البث المباشر

الموت أول منازل الآخرة

الثلاثاء 26 مارس 2019 - 14:40 بتوقيت طهران
الموت أول منازل الآخرة

الحلقة 4

موضوع الحلقة:
• الخصائص العامة للموت كنقلة من دار الى دار 
• مقابلة مع الشيخ محمد السند عن عوالم الانسان بعد الدنيا 
• مسيرة الارواح بعد الموت (القسم الرابع)

*******

الحمد لله الذي خلق الموت والحياة ليبلونا اينا احسن عملاً. والصلاة والسلام على محمد و آل محمد المبشرين بالسعادة السرمدية الهادين الى سبلها المنذرين من الشقاء الابدي المعرفين بمزالقه.
السلام عليكم مستمعينا الاكارم ورحمة الله وبركاته.
اهلاً بكم ومرحباً في الحلقة الرابعة من حلقات هذا البرنامج، نفتتحها وكما وعدناكم في سابقتها بحديث جامع عنه خصائص الموت اول منازل الآخرة.
فقد جاء في كتاب مصباح الشريعة عن الصادق عليه السلام قال: ذكر الموت يميت الشهوات في النفس ويقلع منابت الغفلة ويقوي القلب بمواعد الله ويرق الطبع ويكسر اعلام الهوى ويطفئ نار الحرص ويحقر الدنيا.
ثم يبين عليه السلام المراد من ذكر الموت بعد ذكر آثاره فيشير الى ان المراد ليس الذكر العابر الخالي من التأثر والتفكر، اذ يتابع عليه السلام حديثه قائلاً بشأن عامل تولد الآثار المتقدمة لذكر الموت:
وهو معنى ما قال النبي صلى الله عليه وآله: فكر ساعة خير من عبادة سنة وذلك عندما يحل اطناب خيام الدنيا ويشدها في الآخرة ولايشك بنزول الرحمة على ذاكر الموت بهذه الصفة.
ويبين عليه السلام اخطار الغفلة عن ذكر الموت وما تؤدي اليه من اشكال الحرمان فيقول: ومن لا يعتبر بالموت وقلة حيلته وكثرة عجزه وطول مقامه في القبر وتحيره في القيامة فلا خير فيه.
العياذ بالله من حرمان الانسان نفسه من الخير ومن ان يكون مصدر اللاخير.
الصادق عليه السلام ينقل بعد ذلك الحديث النبوي الذي يوصي المسلمين بذكر الموت ويبين اثر ذلك في حفظ حركة المؤمن بين الخوف والرجاء وعدم الاعترار بالدنيا اذا اقبلت عليه وعدم الياس اذا اصابته شدة او ضراء.
هذا هو مغزى قوله عليه السلام: فما ذكره (يعني الموت) عبد على الحقيقة (اي بالصورة المطلوبة المشار اليها) وهو في سعة الا ضاقت عليه الدنيا، ولا في شدة الا اتسعت عليه.
ثم يتابع عليه السلام حديثه مبيناً مكانة الموت واصناف الناس فيه فيقول: والموت اول منزل من منازل الآخرة وآخر منزل من منازل الدنيا فطوبى لمن اكرم عند النزول باولها، وطوبى لمن احسن مشايعته في آخرها.
ويختم عليه السلام حديثه مشيراً الى غفلة الكثيرين عملياً عن الموت فيقول: والموت اقرب الاشياء من ابن آدم وهو يعده ابعد، فما اجرا الانسان على نفسه، وما اضعفه من خلق وفي الموت نجاة المخلصين وهلاك المجرمين، ولذلك اشتاق من اشتاق الى الموت وكره من كره.
