من الصادقين بمعنى من المعاني هو الشاعر، هو الفيلسوف الدكتور محمد اقبال اللاهوري رحمه الله، اذكر انا كلمة للامام آية العظمى السيد علي الخامنئي تكلم عنه ذات مرة قال محمد اقبال من الشخصيات البارزة في التاريخ الاسلامي والاكتفاء بوصفه فيلسوفاً وعالماً لا يؤديه حقه بل هو مصلح ومحرر كبير، محمد اقبال الذي دفعني للتحدث عنه ما فهمته واعتقده بأنه موالي لأهل البيت سلام الله عليهم ولمست هذا المعنى من عدة مؤشرات سأشير اليها بأجمال تباعاً رغم الوقت المحدود لهذا البرنامج.
محمد اقبال هذا الشاعر الموهوب هو اساساً من كشمير من مواليد عام 1294 هجرية يعني 1877 ميلادية، ابوه اسمه نور محمد رحل من كشمير الى البنجاب وسكن مدينة سيالكوت في البنجاب وكان مسلماً ملتزماً ويقال رآى في منامه طائراً يحلق في الفضاء والناس يحاولون اقتناصه ولكن ما لبث ان هبط ذلك الطائر على صدره فأول البعض هذه الرؤيا بأنه يرزق ولداً نابغة وفعلاً ايام بعد هذه الرؤيا رزق ولداً سماه محمد وهو محمد اقبال، هذا الولد الموهوب كان يتدرج بسرعة في عالم المعرفة واتقن عدة لغات من صغره كالانجليزية والعربية والفارسية وحفظ القرآن من ايام صباه، في ريعان شبابه او مقدمات حياته اخذ ينظم الشعر باللغة الفارسية لأن اللغة الفارسية كانت تغطي عموم الهند آنذاك، الان اذا تذهب الى الهند وتزور معالمها الاثرية والسياحية مثل تاج محل وغيرها ترى التراث كله باللغة الفارسية لذلك نرى بدايات شعره او اكثر شعره باللغة الفارسية ولاحظت بعض ابيات شعره بالفارسية يصف نفسه بغلام للامام علي سلام الله عليه ولولا هذا البرنامج بالعربية لذكرت بعض ابياته بالفارسية التي يقول فيها انا غلام للامام علي.
طيب محمد اقبال بعد تخرجه سافر الى المانيا وانجلترا وبقى سنين هناك وعاد محامياً من الدرجة الممتازة واستقر في لاهور مدرساً في الجامعة وفي مدينة لاهور في الاكادمية الحقوقية لكنه كان يتردد في لاهور على احد كبار علماء الامامية وهو آية الله الهروي رحمة الله عليه والذي اعتقده ان اتصالاته بهذا العالم الجليل آية الله الهروي ربما عززت صلته بأهل البيت او ربما هي التي بنت عنده هذا التفكير، في خضم ذلك انضم الى صفوف الدعاة المنادين لمقاومة الغرب والاستعمار الثقافي الغربي وكان متأثراً بمدرسة جمال الدين الافغاني الاسد آبادي واصبح من النشطاء البارزين في حركة تحرير الهند وبالخصوص باكستان وتضامن مع القائد الراحل محمد علي جناح والراجا محمود آباد والرجلين من القادة البارزين ومن اتباع اهل البيت، محمد علي جناح موالي لأهل البيت، شيعي امامي كذلك الراجا محمود آباد ومعهما الراجا محمد اسكندر ميرزا رحمه الله اول رئيس لجمهورية الباكستان فهو كان عضواً بارزاً وناشطاً فكان يهوى الادب العربي ومكتبة المرحوم آية الله الهروي في لاهور كانت مكتبة عربية فكان هو عنده المام بالعربية وبدأ ينظم الشعر باللغة العربية وشعر ممتاز:
قال خير الخلق تاج المرسلين
كل ارض مسجد للعالمين
اي محراب يضم الساجدين
ان تركت الارض للمستعمرين
حرر الارض لتبني المسجداً
لا تدع فيها غيرك سيداً
ونقرأ في شعر محمد اقبال العربي ينظم في الاعتماد على الذات والثقة بالنفس وعزة الشخصية يقول:
ايها الشادي بقرآن كريم
وهو في الخلوة والدار مقيم
قم واسمعه جميع العالمين
قم وابلغه البرايا اجمعين
