كان خبرًا مريرًا، "إنا لله وإن إليه راجعون"، التحقت أم الشهيد لجبهة مقاومة والدة "الشهيد سيد عبد الصمد إمام بناه" إلى ابنها الشهيد بعد معاناة من المرض. عندما قرأت نص الرسالة النصية شعرت بالغصة، تذكرت اليوم الذي كنت فيه ضيف الأم الطيبة والمخلصة والأب الكريم لشهيد جبهة المقاومة.
اليوم الذي كانت هذه الأم المخلصة تفتخر بأن لديها خمسة أبناء وقالت لي بكل عزة واعتزاز: "أثناء زيارة قائد الثورة الإسلامية إلى تبريز عام 1993م، قلت له يا سيدي لدي خمسة أبناء، كلهم مخلصون للدين والثورة الإسلامية."
واليوم أصبحت هذه الأم المتفانية لشهيد جبهة المقاومة ملاكاً سماوياً وجاء ابنها العزيز والحبيب ليرحب بها. لكنني لن أنسى أبدًا ذكرى ذلك اليوم الذي كنت فيه ضيفها وما قالته.
وأود أن أستعرض مرة أخرى الكلام الذي تبادلناه ذلك اليوم مع الوالدة ،الأب والأخ للشهيد "سيد عبد الصمد إمام بناه" حول إيفاده إلى لبنان.
ولنقرأ هذه المحادثة مرة أخرى بمناسبة وفاة هذه الأم المخلصة.
للمسلمين قبلتان، الكعبة للعبادة والقدس للشهادة
الأم التي أقسمت خلال زيارة قائد الثورة الإسلامية إلى تبريز عام 1993م أن أبنائها سيكونون من أتباع الإسلام والثورة، وافقت على إيفاد ابنها إلى لبنان، وخُلد ابنها الشهيد في تاريخ جبهة المقاومة الإسلامية مع هذه الجملة: "للمسلمين قبلتان: الكعبة للعبادة والقدس للشهادة".
"الشهيد عبد الصمد إمام بناه" هو الشهيد على طريق القدس. يا له من يوم سعيد عندما أردت أن أكتب عن هذا الشهيد، سار كل شيء جنباً إلى جنب وفي أقصر وقت، التقيت بالسيدة "أعظم شهباز آزادي" والدة الشهيد وكذلك "الحاج السيد يعقوب إمام بناه" والد هذا الشهيد العزيز. سوف أقوم بزيارتهما.
يأتون للترحيب بي بوجه مفتوح، وتعانقني الحاجة "أعظم شهباز آزادي" بحنان، وتقول: "مرحبًا بك يا ابنتي، تأكدي من أن ابني الشهيد قد مهد الطريق لمجيئك حتى الآن، يا ابنتي، اجلسي أينما تريدين واشعري بالراحة".
تم في زاوية من المنزل، على الطاولة، ترتيب الصور،اللوحات والتماثيل التذكارية للشهيد "عبد الصمد" بشكل أنيق، إلى جانب مزهرية بها القليل من الورود.
تمد الأم العصا بيدها وتجلس بجانب الطاولة وتحدق في صورة ابنها وتستغرق في ذكرياتها العزيزة.
كان منتصف ليل 6 ديسمبر 1969م. كان زوجي قد عقدت ختمة سورة ياسين المباركة بمناسبة ولادة ابني. ولم تكن ختمة سورة ياسين قد انتهت بعد عندما سمع صوت البكاء لولدي في البيت وأصبح عزيزاً على قلبي وقلب أبيه وامتلأ بيتنا بالسعادة والفرح.
في البداية، قررنا أن نسميه "سيد محمد"، لكنني حلمت أن امرأة ذات عباية، وبينما كان ابني مغطى بثوب أبيض ، وضعت ابني بين ذراعي وطلبت منا أن نسميه "صمد".
كما تعلمين يا ابنتي، كان "عبد الصمد" صديقي ومساعدي في مساعدتها الطفولية، عندما كنت أكنس الفناء، كان الكرز الجاف يتساقط من الشجرة، وكان "سيد صمد" يجمعها خلفي وبلغة طفل لطيفة، كان يقول لأوراق الشجرة التي سقطت على الأرض: "لماذا تسقطين؟ أمي كانت تكنس الفناء للتو."
يبلغ ابني الآن 28 عامًا، وباستشهاده وصل إلى منزلة "عند ربهم يرزقون"، فلينعم بهذه المنزلة السماوية.