قال النبي صلى الله عليه وآله: من احب لقاء الله احب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه.
ثمة قضية مهمة ترتبط بآخر هذا الحديث الشريف اود الاشارة اليها هنا.
هذا الحديث من الاحاديث الجامعة وهو يشتمل على جملة من الحقائق ترتبط بعدة من حلقات البرنامج.
صحيح ما تقولون، ولكن القضية التي اردت الاشارة اليها ترتبط بما تطرقنا اليه في الحلقة السابقة من ان الاولياء يتمنون الموت او انهم يحبونه ولا يكرهونه.
اولياء الله يحبون الموت لانه يشتمل على مرتبة اعلى من لقاء الله وهم يحبون لقاء الله كما ان بعد الموت تتضح الحقائق وتبلى السرائر، ولذلك فهو يؤهل الانسان لمرتبة اسمى من مشاهدة الانوار الالهية.
كما ان الموت يعني الانتقال من دار الابتلاء ودار الغرور، لذلك كان الدنيا سجن المؤمن كما ورد في الاحاديث الشريفة، فلا غرابة ان يكون الموت نجاة للمخلصين حسب تعبير الامام الصادق عليه السلام لانه يعني تحرر المؤمن من هذا السجن ولعل هذا هو المراد في قول رسول الله صلى الله عليه وآله: «ابن آدم يكره الموت والموت راحة للمؤمن من الفتنة». 
ولكنه هلاك للكافر المجرم كما جاء في الحديث الصادقي المتقدم لانه يعني الانتقال الى دار الحساب والجزاء على ما جناه، ولذلك كانت الدنيا جنة له مقارنة بما سليقاه في دار العقاب.
اذن هي ليست جنة حقيقية للكافر وانما هي جنة مقارنة بالعذاب الذي سيلقاه في الآخرة.
اجل الامر نسبي حتى بالنسبة لكون الدنيا سجناً للمؤمن، فهذا الامر لايعني انه المؤمن لايكون سعيداً في الدنيا.
ان الدين الحق يضمن سعادة الانسان وخيره في الدنيا والآخرة.
من هنا نفهم ان المراد من وصف الدنيا بأنها سجن المؤمن هو التنبيه الى ان الدنيا تكون كالسجن للمؤمن مقارنة بالنعيم الذي يحصل عليه في الآخرة، كما ان السعادة التي يعيشها في الدنيا لا تقارن بسعادته في الآخرة.
ارجع لو سمحتم الى القضية التي اردت الاشارة اليها فقد نقلتنا الى قضية اخرى. 
اعتذر عن ذلك تفضلوا.
لا حاجة الى الاعتذار فأنتم اشرتم الى المحور الاساسي الذي اردت التنبيه اليه بتوضيحكم لسر حب المؤمنين حقاً‌ واولياء الله للموت وهو حب لقاء الله.
هذا ما يصرح به النبي الاكرم صلى الله عليه وآله في قوله من احب لقاء الله احب الله لقاءه فهو صلى الله عليه وآله لم يقل من احب الموت وان كان المراد هو الموت، وفي ذلك تنبيه الى ان المطلوب الحقيقي ليس الموت بحد ذاته بل لقاء الله.
من هنا فان حب الموت بدافع حب لقاء الله شيء مختلف بالكامل عن حب الموت للخلاص من الابتلاءات او البليات او مصاعب هذه الحياة الدنيا.
لا يخفى ان حب الموت بدافع الفرار وكره هذه الابتلاءات هو نوع من الاعتراض على الله جلت حكمته وعدم القبول بربوبيته وتقديره وقضاءه.
