن أن يطلق عليه اسم ديمقراطية حقيقية أو حتى منخفض.
فعلى سبيل المثال أصدرت إسرائيل قوانين جديدة بعد احتلال مناطق جديدة. مثل القوانين المتعلقة بالحصول على الجنسية والقوانين المتعلقة بالملكية والأهم من ذلك قانون العودة.
فبحسب قانون العودة تمنح الجنسية الإسرائيلية تلقائيًا لكل يهودي في أنحاء العالم. وهذا القانون غير ديمقراطي بشكل صارخ. لأنه يساوي الرفض الكامل لحق العودة للفلسطينيين. وهو حق تم الاعتراف به دولياً في القرار 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948.
وهذا التصرف الإسرائيلي والذي يعني حرمان الشعب الفلسطيني من حقه في العودة إلى وطنه ومنحه الجنسية لآخرين لا علاقة لهم بالأرض الفلسطينية اي شيئ، هو التصرف الأكثر بعدا عن الديمقراطية.
ويمكن إثبات الطبيعة غير الديمقراطية لإسرائيل من خلال فحص سياسات الميزانية فيما يتعلق بمسألة الأراضي. واليوم أصبح أكثر من 90% من الأراضي أي فلسطين كلها، في حوزة "الصندوق القومي اليهودي". ولم يعد يُسمح لأصحاب الأراضي بالدخول في معاملات مع مواطنين غير يهود، كما يتم تخصيص الأراضي العامة للاستخدام ذي الأولوية في المشاريع الوطنية.
وبنفس الطريقة وعلى الرغم من تضاعف عدد سكان المدن الفلسطينية ثلاث مرات منذ عام 1948 حتى الآن، إلا أنه لم يتم توسيع حتى كيلومتر مربع واحد من أراضيهم. بينما تتم إضافة الأراضي باستمرار إلى المستوطنات اليهودية. ويستمر هذا الانتهاك الصارخ حتي يومنا هذا لحق المواطن في اختيار مكان إقامته.
فمنذ قيامه ارتكب الكيان الصهيوني العديد من الجرائم في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وأيضا منذ بداية وجود هذا الكيان واستقراره في الأراضي الفلسطينية، إلى جانب كافة القضايا العسكرية والعنف المستخدم ضد سكان الأراضي المحتلة استمر أيضًا في انتهاك حقوق الإنسان على نطاق واسع.
كما واحتلت إسرائيل مرارا المركز الأول في تقرير الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بسبب انتهاكها لحقوق المرأة، وتم تصنيفها كأكبر منتهك لحقوق الإنسان في العالم.
فالقرارات الصادرة ضد إسرائيل بسبب انتهاكاتها لحقوق الإنسان مليئة بـ "الطلبات" و"الإدانات" و"التعبير عن القلق" و"التعبير عن الأسف"، فضلاً عن الأوامر بـ "الوقف الفوري" لانتهاكات حقوق الإنسان، لكن كل جهود منظمات حقوق الإنسان من أجل التمييز العنصري وانتهاك حقوق الإنسان حتى الآن بائت إلى الفشل المطلق ولم تأت بالنتيجة.
إذن لايستطيع الكيان الإسرائيلي أن يتظاهر بأنه ديمقراطي. وبالنظر إلى إذلال ملايين الفلسطينيين باعتباره عملاً روتينياً ويومياً، مع ادعاء "الديمقراطية الوحيدة" في الشرق الأوسط، لا بد من القول إن هذه الديمقراطية تتصرف وكأنها أسوأ أنواع الدكتاتورية.
فرد إسرائيل في المجالين الدبلوماسي والأكاديمي هو أن هذه الإجراءات مؤقتة. وإذا تصرف الفلسطينيون بشكل أفضل فإن هذه التصرفات سوف تتغير. إذا قام أي شخص بقليل من البحث في الأراضي المحتلة فسوف يدرك بسرعة مدى سخافة هذه الحجة الإسرائيلية.
وفي عام 1967 تعامل الكيان الإسرائيلي مع الضفة الغربية وقطاع غزة كجزء طبيعي من "أرض إسرائيل". و استمر هذا السلوك منذ ذلك اليوم وإلي الأن. لقد كان الجدل في إسرائيل يدور دائماً حول كيفية تحقيق الاحتلال والاغتصاب للأراضي و ليس حول صوابه أو خطأه.
فالأرض هي أول ما يحتاجه أي مشروع استعماري وفي الأراضي المحتلة لم تصبح الأراضي متاحة إلا من خلال عمليات نزع ملكية الأراضي ومصادرتها على نطاق واسع، وطرد الناس من الأماكن التي كانوا يعيشون فيها لأجيال وحصرهم في مناطق ضيقة يعانون من ظروف معيشية صعبة.
وكانت أحزمة التهويد تفصل القرى الفلسطينية عن الأخرى وأيضا فصل القرى عن المدن، وحتى في بعض الحالات تم تقسيم قرية واحدة وهذا ما يسميه العلماء "جغرافيا الكوارث".
لقد أدت هذه المسألة الي كارثة بيئية حيث تجفيف مصادر المياه وتدمير أجمل المناظر الطبيعية في فلسطين كانت نتيجة هذه السياسة الصهيونية.