وتؤمن هذه الأم بتدمير إسرائيل المجرمة بإيمان راسخ، وتستمر: كل عام أشارك في مسيرة يوم القدس بصورة ابني الشهيد، لأن ثمرة دماء "عبد الصمد" هي حرية القدس الشريف.
تلتقط الحاجة إحدى صور ابنها. تتمتم بكلمات من أنفاسها ويرتفع صوتها: "عندما رأى ابني جرائم إسرائيل بحق الأطفال والنساء الأجانب، اشتعلت فيه نار الانتقام، أراد الوصول إليها في أسرع وقت وانتشال المظلومين من الصهاينة الغاصبين". قال ابني: "سأغادر إليهم لأفتح الطريق أمام الآخرين".
تألم قلب والدة الشهيد من طعون الألسنة
الأم تغص، لا تحتمل، غصتها تنكسر، عيناها تمتلئ بالدموع، تتألم من طعون الألسنة. لا أتحمل رؤية دموعها، تقول بالغصة: "سمعت الكثير من الإهانات، لقد جعلوني أشعر بالسوء تجاهك. يقولون أنك أرسلت طفلك من أجل المال، أجيب أنه يجب عليك أيضًا أن ترسل طفلك لذلك". أنهم سيعطونك كل ما قدموه لي."
ما أصعب سماع كل هذه السخرية والأذى من أشخاص يدينون بأمنهم ووجودهم كله للشباب الشجهعان الذين يفكرون في أمن هذه الأرض خارج الحدود.
استعجال الشهيد للذهاب إلى المعركة
يواصل الحاج السيد إمام بنه كلام زوجته قائلا: ابني كان مستعجلا للذهاب الى لبنان حتى ذلك اليوم الذي لم يشارك في حفل الاحتفال بخاله قائلا إن علي واجب أهم وتم إيفاده إلى لبنان في 20 آب/أغسطس 1995م.
لقد كان مهتمًا جدًا بالذهاب والقتال ضد الكيان الصهيوني المزيف والقاتل للأطفال، ولهذا السبب لم يولي اهتمامًا كبيرًا لدروسه، كنت أقول له: يا ابني يجب أن تحصل على شهادتك الدراسية على الأقل وأخيراً، بإصراري، أنهى دراسته، وفي أحد الأيام، وضع الدبلوم على الطاولة وقال: "يا أبي، ها هي شهادة الدبلوم أيضاً". فذهب إلى الخدمة العسكرية ومن ثم إلى مواصلة دراسته في الحوزة العلمية، وأنهى جميع دروسها الحوزوية، ولكن لأنه كان لديه قرار جدي بالذهاب إلى لبنان، ترك الحوزة أيضاً وتم إيفاده إلى لبنان، وأقيمت مراسم تلبيس العمامة أيضاً في لبنان.
أريدك أن تخبرني عن كيفية شهادته
وكانت إسرائيل المجرمة قد هاجمت جنوب لبنان، وكان المجاهدون يغادرون مقراتهم ليأتوا إلى بيروت، في قرى قانا وصور وصيدا، فضربت إسرائيل سيارتهم بصاروخ قطعت يده عند خروجه من السيارة، كما أن الصاروخ الثاني يفصل الرأس عن جسمه، وكانت رغبة ابني أن يذهب لزيارة سيده الإمام الحسين (ع) وأبي الفضل العباس هكذا.
يقول الأب عن أول زيارة له بعد استشهاد ابنه:
أحضروا جثة ابني مقطوعة الرأس إلى مطار طهران، أخبرني عديلي وقال: إنهم أحضروا نعش "السيد عبد الصمد" وكأنه جريح، سافرنا إلى طهران في منتصف الطريق. وقال: يبدو أن "سيد صمد" استشهد.
وعندما وصلنا إلى طهران فرأيت علم إيران ملفوفاً على جسد ابني الطاهر، وتم نقله إلى معراج الشهادة. وأقيمت مراسم التشييع في تبريز، لكن لم يتم الإعلان عن الجنازة للعامة، إلا أن الإخوة في حرس الثورة الإسلامية أبدوا احتراما كبيرا وأدوا الصلاة.
يتذكر والد الشهيد الحلم الذي راوده قبل استشهاد ابنه بثلاثة أيام، "حلمت أن إسرائيل ألقت قنبلة على منزلنا، وعندما استيقظت قلت أن هذا الحلم علامة خبر وبعد ثلاثة أيام جاء خبر استشهاد ابني".
