الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
وفي مطالع من صدقوا بحبهم وتفانيهم لاهل البيت والنبي وآله هو المرحوم العالم الجليل السيد صالح القزويني البغدادي رحمه الله وهو من مواليد النجف الاشرف عام 1208 هـ في شهر رجب وهو من مشاهير الشعراء في القرن الثالث عشر الهجري، نشأ المرحوم السيد صالح القزويني في مدينة النجف الاشرف واعتنى به ابوه عناية فائقة فغذاه بالاخلاق وافاض عليه من روحه فنشأ شاباً موهوباً وقوراً، المرحوم السيد صالح القزويني البغدادي هو صهر المرحوم صاحب الجواهر المعروف بالشيخ محمد حسن الجواهري وقرأ عنده التفسير والفقه وسائر العلوم العقلية فكان عالماً واديباً وناقداً وقد ترك مجموعة من الدواوين والتأليفات كأرث علمي وادبي واثر انتقاله الى بغداد حيث كانت الساحة آنذاك في بغداد خالية والناس هناك بحاجة الى مرجع علمي وديني يرجعون اليه في قضاياهم فآثر الانتقال الى بغداد ليسد هذا الفراغ وليخدم الشريعة الغراء هناك وصار له شأناً كبيراً في بغداد لما سكن هناك تولى الزعامة الدينية خصوصاً في جانب الكرخ فكان هو مرجع الرأي العام ومؤل القاصد وهو كان في شعره قوياً كما انه في طليعة من استخدموا النثر الفتي فأجاد فيه وله رسالتان في النثر اورد واحدة منها صاحب الحصون المينعة في كتابه سمير الحاضر والثانية ذكرها ولده في آخر ديوانه كما ان للمرحوم السيد صالح القزويني الجميل من الشعر في مختلف مناسبات اهل البيت(ع) ومن بديع ما قرأت له في الحكمة طبعاً هو شاعر ملهم وشعره كثير وغزير، يقول:
قلبي تصارع فيه الهم والهمم
حتى تسارع فيه الضعف والسقم
فالرأس مشتعل شيباً ومنعطف
كالقوس ظهري واذني نالها صمم
والجسم فيه ضنناً والقلب فيه
لظىً والجفن فيه قذىً والدمع فيه دم
فلم يغثني اخ اشكو اليه على علم
بضري ولاخل ولارحم
فألجأ الى الله واشفع بالنبي فما
حقاً سوى الله موجود هو العدم
رحمت ولدي علي ضعفي وكنت بهم
على شفا جرف هار وما رحموا
والى آخر هذه القصيدة الجميلة ومن قصائده الغراء، قصيدته في الامام الحسن المجتبى(ع) طبعاً تبلغ 151 بيتاً وله في كل الائمة وسأذكر في الحديث، هذه قصيدته في الامام الحسن(ع) اذ يقول فيها:
و ما شاقني ماء العذيب وبارق
ولاها جني بان النقى والمحصب
ولا والهوى نشر الغواني استفزني
ولا شفني رخص لابنان المخضب
وكيف وقد جأشت جيوش امية
على الحسن الزاكي الامام المهذب
امام على الدنيا اطل نواله
واخصب فيه كل اقفر مجدب
تجلى على الاسلام كوكب سعده
فأشرق من انواره كل كوكب
وقام مقام المرتضى في دفاعه
عن الدين بالحرب العوان المعطب
هذا في باب شعره اما في باب نثره، من نوادر نثره ما جاء في رسالته الى احد اصدقاءه، احد لصقاءه صديقاً حميماً من اهل العلم سكن سامراء انذاك فكتب له السيد صالح القزويني رحمه الله رسالة قال فيها: ثم يا من خصني بوداده ولم يزل يذكرني على بعاده اني كنت اتمنى التشرف بلثم اعتاب الائمة الامناء والفوز معكم بالاقامة في سامراء ولكن سوء الخط اقعدني والعجز عن مكرمة منعني، ثم يختتم هذه الرسالة الجميلة بهذا البيت:
يطالبني قلبي بكم كل ساعة
اذا افلس المديون لح المطالب
وبالتالي يقول في نهاية الرساله «والسلام عليكم وعلى من حواه مجلسكم الشريف ومحلكم المنيف مالاح نجم في السما وبل ريق فما، ومد مداد قلما ورحمة الله وبركاته» يعني ينقل الى اجواء النثر الجميل في الادب، الخلاصة ان هذا الشاعر الملهم والعالم الفذ السيد صالح القزويني البغدادي ترك آثاراً ثمينة وبالخصوص ديوانه الذي اطلعت عليه قبل اكثر من اربعين عاماً وكان عند الخطيب الراحل السيد ياسين القزويني الذي هو من ابناء عمومته لا حظت فيه قصائده في الائمة والمعصومين واحصيت مجموع شعره في ديوانه المسمى بالدرر الغروية الفين وثمنمئة وعشرين بيتاً منها مئتين وخمس وسبعون بيتاً في النبي(ص) ومئة وخمسة وسبعين بيتاً في الزهراء فاطمة(ع) وفي امير المؤمنين(ع) مئتين وثلاثة وثمانين بيتاً في الامام الحسن (ع) مئة وواحد وخمسين بيتاً كما تقدم وفي الامام الحسين(ع) قصيدته مئة وستة وعشرين بيتاً وهكذا في التسعة المعصومين(ع) وكان المرحوم القزويني قوي البديهة ضخم اللفظ متين القافية والاسلوب مكثراً مجداً مجيداً لم يسجل عليه احد شائنة ابداً وقبل اربعين سنة انا انسجمت بقصائده وانتخبت مقاطع من كل قصيدة مثلاً اتذكر قصيدته في الامام الكاظم(ع):
اعطف على الكرخ من بغداد وابكي لها
كنزاً لآل رسول الله فخروناً
موسى بن جعفر سر الله والعلم المبين
للدين مفروضاً ومسنوناً
الكاظم الغيظ عمن كان مقترفاً
ذنباً ومن عم بالحسنى المسيئينا
وكنت اقرأ هذه القصائد والمقطوعات في مجالس وبيوتات المراجع فكان يتفاعل المستمعون بلذائد قصائده الجميلة وقرأت له من جملة ما قرأت له من شعره هذا البيت الذي قاله وكان يردده عندما تقدم سنه وضعف حاله وما جنى عليه الكبر والذي ذكرته قبلاً:
قلبي تصارع فيه الهم والهمم
حتى تسارع فيه الضعف والسقم
كم اهتدى بوجود هذا الرجل في بغداد، المئات من مختلف الناس المنتمين الى الفرق والمذاهب استبصروا ببركة وجوده واراد الرجوع الى النجف فحال اهل الكاظمية وبغداد دون ذلك متمسكين بوجوده الى ان توفي رحمة الله في الخامس من ربيع الاول عام 1306 هـ ونقل جثمانه في تشييع مهيب من بغداد الى النجف الاشرف ودفن فيها وكان يوم وفاته يوماً مشهوداً في المدينة أسأل الله له العزة في الدنيا والآخرة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******