الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
ومن لباب الصادقين المخلصين والمجاهدين الوطنيين المرجع الكبير والزعيم المعظم الميرزا السيد محمد حسن الشيرازي قدس الله سره وهو من مواليد شيراز بايران عام 1230 هجرية وهو من اعاظم مجتهدي طائفة الامامية وكان موهوباً منذ صغره وعرف بأستعداده ونبوغه الخلاق فأكمل دراساته الاولية بشيراز ثم انتقل الى اصفهان وتطور في حوزاتها العلمية وقرأ الحكمة والفلسفة وعلوم الهيئة وغيرها وهاجر بعدها الى النجف الاشرف واصبح في طليعة تلاميذ المرحوم صاحب الجواهر اعلا الله مقامه المرحوم الشيخ مرتضى الانصاري وبعد وفاة المرحوم الانصاري اصبح مستقلاً ونال درجة الاجتهاد وهو ابن عشرين عاماً واخذ يدرس وصار يحضر عنده المئات من الافاضل واصبح المقلد الاول للطائفة في زمانه رغم وجود العديد من المؤهلين للتقليد اما سلوكه الاجتماعي فقد اشتهر بتواضعه وتقشفه واحتياطه الشديد في الامور المالية واشتهر بأدارته للامور بنفسه دون تدخل الاولاد والاصحاب والحواشي وكان فاتحاً باب بيته لعامة الطبقات ويلتقيهم بنفسه بلا واسطة وتعيين وقت وكان منفتحاً على الصغير والكبير ويستأنس في قضاء حوائج الناس وعرف عنه بأنه يقابل الاساءة بالاحسان فاذا ما كتب له احدهم كتاباً يهاجمه فيه يرد كان بعطاء مضاعف واشتهر عنه بأنه كان يجمع للفقراء واهل القرى والبوادي ما يحتاجون اليه من اموال واطعمة مرتين في العام. مرة بداية الصيف ومرة في بداية الشتاء. اما سفراته المباركة فقد سافر الى الحج وكانت سفرته مشهودة بخواطرها وذكرياتها ونزل ضيفاً على امير مكة انذاك وهو الشريف عبدالله الحسني بعد ان زاره في مكانه ونقله الى بيته وبعد عودته الى العراق سافر الى سامراء في شهر شعبان عام 1290 هجرية فقرر السكنى هناك وهاجر معه جمع غفير من الطلبة والعلماء وانشأ حوزة علمية وتدريس وبنا في سامراء مدرسة كبيرة تعرف بمدرسة الميرزا الشيرازي واصبحت معلماً مهم حتى هدمها دكتاتور العراق في بداية السبعينيات في خطوة متعمدة بأسم توسيع المنطقة وتجديد تخطيطها وهكذا في سامراء كان للميرزا الشيرازي خدمات جليلة وكبيرة طوال اقامته التي تجاوزت عقدين من الزمن او اكثر من قبيل بناء مدرستين كبيرتين، توسيع حرم الامامين العسكريين، بناء حمامين كبيرين للزوار احدهما للرجال والاخر للنساء كما شيد حسينية كبيرة لاقامة مراسم اهل البيت، قلت كل هذه المؤسسات غيبها طاغية العراق صدام خذله الله بحجة توسيع المنطقة، خلاصتها ان الميرزا الشيرازي اسدل المساعدات الكبيرة لكل الاسر في سامراء من سنة ومن شيعة وغير ذلك والزوار، اما ما يهمني اكثر في هذا الوقت المحدود جهاده السياسي والاجتماعي، الميرزا محمد حسن الشيرازي اتصف بقوة الشخصية والشجاعة العملية فمثلاً حينما زار حاكم ايران انذاك وهو ناصرالدين القاجار عام 1387 هجرية كان المتعارف ان يزوره العلماء في محل اقامته الا ان الميرزا محمد حسن الشيرازي ابى وحل الامر ان يتم اللقاء في حرم الامام امير المؤمنين في النجف الاشرف وذلك ان حضر ناصر الدين شاه الى الحرم بنفس الوقت الذي تعود الميرزا الشيرازي ان يتواجد في الحرم بهذا كبرت صورته في نفس حاكم ايران واخذ يشعر بهيبته وعظمته وجلالته. لان الميرزا الشيرازي كان جدياً وحدياً في هذا