ولذلك عد قتل النفس او الانتحار من كبائر الذنوب، اضافة الى كونه يشتمل على اعلى مراتب اليأس من رحمة الله، وهذا اليأس هو من الكبائر ايضاً اعاذنا الله منها جمعياً.
في الواقع الاحاديث الشريفة نبهت الى هذه القضية، نظير ما رواه الشيخ الطوسي في اماليه مسنداً عن ام الفضل زوجة العباس عم النبي صلى الله عليه وآله.
اجل قالت ام الفضل:
دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) على رجل يعوده وهو شاك فتمنى الموت فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا تنمن الموت، فانك ان تك محسناً تزدد احساناً الى احسانك وان تك مسيئاً فتوخر لتسعتب فلا تمنوا الموت.
وللامام الصادق عليه السلام حديث جميل في الموضوع ذاته رواه الصدوق في كتاب عيون اخبار الرضا عليه السلام ان رجلاً جاءه فقال: قد سمئت الدنيا فاتمنى على الله الموت؟ فقال عليه السلام: تمن الحياة لتطيع لا لتعصي فلأن تعيش فتطيع خير لك من ان تموت فلا تعصي ولا تطيع.
اعتقد ان من المناسب هنا ان نكمل عرض الرؤية الاسلامية لمحبة الحياة او الموت والمعيار الصحيح في ذلك.
ارى ان هذه الرؤية قد اتضحت من الاحاديث الشريفة المتقدمة، والمعيار العام في حب الحياة الدنيا هو ان تكون مزرعة ومضاراً لطاعة الله والاستزادة من الحسنات.
رحم الله سلمان المحمدي فله كلمة جميلة في ذلك رواه عنه الحسن بن سعيد في نوادره قال فيها: لو لا السجود لله ومجالسة قوم يتلفظون طيب الكلام كما يتلفظ طيب التمر لتمنيت الموت.
ابلغ منها حديث الباقر عليه السلام الذي رواه الصدوق في كتاب معاني الاخبار انه قال: لا يبلغ احدكم حقيقة الايمان حتى يكون فيه ثلاث خصال: يكون الموت احب اليه من الحياة، والفقر احب اليه من الغنى والمرض احب اليه من الصحة.
فسأله اصحابه: ومن يكون كذلك؟ اجاب عليه السلام: كلكم ثم قال: ايما احب الى‌ احدكم: يموت في حبنا او يعيش في بغضنا؟
قالوا: نموت والله في حبكم احب الينا.
قال: وكذلك الفقر والغنى والمرض والصحة.
قالوا: اي والله.
يوجد في كتابي معاني الاخبار والأحتجاج حديث مروي عن الامام الصادق عليه السلام ان احد اصحابه سأله عن معنى الكلمة التي تنقل عن ابي ذر رحمة الله انه كان يقول: ثلاثة يبغضها الناس وانا احبها: احب الموت واحب الفقر واحب البلاء.
السؤال كان عن معنى هذا القول لان بعض الناس قد فسروه بطريقة غير صحيحة؟
اجل ولذلك قال الامام الصادق عليه السلام في جواب هذا السائل: ان هذا ليس على ما يرون انما عنى: الموت في طاعة الله احب الي من الحياة في معصية الله والفقر في طاعة الله احب الي من الغنى في معصية الله والبلاء في طاعة الله احب الي من الصحة في معصية الله.
لا يخفى ان مودة اهل البيت عليهم السلام التي ذكرها الامام الباقر عليه السلام هي مفتاح طاعة الله بل لا تتحقق طاعة الله حقاً مع بغضهم لان رسول الله الصادق الامين قد امر بها.

