بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على أشرف خلق الله محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين.. مستميعنا الأكارم في كل مكان السلام عليكم ورحمة من الله تعالى وبركات، تحية طيبة مباركة لكم وأنتم تستمعون الى حلقة أخرى من برنامج "نهج الحياة" حيث سنقدم لحضراتكم فيها تفسير سورة الشمس المباركة..
ورد في هذه السورة، أيها الأفاضل، أكبر عدد للأيمان والقسم في القرآن، إذ جاءت فيها الأيمان متتالية، أجل، عزيزي المستمع، جاء أحد عشر قسماً للتأكيد على أهمية تزكية النفس.. أما الآن، ندعوكم، أيها الإخوة والأخوات للإستماع الى تلاوة الآيات الأولى حتى الثامنة من سورة الشمس المباركة..
بسم الله الرحمن الرحيم.. وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا{1} وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا{2} وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا{3} وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا{4} وَالسَّمَاء وَمَا بَنَاهَا{5} وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا{6} وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا{7} فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا{8}
كما أشرنا لحضراتكم أيها الكرام، فإن أكثر سورة فيها قسم هي سورة الشمس، فمن الطبيعي إذاً أنها تتعرض لأهم المسائل وهي مسألة تزكية الروح من أي رجس ودنس، وقد يكون الهدف من كل هذه الأيمان التي تبين أن الفلاح يكمن في التهذيب، هو تفهيم الإنسان بأن الله عزوجل قد هيأ له كل المقدمات، لكي يسلك باختياره طريق تزكية النفس.
وذهب بعض المفسرين الى أن كلمة "طحاها" تشير إلى حركة الأرض، لأن أحد معاني الطحو هو الدفع والتحريك.
كما تشير الآيات إلى حث الإنسان على تغيير نمط تفكيره المادي بالبطن والشهوة والقوة إلى التأمل في عمق السموات والأرض ودوران الكواكب وتكوين الأيام.
أيضاً، أيها الأفاضل، قالوا في الإختلاف بين الإلهام والوحي، أن الإلهام هو الإدراك الذي لا يعرف الإنسان مصدره، في حين أن متلقي الوحي يعرف مصدر الوحي.
ومما تعلمه إيانا هذه الآيات الكريمات أولاً: لقد عُدلت ميول الإنسان ومتطلباته وغرائزه بشكل حكيم.
ثانياً: الذنب هو ضرب من تمزيق ستار العفة والديانة.
ثالثاً: وُضع فهم السيئات والحسنات وإدراكها في عمق روح الإنسان بشكل فطري.
ورابعاً: بداية يجب أن نعرف المفاسد، ثم نتعرف إلى كيفية الحذر منها والإبتعاد عنها.
والآن، أيها الأحبة، ننصت وإياكم خاشعين الى تلاوة الآيات التاسعة حتى الخامسة عشرة وهي آخر آيات سورة الشمس المباركة..
قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا{9} وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا{10} كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا{11} إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا{12} فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا{13} فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا{14} وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا{15}
ورد عن الإمام الباقر (ع) في تفسير آيه " قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا": (قد أفلح من أطاع) يعني قد أفلح من أطاع النبي والأئمة المعصومين؛ وتشمل تزكية النفس الإبتعاد عن المعتقدات والأخلاق والتصرفات غير اللائقة، واكتساب المعتقدات والأخلاق والأفعال الحسنة.
أما كلمة "دس" فهي بمعنى أخفى، وقد عبر القرآن الكريم عن دفن البنات أحياء في التراب بالقول (يدسه في التراب) أجل، فإن العاصي ليس له القدرة بسبب خجله على مواجهة المجتمع ويسعى إلى إخفاء عيوبه وأخطائه، وتطلق كلمة (دسيسة) كذلك على العمل السيء الذي يعمله الإنسان بالخفاء.
أما "الدمدمة" بمعنى العذاب القاهر والشديد الذي يقطع المعذب ويشتته. والمقصود من كلمة "سواها" إما أن يكون قلع وتدمير الأبنية وتسويتها بالتراب، وإما أن يكون المقصود هو الناس الذين سووا بالتراب.
وحول هذه الآيات جاء عن الإمام علي بن ابي طالب (ع): (أيها الناس إنما يجمع الناس الرضاء والسخط، وإنما عقر ناقة ثمود رجل واحد فعمهم العذاب لما عموه بالرضا..)
ومن تعاليم هذه الآيات البينات يمكن القول أولاً: إذا تركنا النفس لهواها فستجر الإنسان الى السقوط، لذا يجب التحكم بها.
ثانياً: التزكية وبناء النفس لا تكون بحرمان النفس وإنما بتنميتها.
ثالثاً: تهديم المقدسات دليل على الشقاء.
رابعاً: كل ما ينسب الى الله تعالى فهو مقدس، ويجب أن يكون موضعاً للإحترام وإهانته تجر العذاب الإلهي.
خامساً: من يرضى عن ذنوب الآخرين يكون شريكاً لهم في الجرم.
وسادساً: العقاب الإلهي، تجلٍ لربوبيته جل وعلا.
مع ختام تفسير سورة الشمس المباركة، نصل وإياكم الى نهاية هذه الحلقة من برنامج "نهج الحياة" فحتى اللقاء القادم لكم منا أطيب المنى والسلام خير ختام.