يتحدث الأب بهدوء ، ويرجع الفضل في ذلك إلى حلم هدأ بعد رؤيته. و"السيد عبد الصمد" لم يبلغ الأربعين بعد حلمت أن ابني كان يقف أعلى مني بخطوة ويرتدي الزي الحوزوي ، نظر إلي وقال: يا أبي، ماذا كان علي أن أفعل حتى أنال هذه النعمة؟.
ويتابع الأب: الحمد لله أن سماحة الإمام الخميني (رض) هو الذي بدأ هذه الانتفاضة الإسلامية وعهد بها إلى قائد الثورة الإسلامية، وإن شاء الله سيصل هذا العلم إلى يد صاحبه الحقيقي الإمام الحجة بن الحسن الإمام المهدي (عج) وأن ننضم إلى انتفاضته العالمية.
ونأمل أن يكون الاستشهاد نهاية حياتنا.
يفتح الوالد ألبوم صور ابنه ويقلب الصفحات.
صور طفولته ومراهقته وشبابه، صور دراسته في الحوزة العلمية وصوره وهو يرتدي الزي القتالي وقبعة عليها علامة حزب الله.
وبجانب الصور نسخة من وصية الشهيد التي يقرأها لي الوالد.
وبعد قراءة وصية الشهيد فإن الأم وكأنها تتذكر شيئاً تقول: "لقد ذكر ابني في بداية وصيته العهد الذي قطعتها مع قائد الثورة الإسلامية. وفي 27 تموز/يوليو 1993م،عندما زار قائد الثورة الإسلامية تبريز، عقد اجتماعًا عامًا في المصلي، فذهبت إليه وقلت: "سيدي، لدي خمسة أبناء، كلهم من محبي الدين والثورة الإسلامية" ورد سماحته :"أحسنت أحسنت".
أنا الآن ملتزم بالعهد الذي قطعته مع سماحة قائد الثورة، وقد ذكر ابني في الجزء الأول من وصيته أن العهد الذي قطعته لا ينبغي أن يُنسى.
وتتابع الأم: بعد عام من استشهاد ابني، أحضروا لي حقيبته مع متعلقاته الشخصية، سترة ومصحفاً كان يحمله معه دائماً، وهذه الحقيبة هي كل ممتلكاتي من ابني الشهيد.
لقد انتهينا من الحديث. ينضم إلينا "السيد مرتضى" شقيق "الشهيد عبد الصمد إمام بناه ويقول عن الجهود وطريقة إيفاد أخيه الشهيد لجبهة المقاومة: لقد بذل أخي جهودا كثيرة لإيفادع إلى لبنان، وفي هذا الصدد كان يتواصل بشكل مكثف مع قائد الثورة الإسلامية وكان قد التقى ذات مرة بالسيد حسن نصر الله في طهران.
وكانت مساعي أخي لإرساله إلى لبنان قد تزامنت مع حظر تواجد المجاهدين الإيرانيين في جنوب لبنان؛ وآنذاك، مُنع المجاهدون الإيرانيون من التواجد في الخطوط الأمامية للجبهات الجنوبية للبنان.
وأخذ الشهيد إمام بناه، وبعد جهود كثيرة، أمر الجهاد للمشاركة في جبهات الجنوب اللبناني فقط لتنفيذ العمليات الاستشهادية.
شراء تذكرة الطائرة بالقرض الحسن
أشار شقيق الشهيد إلى شراء تذكرة الطائرة بأخذ القرض الحسن ، فقال: أخي واثنان من رفاقه اشتروا تذاكر طيران من طهران إلى دمشق، لأنه لم يكن هناك طيران مباشر إلى لبنان، وكان عليهم الذهاب إلى دمشق ومن ثم الدخول إلى لبنان برا. كما قام أخي بدفع تذكرة المغادرة إلى سوريا على نفقته الخاصة ومن خلال القرض الحسن الذي كان حصل عليه من الحوزة.
ينتظر هؤلاء في دمشق ثلاثة أيام حتى يتم نقلهم من قبل قوات حزب الله إلى أحد البيوت الآمنة في دمشق ويبقون في الحجر الصحي لمدة أسبوع للتأكد من أنهم غير مرغوب فيهم وعدم دخولهم ضربة على حزب الله.
وبعد أسبوع دخلوا لبنان برا ودخلوا إلى معسكر حزب الله في منطقة صور وصيدا في جنوب لبنان ويقضون دورات تدريبية.