*******

أما الآن نتابع تقديم برنامج عوالم ومنازل بهذا الاتصال الهاتفي مع سماحة الشيخ محمد السند اهلاً ومرحباً بكم:
الشيخ محمد السند: اهلاً و سهلاً.
المحاور: سماحة الشيخ في الحلقة السابقة بينتم ان الرؤية القرآنية توكد من خلال مجموعة من الآيات الكريمة وجود عوالم اخرى كان فيها الأنسان او للانسان فيها وجود قبل الحياة الدنيا وقبل هذه النشأة كان لدنيا سؤال فيما يرتبط بمراتب هذه العوالم هل للقرآن رؤية فيما يرتبط بهذه القضية هل ان لهذه العوالم مراتب معينة؟ تفضلوا.
الشيخ محمد السند: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على افضل الانبياء والمرسلين محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين.
نعم كما مرت بنا الآيات هي تشير الى‌ تعدد تلك العوالم وربما هناك آيات وان كانت هي بسياق العوالم اللاحقة ولكن بقانون المأثورعن اهل روايات اهل البيت وربما ايضاً يستفاد من الآية الكريمة وهو مبرهن ان المنتهى يكون بحيث كان المبدأ وتشير آيات عديدة في العوالم اللاحقة لان الابرار مثلاً كتابهم في عليين يشهد المقربون والكتاب هذا اقرأ كتابك كما كفى بنفسك عليك حسيباً هو النفس فأذن تشير الى ان بعض النفوس نشأتها من عليين او كما في جملة‌ من روايات عنهم عليهم السلام في توضيح مفاد ظهور هذه الآية ان جملة من النفوس اذن هي التي هي كتب الهية تحصي اعمال الانسان هي من نشأة العليين فيما اذا كان من الابرار او من نشاه السجين فيما اذا كان من الاشقياء.
المحاور: اذا اخذنا معنى الكتاب هنا بمعنى النفس.
الشيخ محمد السند: كما فيه اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا فحينئذ جعل هناك صلة الرقيقة بين الكتاب الذي يحصي كل شيء والنفس كفى بنفسك اليوم يعني نفس النفس هي محصية لاعمال الانسان بالتالي ما يسجل فيها من آثار. 
المحاور: وكون هذا الكتاب في عليين يعني اشارة عليين الى عالم آخر تنزل منه هذا الكتاب وهذه النفس تنزلت من ذلك العالم الى العالم الدنيا.
الشيخ محمد السند: وكذلك فاذا كان المقربون يشهدون كتاب، يعني عندهم هيمنة واشراف على كتاب الابرار او في عليين فنفوس المقربين من الواضح انها من فوق العليين اذن كما تشير الى ذلك سورة المطففين وسور اخرى قرآنية فاذن هناك ربما يعبر ايضاً في روايات اهل البيت عليهم السلام اشارة الى جملة من طوائف هذه الآيات ان هناك نشآت الطينة سواء طينة النفوس والارواح او يعني منشأ نشوئها وهناك ملحط الطين للابدان ايضاً فهذه بالتالي عوالم سابقة ايضاً عن الانسان وتشير لها الآيات الكريمة اجمالاً لكن في ترتيب هذه