بسم الله وله الحمد حمد الشاكرين على ما أنعم علينا سيما نعمة الهداية والإيمان، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.. حضرات المستمعين الأفاضل في كل مكان سلام من الله عليكم ورحمة من لدنه تعالى وبركات.. تحية طيبة لكم وأهلاً بكم في هذه الحلقة من برنامجكم القرآني "نهج الحياة" حيث سنقدم لكم فيها تفسيراً موجزاً لسورة البلد المباركة نشرعه بالإستماع الى تلاوة آياتها الأولى حتى السادسة، لنستمع معاً..
بسم الله الرحمن الرحيم.. لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ{1} وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ{2} وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ{3} لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ{4} أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ{5} يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُّبَداً{6} أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ{7}
أيها الكرام، استعملت جملة "لا أقسم" ثلاث مرات في القرآن الكريم، وقد فسرها المفسرون على صورتين، قال فريق إن اللام زائدة واعتبروا أن معناها (أقسم)، وقال فريق آخر إن معاناها لا أقسم، بمعنى أن المسألة واضحة جداً لدرجة أنها ليست بحاجة للقسم.
أما المقصود بالبلد، هو مكة التي كانت تتمتع بالإحترام حتى قبل الإسلام، مكة هي الحرم الإلهي الآمن وأول بيت وضع للناس.
وفسرت جملة "وأنت حل" بأكثر من معنى، أحدها أنك مقيم في البلد والمعنى الثاني أن أهل مكة أحلوا إهانتك في هذا البلد، فلن أقسم بالمدينة التي أحلت إهانتك، والمعنى الثالث أنه: يا أيها الرسول، يدك مبسوطة للتصرف في هذه المدينة وتستطيع أخذ أي قرار بخصوص المخالفين في فتح مكة.
أما "كبد" فبمعنى المشقة والصعوبة و"لُبد" يعني الصوف المتراكم، وقد ذهب بعضهم إلى أن كبد بمعنى منتصب القامة والمعتدل.
واستند بعض المفسرين إلى أن المقصود من الوالد وما ولد هو إبراهيم وإبنه إسماعيل عليهما السلام.
ومما تعلمه إيانا هذه الآيات المباركة أولاً: تأخذ المدينة قيمتها من الساكنين فيها.
ثانياً: كل مال لا يصرف في طريق الحق سيكون سبباً للحسرة.
وثالثاً: كل محاسبة لا يكون لله سبحانه تعالى مكان، فيها الفساد والضرر.
أما الآن، أحبة الخير، ندعوكم للإستماع الى تلاوة الآيات الثامنة حتى السادسة عشرة من سورة البلد المباركة..
أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ{8} وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ{9} وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ{10} فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ{11} وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ{12} فَكُّ رَقَبَةٍ{13} أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ{14} يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ{15} أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ{16}
كلمة "نجد" أيها الأفاضل، بمعنى المكان المرتفع، في مقابل "تهامة" بمعنى المنحدر، ووفقاً لقول الإمام الصادق (ع) يطلق على طريقي الخير والشر، النجدان.
و"عقبة" أي المضيق والممر الضيق والصعب، و"الإقتحام" يعني رمي النفس في الصعوبات، أما "مسغبة" تعني المجاعة، و"مقربة" تعني القربى، و"متربة" من تراب وتعني الجلوس على التراب.
ومن ما نستقيه من منهل هذه الآيات الشريفة أولاً: أفضل طريق لمعرفة الله عزوجل هو التدقيق والمطالعة في مخلوقات الله الدالة على حكمته.
ثانياً: كل الناس يعرفون الخير والشر عن طريق العقل والفطرة أو عن طريق توجيهات الأنبياء والأوصياء والعلماء.
ثالثاً: قبل دعوة الناس الى الخير ينبغي تذكيرهم بألطاف الله تعالى.
ورابعاً: طالما يؤكد الإسلام على الأوضاع المادية للطبقة المحرومة وعلى وجوب حل مشاكلهم.
والآن، إخوة الإيمان، ننصت وإياكم خاشعين الى الآيات السابعة عشرة حتى العشرين وهي آخر آيات سورة البلد المباركة..
ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ{17} أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ{18} وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ{19} عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةٌ{20}
أيها الأفاضل، فسرت جملة " ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا" بطريقتين: الأولى) إن أعمال الخير كتحرير الأسير وإطعام الجائع، هي أرضية للإيمان ولتوصية الآخرين بأعمال الخير. الثانية) قيمة الإيمان ومقامه، أرفع من إطعام الجائع وتحرير الأسير، لذا فُصل بين الأمرين بكلمة (ثم). وقد جاءت كلمة (تواصوا) من باب التفعيل، بمعنى أن التوصية بأعمال الخير يجب أن تكون حالة عامة ومتبادلة بين الجميع لا من طرف واحد.
وأما كلمة "ميمنة" فمن اليُمن واليمين، بمعنى البركة والمباركة، وأصحاب الميمنة هم الذين تصاحبهم الميمنة والبركة بشكل دائم. وقيل إن أصحاب الميمنة هم الذين تعطى لهم كتبهم بيدهم اليمنى. وأما "مشأمة" فمن شؤم أي غير المبارك، وكلمة "مؤصدة" من إيصاد بمعنى إغلاق الباب بإحكام.
ومما نستقيه من معين هذه الآيات المباركة أولاً: المعرفة وحدها ليست كافية، القول والإستماع مؤثران كذلك.
ثانياً: أفضل معروفَين يجب التوصية بهما هما: الصبر والرحمة.
ثالثاً: شكر نعمة اللسان والكلام يكون بتوصية الآخرين بالخير.
ورابعاً: بالحلم والصبر، يصل كل عمل إلى نتيجة.
مع ختام تفسير سورة البلد المباركة، وصلنا وإياكم، أيها الأطائب، الى نهاية هذه الحلقة من برنامج "نهج الحياة" فحتى لقاء آخر وتفسير آخر من آي الذكر الحكيم دمتم بخير وفي أمان الله وحفظه.