وتعتبر الزيارة الأربعينية في العشرين من صفر الخير في كربلاء المقدسة من الشعائر المهمة للمسلمين، وخاصة الشيعة، ويبلغ عمرها عدة مئات من السنين، ولكن مضى حوالي 12 عامًا منذ أن أصبحت عامة بشكل أكثر بحضور جميع الناس من كل مكان العالم، حتى لغير المسلمين، ومحبي أبي عبد الله الحسين ( ع).
ويرجع تاريخ بداية مسيرة الأربعين الحسيني إلى زيارة الصحابي جابر الأنصاري في يوم العشرين من صفر الخير القبر الشريف لأبي عبد الله الحسين (ع) مجهشاً بالبكاء قائلاً يا حسين ثلاثاً، ثم قال حبيب لا يجيب حبيبه وأنّى لك بالجواب وقد شطحت أوداجك على أنباجك، وفُرقَّ بين رأسك وبدنك…
وسميت هذه الزيارة بالأربعين لأنها تمثل مرور أربعين يوماً من استشهاد الإمام الحسين (ع) في العاشر من المحرم سنة 61 للهجرة.
فيكون الصحابي جابر الأنصاري أول زائر لقبر الإمام الحسين (ع) من الناس، وطوال التاريخ لعب علماء الشيعة دوراً كبيراً في توجيه وتشجيع عشاق الإمام الحسين(ع) إلى القيام بمراسم المسير الأربعيني، وهم لم يكتفوا بالدعوة للمشاركة بل شاركوا في هذه المراسم.
وتعد زيارة الأربعين تجمّع إنساني وعالمي يتجاوز الطابع الديني، ويشكّل حدثًا اجتماعيًّا غير مسبوقٍ في العالم لما تجمعه الزيارة من دلالات على المستوى التربوي والعقائدي والسياسي والإعلامي والثقافي.
إن الزيارة الأربعينية بطبيعته حركة سياسية ترتكز على سياسة الإسلام والدين الإسلامي، إن الإطار السياسي في أربعينية سيد الشهداء واضحة، وهو إطار ثوري، ضد قوى الشر والفساد والاستبداد، وقد حمل الإمام الحسين (ع) هذا العبء بكل طاقة الأبرار على مر العصور، ولم يكن غير الحسين (ع) يحمل هذا الأمر العظيم، وهو امتداد الدوحة النبوية التي ترفض بشكل مطلق كل أشكال الاستبداد؛ لأن الإسلام والحرية وجهان لعملة واحدة، والحرية جوهر الإسلام، فالإنسان جاء للحياة من أجل الامتحان، وهو مكلف ويتحمّل المسؤولية.
والمسؤولية معناها حرية الإرادة، فلا يمكن للإنسان أن يعيش تحت حكم ووصاية وولاية الاستبداد، وهو لا يستطيع أن يمارس حريته؛ لأن الوجود الحقيقي للإنسان هو الوجود الحر، والاستبداد هو سالب للحريات، وبالتالي سالب لفلسفة الوجود والتكليف والمسؤولية.
وأيضا يتم تحديد الزيارة الأربعينية على أساس ثقافة عاشوراء وكربلاء، والثقافة الحسينية هي ثقافة إنسانية في جوهرها، والقادمون إلى كربلاء المقدسة في هذه الزيارة، كلهم حسينيون، لذلك من الأفضل أن يرتفع بهم المعنيون والقائمون على الثقافة إلى المستوى الثقافي المطلوب.
واليوم، تمكنت أبعاد الأربعينية المختلفة في الأطر السياسية والثقافية والاجتماعية من أن تصبح عالمية، ولا يمكن لوسائل الإعلام المعادية أن تخفي مجد هذا الموكب العظيم، لذلك يسعون أعداء الإسلام دائما أن يقللوا من مجد وعظمة مسيرة الأربعين.
وأصبحت زيارة الأربعين في كل عام محورا لتجمع أمة الإسلام الموحدة في العالم وتظهر وحدة العالم الإسلامي وعظمته واقتداره، وهو العرض الذي سيخيف الصهاينة أكثر من أي شيء آخر هذا العام، لأنه ارتكب المزيد من المجازر في 10 أشهر الماضية وجرائمه لا تعد ولاتحصى وعلى وشك أن تنفجر هذه الغدة السرطانية بوحدة الأمة الإسلامية. والكيان الصهيوني يعلم أن حركة موحدة مثل مسيرة زيارة الأربعين تستطيع أن تدمره بالكامل.
سلام على الإمام الحسين يوم وُلد ويوم استشهد ويوم أربعينيته، ويوم صار رمزًا لدفع الظلم وإقامة العدل، والبحث عن الحق المطلق، مهما كان الثمن غاليًا، فقد قدّم دمه الشريف ليكون نبراسًا للحائرين، ولكافة المصلحين.