العوالم بالاستفادة من روايات اهل البيت والادلة العقلية نشأة الانوار او نشأة النور هي بدء النشآت وان كان ربما يستفاد من بعض الاحكام التي تبديها الآيات الكريمة استدلالاً على هذه المراتب بأعتبار اذا كان مثل نوره او ان مثل نوره هو نور السموات والارض اي انه سابق نشأة السموات والارض فاذا كان سابق هو الذي يظهر ويبرز السموات والارض موجودة فمن الواضح اذن كل ما يتأخر من نشأة الانسان عن السموات والارض فهو متأخر عن نشأة النور فبالتالي ربما من هذه الآية في سورة النور نستفيد ان نشأة النور ايضاً كما اشارت وعلمتنا الروايات الواردة في نشأة النور أنها هي النشأة الاولى وثم تاتي نشأة الارواح وهي ما بعد نشأة او الاضلة ربما يعبر عنها وهي ما بعد نشأة الانوار علي اية حال والنفوس قد اشرنا الى بعض الآيات الدالة على ذلك ولكن الواضح انها متأخرة عن نشأة السموات والارض وبالتالي فيه متأخرة عن نشأة النور.
المحاور: سماحة الشيخ هذا الترتيب الذي ذكرتموه واشرتموه اليه واضح انه التقدم والتأخر هنا ليس زماني.
الشيخ محمد السند: نعم، لان الزمان هو بدوره بنوبته متأخر في النشأة الزمان متأخر عن خلقة السموات والارض.
المحاور: يعني خاص بعالم الدنيا؟
الشيخ محمد السند: نعم.
المحاور: يعني المحور او الامر الضابطة هو التقدم والتأخر نسبة الى مبدا الخلق تبارك و تعالى؟
الشيخ محمد السند: نعم المحاور بهذا الاعتبار وكذلك هو في مسيرة المعاد تعاقب العوالم بلحاظ تعاقبها في بدء الخلقة سوف يكون ايضاً تعاقبها في انتهاء الخلقة.
المحاور: يعني هذا في الحقيقة هو تفسير اجمالي لان انا لله وانا اليه راجعون يعني انا للهات فيها اشارة الى هذه العوالم السابقة‌ وراجعون في مسار العوالم.
الشيخ محمد السند: أذن هذه النشآت نعم تكاملاً.
المحاور: سماحة الشيخ هنالك سؤال يتردد كثيرا في اذهان المستمعين وكثير من الاشخاص فيما يرتبط بهذه الرواية يقولون لماذا لا فتذكر العوالم السابقة يعني على الاقل اذا كانت عوالم القيامة والبرزخ وغيرها لم نمر بها بعد ولكن العوالم السابقة القرآن يصرح بأننا قدمررنا بها فلماذا لا نتذكرها لو سمحتم سماحة الشيخ هذا السؤال ان شاء الله يكون محور الحديث في الحلقة المقبلة.
الشيخ محمد السند: ان شاء الله.
المحاور: شكراً جزيلاً لسماحة الشيخ محمد السند على ما تفضل به.
الشيخ محمد السند: اهلاً وسهلاً.
المحاور: مستمعينا الافاضل الى ما تبقى من فقرات البرنامج.
المحاور:نتابع مستمعينا الافاضل تقديم الحلقة الرابعة من برنامج عوالم ومنازل بنقل حديث شريف يعرفنا بالسبيل الى الاستعداد الحقيقي للموت.