وتزامن وجودهم حينها مع ذروة صراعات حزب الله مع الصهاينة، كما كانت العمليات الاستشهادية هي أفضل وسيلة لضرب المعنويات العسكرية للصهاينة، لأن عدد قوات حزب الله كان قليلا جداً مقارنة مع الصهاينة، وبالتالي كان عليهم أن يريدوا الاستفادة من العمليات الاستشهادية الذاتية.
وأضاف السيد مرتضى إمام بناه مشيراً إلى المخطوطات التي تركها شقيقه: وفقاً للمخطوطات المتبقية من إقامة أخي الشهيد في لبنان لمدة ثمانية أشهر، فقد تلقوا دورات تدريبية عسكرية لمهاجمة الأرتال العسكرية ومقرات الصهاينة حتي يتكبدوهم خسائر كبيرة.
وكان إطلاق النار على القناصة والتدريب على صنع القنابل أحد التدريبات التي تعلمها الشهيد إمام بناه وثلاثة من رفاقه الإيرانيين في لبنان.
وتزامنت هذه القضية مع استشهاد "علي منيف أشمر"، أحد كبار قادة حزب الله، الذي تمكن من قتل عدد من الصهاينة خلال عملية استشهادية.
والشهيد "علي منيف أشمر" كام معروفا في لبنان بقمر الاستشهاديين.
في هذه الأثناء كان أخي الشهيد ورفاقه يستعدون ويحاولون الوصول إلى المستوى المعنوي والعسكري والعملياتي للحصول على إذن بمثل هذه العمليات الاستشهادية.
عملية عناقيد الغضب
وفي أبريل/ مارس 1996م، بدأ الصهاينة عملية "عناقيد الغضب" ونفذوا هجمات واسعة النطاق على جنوب لبنان، تركزت في قرية "قانا"، وفي هذه العملية قصفوها من الأرض والسماء بكل أنواع القنابل العنقودية والفوسفورية حتى أنهم هاجموا مكان تجمع القوات المدعومة من الأمم المتحدة واستشهدوا ما يقرب من 250 امرأة وطفل.
وبهذا تستبعد العملية الاستشهادية، وفي هذا الوقت يتم الإعلان عن الأمر بتجميع القوات في المقر المحدد لتعزيز خط الدفاع ضد الهجمات الصهيونية.
يتم تجهيز القوافل وتنطلق للتجمع في الأماكن المحددة بعد إعلان الأمر؛ "الشهيد إمام بناه" يجلس في سيارة الطابور الاول بملابس رجال الدين حتى لا تمنع دوريات الحواجز حركتهم ويتمكنوا من الوصول بسرعة الى بيروت، لأن الحكومة اللبنانية كانت تحت وصاية حزب الكتائب وكانوا يحترمون رجال الدين خاصة السادات، وفي الواقع، كانوا يحسبون على السادات ألف حساب.
وكانت الأرتال تتحرك على الطريق بين صور وصيدا عندما أقلعت مروحية الأباتشي من السفينة وهاجمت رتل الآليات بالعيار في حرب مباشرة وجها لوجه، وكانت أرتال الآليات مجهزة بأسلحة ثقيلة للدفاع عن نفسها. في تلك اللحظة لم يكن لا يمكن لأحد أن ينجو من طائرة هليكوبتر حربية.
وفي الطلقة الأولى قطعت يد مبارك "الشهيد إمام بناه"، وفي الهجوم الثاني انفصل صدره ورأسه عن جسده.
وفي 14 نيسان (أبريل) 1996م، استشهد أخي، وبعد الاستشهاد، نُقل جثمانه إلى طهران ودُفن بكل بساطة وهدوء في تبريز. وما زلنا نشعر بوجوده في الحياة.
وفي نهاية حديثنا أقول للحاجة: "في أول خميس من شهر رمضان المبارك ذهبت إلى قبر الشهيد لأول مرة. وكانت إشارة إلى أن العلم الأصفر لحزب الله اللبناني كان يرفرف عليه". وكان النسيم البارد يهب عليه في كل مكان." يعني أن أصدقاءه أيضًا جاءوا وقالوا إنهم سيزورون قبره كل يوم خميس، يأتون ويعبرون عن شوقهم.
والأم البالغة 28 عاما بعينين مليئتين بالدموع والبراءة والشوق تكرر: "ابني استشهد في الغربة، وهنا حزن الغربة يلقي بظلاله على قبره".
وطبعاً "السيد مرتضى: لا يقبل أن يكون أخوه مظلوماً، وهو يقول :"إن أخي الشهيد موجود في كل مكان وهو الذي أرشدك إلى هنا بنفسه".
وكالة فارس