السلام عليكم مستمعينا الأفاضل ورحمة الله وبركاته...
تحية من الله مباركة نحييكم بها ونحن نلتقيكم بفضله في حلقة اليوم من برنامجكم العقائدي هذا.
سؤالنا فيه هو: كيف نستدل بآية (إنما وليكم الله) المعروفة بآية الولاية على إمامة أئمة العترة المحمدية – عليهم السلام – وما الذي نستفيده عقائدياً من ذلك؟
نتلمس الإجابة من ثقلي الهداية فكونوا معنا.
آية الولاية هي الآية الخامسة والخمسون من سورة المائدة وهي مع الآية السادسة والخمسين من هذه السورة قول الله أصدق القائلين:
"إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ{٥٥} وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ{٥٦}"
وكما تلاحظون – مستمعينا الأفاضل – فإن القرآن الكريم يستخدم أقوى أدوات الحصر وهي (إنما)، لبيان أن الأولى بأمور الخلق هو الله تبارك وتعالى بالأصالة ومنه تكون لرسوله – صلى الله عليه وآله – ومنه تكون لطائفة خاصة من المؤمنين.
هذه الطائفة الخاصة من المؤمنين ذكرها جل جلاله بصفة معينة هي إيتاء الزكاة في حال الركوع وفي ذلك إشارة إلى حالة أعمق هي أن تعبدهم لله عزوجل لا يصدهم عن رعاية خلقه وقضاء حاجاتهم.
وقد أجمع المفسرون على أن الآية نزلت في حادثة تصدق أميرالمؤمنين – عليه السلام – بالخاتم راكعاً وهو يصلي لله عزوجل في مسجد النبي صلى الله عليه وآله.
وفي ذلك تصريح بليغ إلى أن علم هذه الطائفة الخاصة من المؤمنين هو أميرهم الوصي المرتضى – سلام الله عليه – فله تكون هذه الولاية الإلهية والمحمدية على الناس.
وتكون هذه الولاية أيضاً لمن كان شاكلته – عليه السلام – ولذلك جاء الضمير بصيغة الجمع في هذه الآية حيث قال تبارك وتعالى "وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ".
وفي ذلك أبلغ الإشارة إلى أن هذه الآية تشمل غير الوصي المرتضى – عليه السلام – ممن يتصفون بصفته هذه، وقد عرفهم النبي الأكرم – صلى الله عليه وآله – للأمة بأنهم العترة الطاهرة وتكملة إثني عشر إماماً.
من هنا قال إمامنا الصادق – عليه السلام – في تفسير هذه الآية في حديث مروي في أصول الكافي: "فأنزل الله فيه [يعني علياً عليه السلام] هذه الآية، وصير نعمة أولاده بنعمته فكل من بلغ من أولاده مبلغ الإمامة يكون بهذه النعمة مثله فيتصدون وهم راكعون".
أيها الأفاضل، إن المهم في هذه الآية الإشارة إلى هذه الروح المخلصة في الجمع بين عبادة الله عزوجل وخدمة عباده، فهي التي تؤهل هذه الطائفة الخاصة من المؤمنين لأن يجعل الله لهم ولايته وولاية رسوله على الناس.
وليس المراد حصر هذه الأهلية بحالة التصدق في الركوع، فقد روي في تفسير البرهان أن بعض الصحابة قال: والله لقد تصدقت بأربعين خاتماً وأنا راكع لينزل في ما نزل في علي بن أبي طالب فما نزل.
أما معنى الولاية التي جعلها الله لأئمة العترة الطاهرة في هذه الآية الكريمة فهو واضح، إنه من سنخ ولاية الله ورسوله على الناس، وهي الولاية التي تتضمن الإمامة ووجوب الطاعة كما هو ظاهر، وإبداء تفسيرات أخرى كمعنى النصرة أو المحبة مثلاً هو من التكلف الذي تبطله الآية نفسها بإطلاقها كما تبطله الآية اللاحقة عندما تصرح بأن التولي لله ولرسوله ولهذه الطائفة الخاصة من المؤمنين سبب دخول المؤمن في حزب الله.
وحزب الله قرآنياً يعني المؤمنين الذين كمل إيمانهم وصدق توليهم لله وبراءتهم من أعدائه وهذا ما تشير إليه الآية ۲۲ من سورة المجادلة حيث يقول الله تبارك وتعالى:
"لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ".
وهذا ما تؤكده كثير من الأحاديث الشريفة نذكر نموذجاً لها بعد قليل فأبقوا معنا مشكورين.
جاء في تفسير كنز الدقائق عن أبي جعفر الباقر – عليه السلام – أن رهطاً من اليهود أسلموا منهم عبد الله بن سلام... فأتوا النبي – صلى الله عليه وآله – فقالوا يا رسول الله، إن موسى – عليه السلام – أوصى إلى يوشع بن نون فمن وصيك ومن ولينا بعدك؟
فنزلت هذه الآية "إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ" فقال رسول الله – صلى الله عليه وآله – قوموا:... فأتوا المسجد فإذا سائل خارج فقال – صلى الله عليه وآله -: يا سائل أما أعطاك أحد شيئاً.. قال السائل: نعم هذا الخاتم.. فقال – صلى الله عليه وآله - : من أعطاكه؟ قال: أعطانيه ذلك الرجل الذي يصلي، قال: على أي حال أعطاك؟ قال: كان راكعاً.
فكبر النبي – صلى الله عليه وآله – وكبر أهل المسجد، فقال النبي – صلى الله عليه وآله - : علي بن أبي طالب وليكم بعدي.
قالوا: رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً وبعلي بن أبي طالب إماماً وولياً فأنزل الله تعالى [قوله] "وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ".
وإلى هنا أيها الأكارم ننهي حلقة اليوم من برنامج (أسئلتنا وأجوبة الثقلين) إستمعتم لها من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، شكراً لكم وفي أمان الله.