إضافة لذلك أدى بناء المستوطنات إلى تدمير المنازل والآثار القديمة والتراث العالمي لفلسطين. بحيث فقدت فلسطين هويتها القديمة وجاذبيتها السياحية. وفي كل عام يقوم الجيش الإسرائيلي بتفجير آلاف المنازل الفلسطينية تحت ذرائع مختلفة.
أيضا إغلاق مداخل المنازل هو نوع آخر من القمع الإسرائيلي. تخيلوا أن جميع أبواب ونوافذ منزلكم مسدودة بالإسمنت والملاط والحجر، ولايمكن لكم العودة إلى المنزل لأخذ الحاجات التي لم تتمكنوا من إخراجها معكم في تلك اللحظة.
ويقول إيلون بابيه في هذا الصدد: "أنا بحثت في كتب التاريخ، فرأيت أنه لم يستخدم أحد في التاريخ مثل هذه الأداة القبيحة والقاسية باستثناء إسرائيل".
كما وكنا نواجه حالة أخرى من الاحتلال والتي تسمى بخطة "الاحتلال المتنور". حيث كان يسمح فيها للمستوطنين بتشكيل عصابات تعسفية للتحرش بالشعب الفلسطيني وتدمير ممتلكاتهم. لدرجة أنهم استخدموا الإرهاب الحقيقي في فعالياتهم في الثمانينات من القرن المنصرم.
فكانوا يقومون بأعمال مثل مهاجمة القادة الفلسطينيين وتفجير المساجد داخل القدس وإطلاق النار بلا هدف على المنازل والسيارات الفلسطينية وما إلى ذلك من الأعمال الإرهابية.
************ الموسيقى *****************
ويقول إيلون بابيه في كتابه الذي كتبه قبل أكثر من عقد من الزمان والذي يجهل تطورات اليوم في فلسطين وغزة، فيواصل التأكيد على أن المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية، مع حصانتهم من أي عقاب، كانوا يهاجمون الفلسطينططن وممتلكاتهم في الضفة الغربية.
وأيضا لا يزال قطاع غزة يرضخ تحت الحصار العسكري الإسرائيلي الذي ينفذ عقابًا جماعيًا ضد سكانه. ثم ينتقل بابيه بعد ذلك إلى الاغتيالات المعروفة باسم "القتل غير القانوني".
ووفقا للبابيه منذ عام 1967، قُتل حوالي 15 ألف فلسطيني "بشكل غير قانوني" على يد إسرائيل وكان من بينهم ألفي طفل. وبالطبع، لو كان بابيه يؤلف كتابه اليوم لكان عليه أن يضيف عدد 22 ألف شهيد جراء العدوان الإسرائيلي علي غزة حتى الآن ومقتل أكثر من 9 آلاف طفل إلى قائمة الجرائم البشعة التي يرتكبها الكيان الإسرائيلي المزيف.
ويضيف بابيه أيضا من الأهداف الأخري "للاحتلال المتنور" هو السجن والاعتقال دون محاكمة. حيث يقول إن واحداً من كل خمسة فلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة واجه مثل هذه المشكلة.
ويعتقد البعض أن السلوك الأميركيين في سجن مئات الآلاف من المواطنين اليابانيين دون محاكمة خلال الحرب العالمية الثانية كان أسوأ من السلوك الإسرائيلي هذا.
فعلي الرغم من أنه لا يوجد شك في تصرف الأميركيين هذا بعد الحرب العالمية الثانية، إلا أنه يجب أن نعلم أن أياً من هذه الأرقام لا تقترب ولو بقليل حتى من عدد الفلسطينيين الذين مروا بمثل هذه العملية نتيجة لسياسات إسرائيل القمعية. المسألة التي تشمل سجن المواطنين الصغار والكبار، الرجال والنساء ودون محاكمة ولفترة طويلة.
فهذا النوع من السجن وبدون محاكمة يسبب الكثير من الأضرار النفسية علي الإنسان حيث لايعرف الشخص ما هي تهمته وليس لديه محامٍ ولايمكنه رؤية عائلته.
كما ونشرت "ميدل إيست مونيتور" تقريراً عن التعذيب الإسرائيلي في السجون. وفي إشارة إلى هذا التقرير يقول إيلون بابيه إنه تم وصف 200 طريقة يستخدمها الإسرائيليون لتعذيب الفلسطينيين في هذا التقرير. والتي تشمل أساليب الضرب والتقييد بالباب أو الكرسي لأيام متتالية وسكب الماء البارد أو الساخن عليهم والضغط بالأصابع على الجانبين المتقابلين وما إلى ذلك من الأساليب الوحشية.
ويوضح إيلون بابيه في النهاية بأنه بالإضافة إلى تحدي "الاحتلال المتنور" الإسرائيلي فإن ادعاء إسرائيل بأنها دولة ديمقراطية أمر مثير للسخرية وهذا السلوك يفضح مكر إسرائيل وتناقضاتها السياسية أمام مرأي العالم.
*************** الموسيقى ********************
شكرا لكم ولإصغائكم إلي حلقة أخري من بودكاست "عشر خرافات عن إسرائيل".
وفي الحلقة القادمة سنفضح أكذوبة أخري من هذا الكيان الغاصب والمتوحش.