*******

الحديث مروي عن امير المؤمنين (عليه السلام) انه سئل ما الاستعداد للموت؟ اجاب عليه السلام: اداء الفرائض واجتناب المحارم والاشتمال على المكارم، ثم لايبالي اوقع على الموت ام وقع الموت عليه، والله لايبالي ابن ابي طالب اوقع على الموت ام وقع الموت عليه.
صدق وصي (رسول الله صلى الله عليه وآله) بهذا الحديث الشريف ننتقل الى الفقرة اللاحقة. 

*******

سياحت غرب (القسم الرابع)


تعنون متابعة رواية آية‌ الله القوجاني النجفي لمسيرة الانسان بعد الموت التي تصورها لنفسه استناداً‌ الى‌ ما ورد في النصوص الشرعية.
اجل ولو سمحتم امهد للقسم الرابع منها بذكر خلاصة لما جاء في سابقة وهو ان بطل هذه الرواية كان قد اجاب اجوبة صحيحة عن اسئلة فتاني القبر او منكر ونكير الا انهما طرحا عليه سؤالاً عن مصدر هذه الاجوبة استغربه كثيراً ولم يجد جواباً له الا بعد ان اعانه على ذلك شاب جميل ظهر له فجأةً اسمه الهادي، فذهب فتانا القبر وبقي هذا الشاب مع بطل الرواية.
من هذه النقطة نتابع معاً هذه الرواية قلت الهادي: ليس ثمة ما يسوغ طرح فتاني القبر لهذا السؤال علي، فحاله حال من تحترق يده بجمرة توضع في يده فيصرخ: لقد احترقت يدي فهل يسوغ لمن يرى الجمرة على كفه ان يسأله لماذا تقول: احترقت يدي؟! لقد كان سؤالهما الاخير من هذا القبيل.
اجاب الشاب: لا ليس سؤالهما من هذا القبيل، لان مجرد صحة الاجوبة لايفيد الانسان بل لابد من الايمان القلبي بهذه الحقائق، فهو الذي يحركه للعمل الصالح، والا الم يقر البشر جميعاً بربوبية الله في اليوم الاول عندما سألهم: ألست بربكم.
قلت: بلى، لقد فعلوا.
قال: لكنهم عندما امتحنوا بالتكاليف في العمال المادي غفلوا عن العمل، لان اقرارهم الاول كان باللسان، وهنا ايضاً يجيب الجميع من المؤمنين والمنافقين اجابات صحيحة في المرحلة الاولى من هذا العالم، اما السؤال الاخير فهو الذي يكشف فيما اذا كانت هذه العقائد قد رسخت في القلوب حقاً ام لا فاذا كانت راسخة جاء الجواب مثل الجواب الذي جرى على لسانك وبه نجوت والا فلن ينفع تقليد الآخرين في القول. لقد ذكرت ذلك اخبار المعصومين فهل نسيت؟
قلت: نعم الآن تذكرت، لقد انسانيه هول الموقف وانت ذكرتني لا ابعدك الله عني،‌ ان الاوان ان تخبرني كيف عرفتني وانا لم ارك من قبل... لا اكتمك رغم حداثة معرفتي بك، الا ان حبي لك اشتد الى درجة تجعلني ارى هلاكي في فراقك!
زاد الشاب من تعجبي عندما قال لي: لقد كنت معك منذ البداية لكنك لم تكن تشعر بي لانك لم تكن نافذ البصيرة في عالم المادة فلم يكشف عنك غطاءك كما هو حالك اليوم.
قلت: فديتك! من انت؟
اجاب: انا حبل المودة الذي يربطك بأهل بيت النبوة ولذلك كان اسمي الهادي اي هاديك انت. فأنا صورة تمسكك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها ولذلك فانا لا انفصم عنك ولا افارقك ولم افعل ذلك فلا فراق بيننا الا ان تبتعد عني باتباع الهوى.
سألته: اخبرتني ان اسمك الهادي وكنيتك ابو الوفاء وابو تراب، فما سر هذه الكينة قال: انا وليد علي ومودة اهل البيت في قلبك، ومودة اهل البيت توجد فيه الوفاء للناس والتواضع للمؤمنين.
ثم قال: انا الامانة الالهية التي عهد الله بك اليك وقد تحدث القرآن عني كثيراً، وقد قرأت القرآن كثيراً فكيف تقول انك لا تعرفني؟!
ثم ذهب عني هذا الشاب، فسرحت بي الافكار، اتأمل فيما انا فيه وفيما قاله لي هذا الشاب الهادي، فادركت حقيقة ان حالات الانسان ومسيرته في العالم المادي الدنيوي ما هي الا كحلم يراه ثم يستيقظ ويرى الحقائق، فيشعر كل انسان بالحسرة بقدر ما فيقول: يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله، ولا جدوى من الندم فقد اغلق باب التوبة.
رزقنا الله واياكم احباءنا التوبة قبل الموت والمغفرة بعد الموت والعفو عند الحساب.
اللهم آمين فأن منزل الموت هو اول منازل الآخره كما جاء في حديث الامام الصادق عليه السلام ومن خصائصه ان باب التوبة يغلق عند معاينته.
تعني عند معاينة الموت وقبل وقوعه بالكامل؟
اجل فثمة عدة مراحل في هذا المنزل اولها مرحلة الاحتضار او معاينة الموت او سكرة الموت حسب التعبير القرآني.
بعد ان تعرفنا على خصائص الموت العامة ينبغي اذن ان نتعرف على مراحله وما ينبغي للمؤمن ان يعرفه ويقوم به لاجتيازها بسلام وسلامة. 
هذا ما نبدأ به في الحلقة المقبلة ان شاء الله فالوقت المخصص لهذه الحلقة قد انتهى.
ان شاء الله ولكن في بداية الحلقة سننقل قصة من القرآن الكريم بشأن اغلاق باب التوبة عند معاينة الموت. ان شاء الله ثم نتحدث عن مرحلة معاينته فهي اولى مراحله. 
نسأل الله ان يعيننا جميعاً‌ على معرفة ما نجتاز به منازل الآخرة بفلاح وفوز ببركة التمسك بولاية اوليائه. اللهم آمين مستمينا الافاضل الى موعد لقائنا المقبل نستودعكم الله بكل خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

*******

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

ذات صلة

المزيد
جميع الحقوق محفوظة