يعني شأنه شأن الامام الخميني رحمه الله وهو ان الحكام يجب ان يزوروا العلماء لا العكس وفي خضم جهاده السياسي ايضاً هو ان الميرزا الشيرازي لعب دوراً في وئد الفتن الطائفية التي دمرت العراق وكان الانكليز وراءها ولما وقعت الاضطرابات وتصاعدت المواجهة دخل الانكليز ليحلوا الفتنة بالظاهر لكن الميرزا الشيرازي كان متيقظاً لذلك فطرد القنصل البريطاني والحاكم العثماني حسن باشا حينما جاء لزيارته وارسل اليه بأن المشكلة سيحلها هو ولن نحتاج الى مداخلتهم وعلى الانكليز ان يكفوا شرهم عن الطرفين وبالتالي انتصر الميرزا الشيرازي على الفتن واحتواها كما ان للميرزا الشيرازي موقف جريء وشجاع وجهادي واضح في موقفه او في فتواه بما يسمى بقضية التنباك في ايران وتتلخص القصة في ان حاكم ايران ناصر الدين شاه القاجاري عقد صفقة تجارية مع دولة بريطانيا العظمى انذاك وطبعاً بسبب رشاوي كان يتلقاها اعوانه وندمانه فعقد صفقة تعطي بريطانيا امتياز التنباك في ايران لعشرين سنة فلا يزرع احد ولا يبيع احد ولا يتجار احد بالتنباك الا للبريطانيين. وشعر المزارعون في ايران بما فيهم السنة بالغبن والخسارة ثم الاستعمار الاقتصادي ولما توجه السنة المزارعون في ايران الى علمائهم ليتحركوا اجابوا انه لا يجوز عندنا رفض اجراءات الحاكم بأعتباره من ولاة الامور ثم نصح علماء السنة المزارعين الى مراجعة علماء الشيعة وقال لهم بأن علماء الشيعة احرار ويعملون بأستقلالية وهنا تحرك علماء الشيعة وكتبوا لزعيم الشيعة في العالم وهو الميرزا محمد حسن الشيرزاي في العراق وذلك عام 1307 هجرية وبعد ان درس الميرزا الشيرازي الامر فأصدر فتواه الشهيرة بمقاطعة الانكليز ورفض التعامل معهم في هذا الامر وحرم استعمال التنباك حتى ان زوجة ناصرالدين شاه حاكم ايران كانت تأتيه صباحاً بالغليون بعد صدور هذه الفتوى كسرت زوجة الشاه الغليون وكلها ولما طالبها الشاه بالغيون صباحاً قالت اني كسرتها لأنها حرام فقال لها الشاه: غاضباً انا امرك.
قالت: ان الذي حللني لك كزوجة هو الذي حرمها علي وعليك، رئيس وزراء الانكليز انذاك اوعز الى سفراءه في طهران وبغداد للتحري وان هذا من وما هي اساطيله وما هي جيوشه وما هي اسلحته فردوا عليه وهو صعق لما اخبروه انهم زاروا هذا العالم فوجدوا اثاث بيته لا يساوي عشرين دولاراً وان بابه مفتوحة لكل الناس وبالتالي فشلت هذه الاتفاقية والحق الاذى والضرر بالانكليز وخسروا ثمانية عشر مليون بوند انذاك وكانت مهمة قبل مئة سنة، هذا المجاهد الكبير كان له هذا الدور وخدمات جليلة ومواقف وطنية وخصوصاً فتاواه وموقفه بالنسبة مع التعامل مع الانكليز والغزاة، توفي اخيراً المرحوم المجاهد الكبير الميرزا محمد حسن الشيرازي في سامراء بعد مرض اقعده لشهرين فأنتقل الى جوار ربه في اربعة وعشرين من شعبان 1312 هجرية، حمل جثمانه على الرؤوس مشياً الى الكاظمية ثم الى النجف الاشرف محمولاً على الاكتاف وكانت تستلمه القبائل من قبيلة الى قبيلة ودفن في مقبرة بجوار باب الطوسي للصحن الحيدري واصبحت تعرف بمقبرة الميرزا الشيرازي واقيمت الفواتح على روحه لمدة عام كامل في كل مدن العراق وخارجه ورثاه الشعراء والعلماء من كل الاقطار تغمده الله برحمته الواسعة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******