ثم يقول في عزة النفس وغنى النفس:
عندما آمنت بالله الاحد لم
اذل النفس يوماً لاحد
اذ اكن في غاية النمل خفاء
لست ارجو من سليمان عطاء
محمد اقبال سافر الى بيت المقدس من جملة سفراته عام 1930 ولما زارها القى العديد من المحاضرات وهناك ادرك مقدمات الطبخة الخبيثة لأبتزاز القدس وادرك التحضير لقيام الدولة الصهيونية او ما يسمى بوعد بلفور فأشترك هناك بنشاط فعال في المؤتمر الاسلامي وكان يردد بحماس كلمته الشهيرة على كل مسلم حينما يولد ان يردد كلمة لا اله الا الله وان يقطع على نفسه عهداً بالعمل على انقاذ المسجد الاقصى وفي هذا يقول:
حرف لا يعني لا اله الا الله
حرف لا مظهر لسر الجلال وهو للجور منذر بالزوال
حرف لا آية لبدأ المسير في طريق الاحرار نحو المصير
حرف لا صيحة تثير العبيدا ليزالوا مالم يزيلوا القيوداً
بهذا هو يدعو للتآلف، يدعو للاتحاد، يدعو للوحدة الاسلامية، يدعو لنبذ القيود العنصرية والاممية والعرقية والطائفية، لو لم توضع قضية فلسطين في البوتقة العنصرية والقومية العربية لما تمادى اليهود وسحقوهم ودمروهم لكن هذه قمة المؤامرة وعمق الفتنة لهذا هو يقول:
حرف لا صيحة تثير العبيدا ليزالوا مالم يزيلوا القيوداً
كل شعب يروم عز حماه فبنور التوحيد لا بسواه
ليس يحمي اوطانه غير حر سيفه لا اله الا الله
محمد اقبال له كلمة مأثورة يستشهد بها اصحاب البيان والقلم والحكمة هي: "ما وقع المسلمون في محنة الا وانقذهم الاسلام وما وقع الاسلام في محنة الا وخذله المسلمون وبالتالي ينقذ نفسه بنفسه" انا اتوقف عند شعر محمد اقبال بالذات واجي عند شعره في آل البيت،انا وضعته في خانة الصادقين، له قصائد رائعة في اهل البيت في المجال العربي مثلاً له قصيدة رائعة في الزهراء فاطمة وانا اعتبر هذا مؤشر كبير على تشيعه الخفي، يقول:
المجد يشرق من ثلاث مطالع
في وجه فاطمة فما اعلاها
هي بنت من هي زوج من هي ام من
من ذا يضاهي في الفخار اباها
هي ومضة من نور عين المصطفى
هادي الانام اذا تروم هداها
هي اسوة للامهات وقدوة
يترسم القمر المنير سناها
في روض فاطمة نما غصنان
يعني الحسن والحسين.
في روض فاطمة نما غصنان
لم تنجبهما في النيرات سواها
ثم يقول:
ولزوج فاطمة في سورة هل اتى
تاج يفوق الشمس عند سناها
طبعاً يشير في هذا البيت الى 18 آية من سورة هل اتى نزلت في اهل البيت بأجماع المفسرين الا من شذ من آية «إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ الى آية إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا» 18 آية في آل البيت.
قرأت لمحمد اقبال بيتين في الحسين (عليه السلام) لكن يربط بين الحسين وبين اسماعيل يقول:
في الكعبة العليا وقصتها
نبأ يفيض دماً على الحجر
بدأت بأسماعيل عبرتها
ودم الحسين نهاية العبر
يشير الى هدف واحد بين اسماعيل والحسين (عليه السلام) من ابياته في الحسين:
ارفعوا الورد والشقائق اكليل
ثناء على ضريح الشهيد
ذاك لون الدم الذي انبت
المجد وروى به حياة الخلود
اخيراً توفي محمد اقبال بعد مرض عضال الزمه الفراش طويلاً حتى وافته المنية في 21 / 4 /938 ميلادية بعد سبعين سنة من الجهد والعمل وخلف فراغاً هائلاً وترك اكثر من عشرين مؤلفاً في مختلف العلوم وآلاف القصائد ووري الثرى في لاهور في الباكستان وقبره اليوم معلم من معالم الباكستان السياحية والحضارية.
*******