بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله رب العاليمن والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.. أحبتنا المستمعين الأكارم سلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته وأهلاً بكم في حلقة جديدة من برنامج "نهج الحياة" حيث نستأنف فيها تفسير سورة الواقعة المباركة نستهلها باستماع تلاوة الآيات السابعة عشرة حتى الرابعة والعشرين منها..
يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ{17} بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ{18} لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنزِفُونَ{19} وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ{20} وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ{21} وَحُورٌ عِينٌ{22} كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ{23} جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{24}
أيها الأفاضل، مما تعلمه إيانا هذه الآيات المباركة أولاً: الخدم الموكلون بالضيافة في الجنة لهم خصائص منها دوامهم وخلودهم وحملهم لكل ما تتوقف عليه الضيافة والاهتمام بالضيف.
ثانياً: في أي نوع من أنواع الطعام، الرغبة الى الطعام والميل إليه هو الأساس.
ثالثاً: نساء الجنة يجمعن بين الجمال والصون والبعد عن أعين الدخلاء.
ورابعاً: في الدعوة الى عمل الخير، من المناسب الإشارة الى آثار الأعمال ونتائجها.
أما الآن، إخوتنا الأكارم، ندعوكم للإستماع الى تلاوة الآيتين الخامسة والعشرين والسادسة والعشرين من سورة الواقعة المباركة..
لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلَا تَأْثِيماً{25} إِلَّا قِيلاً سَلَاماً سَلَاماً{26}
"اللغو" عزيزي المستمع، هو الكلام الذي لا فائدة منه ولا طائل من ورائه، و"التأثيم" بمعنى النسبة الى الإثم.
وقوله تعالى (إلا قيلاً سلاماً سلاماً) إما يراد به الكلام الخالي من اللغو والعبث، وإما الكلام المحفوف بالسلام والأمن والبعد عن الحرب والقتال.
ومما تفيدنا هاتان الآيتان الكريمتان أولاً: ليس في الجنة ما يزعج أو يكدر الخاطر.
ثانياً: لذات الدنيا مقرونة في كثير من الأحيان باللغو أو المعصية، وأما في الآخرة فهي غير ذلك.
وثالثاً: الجنة هي دار السلام والسلامة، ويمكن القول إن كل مجتمع يسود فيه السلام والبعد عن اللغو والإثم، هو جنة أرضية.
أيها الإخوة والأخوات، في هذه اللحظات ننصت وإياكم خاشعين الى تلاوة الآيات السابعة والعشرين حتى الأربعين من سورة الواقعة المباركة..
وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ{27} فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ{28} وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ{29} وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ{30} وَمَاء مَّسْكُوبٍ{31} وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ{32} لَّا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ{33} وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ{34} إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء{35} فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً{36} عُرُباً أَتْرَاباً{37} لِّأَصْحَابِ الْيَمِينِ{38} ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ{39} وَثُلَّةٌ مِّنَ الْآخِرِينَ{40}
"السدر" أيها الأعزة، هو نوع من الشجر وارف الظل، و"مخضود" أي مكسور الشوك، و"منضود" متراكم ومصفوف و"مسكوب" يعني مصبوب جارٍ كما يجري الماء من الشلال. و"أتراب" جمع ترب وهو المساوي في السن، ومنه "ترائب" وهي عظام الصدر المتقاربة في المكان والحجم.
أما "الطلح" فجمع طلحة وقيل هو شجر الموز، ويفسرها بعضهم بشجرة أم غيلان وتسمى السمرة، وهي من الأشجار المعروفة عند العرب.
أما "أصحاب الميمنة" هم "أصحاب اليمين" الذين أشار إليهم الله تعالى في الآية الثامنة، وقيل سُمّوا بهذا الإسم لأنهم يعطون كتاب أعمالهم بأيمانهم، أو لأنهم من أهل اليُمن والسعادة.
وفي ختام الآيات التي تتحدث عن ثواب المقربين، قال الله جل وعلا "جزاء بما كانوا يعملون" وأما في هذه الآيات فلم يذكر مثل هذ التعقيب، وكأن في ذلك إيحاء بأن جزاء هؤلاء تفضل من الله عزوجل.
ومن تعاليم هذه الآيات الشريفة أولاً: لأصحاب اليمين يوم القيامة مكانة عالية تثير الإعجاب والتساؤل.
ثانياً: لقد اكتشف العلماء فوائد وآثار لشجر السدر، ولكن ذكره بين شجر الجنة يدعو إلى مزيد من الدراسات حوله لإكتشاف آثاره على البيئة والصحة.
ثالثاً: الماء الجاري أفضل من الماء الراكد.
رابعاً: الجنة ونعمها تكون مخلوقة ومعدة من قبل.
خامساً: لا يخلو الزمان والأرض من جماعة الصالحين حسب قوله تعالى (ثلة من الأولين وثلة من الآخرين)
وسادساً: سبل التقرب الى الله مفتوحة للناس في كل العصور والأزمان.
إخوة الإيمان، أحبة القرآن الكريم، بهذا قد وصلنا الى ختام هذه الحلقة من برنامجكم القرآني "نهج الحياة" آملين أن قد نالت رضاكم فحتى لقاء آخر وتفسير ميسر آخر من آي ذكر الحكيم دمتم سالمين وفي أمان الله.