متحف الفن الإسلامي، شاهد على عراقة مصر في الحقب التاريخية الإسلامية جميعًا، وموثّقًا لتطور هذه الحضارة في مختلف مجالات العلوم مثل الطب والهندسة والفلك، حيث يضم مجموعة من المخطوطات والتحف في الطب والجراحة والأعشاب، وأدوات الفلك من الإسطرلابات والبوصلات والكرات الفلكية، وفي مجال الفنون الفرعية التي تُمثل مستلزمات الحياة من الأواني المعدنية والزجاجية والخزفية، والحلي والأسلحة والأخشاب والعاج والمنسوجات والسجاد.
وبدأت فكرة إنشاء متحف الفن الإسلامي في عهد الخديو محمد توفيق، وأسس المتحف الخديو عباس حلمي الثاني، عام ١٩٠٣ ويضم المتحف قرابة مائة ألف قطعة أثرية فريدة ونادرة. تتنوع القطع الأثرية التي يضمها المتحف بداية من العصر العباسي والأموي والطولوني والفاطمي والأيوبي والمملوكي والعثماني.
وينقسم المتحف إلى جناحين، الجناح الأيمن والجناح الأيسر، الجناح الأيمن مُقسّم تقسيمًا تاريخيًا، بينما الجناح الأيسر مُقسّم حسب المجالات ومنها الطب والهندسة، والنسيج والسجاد والخزف وشواهد القبور، وأدوات الحياة اليومية وغيرها.
ويضم المتحف واحدًا من أبرز فنون الحضارة الإسلامية وهو فن المشكوات، أو فن تشكيل الزجاج، وأكبر عدد من مشكوات الفن الإسلامي موجودة في متحف الفن الإسلامي، تحطم عدد كبير منها في الأحداث الأليمة التي تعرض لها المتحف سابقًا، وتم إنقاذ عدد كبير منها بأعمال الترميم، وتبقى مجموعة بالمتحف تُعد من أجمل فنون العصور الإسلامية، والتي تتميز بصعوبة تشكيلها، وعليها عدد من الكتابات التي تؤرّخ للحقبة التاريخية التي صنعت بها.
وتتنوع القطع النادرة والفريدة داخل متحف الفن الإسلامي، ومن بينها "كرسي العشاء" الذي كان يوضع قديمًا وتوضع أعلاه مائدة الطعام، بالإضافة إلى قطع نادرة توثّق لفن التكفيت والتخريم وبناء الأبواب.
كما يضم المتحف مجموعة نادرة من "الرنوك"، والرنوك هي التي تميز ملك من الملوك، وصاحب كل مهنة أو حرفة، فالفارس لأجل تمييزه يُمنح "رانك" معين يدل عليه، وكلمة رانك بالفارسة تعني شعارا.
ومن ضمن الرانكات المعروضة بالمتحف، رانك خاص بالظاهر بيبرس البندقداري، فيعرف مباشرة أن هذه التحفة المنقوش عليها تعود لعصر الظاهر بيبرس البندقداري، والرانك الذي يحتوي على نسر ذي رأسين، يعود للناصر صلاح الدين الأيوبي.
ثم تطور الأمر إلى "رنوك" وظيفية، فتجد رانك الكأس، وهو خاص بالساقي الذي يشرب قبل السلطان ليتأكد من سلامة شرابه، وهناك رانك السلحدار، وهو مسئول السلاح، وهناك رانك المسئول عن الشئون القبطية في العصر الإسلامي، وهي كانت إحدى الإدارات في الدولة حينها.
وهناك رانك البولو أو الجوكي، ويسمى الجوكيندار، أي المسئول عن عصى لعبة البولو الخاصة بالسلطان، وهناك رانك الدوادار وهو المسئول عن المكاتبات السلطانية وهذا الرانك على شكل الدواية، ولدينا أشهر رانك في التاريخ الإسلامي وهو الخاص بالظاهر بيبرس، وهو شهير نظرًا لكبر حجمه ويرمز له بالأسد أو السبع.
من القطع الفريدة التي يضمها متحف الفن الإسلامي بالقاهرة، هي الـ"كلجا"، وهي التي تشبه الزير لسقاية الماء، ولكنها مكونة من قطعتين، والتي تعد معلمًا من معالم الرفق بالحيوان في الدولة الإسلامية.
وكانت الـ"كلجا" توضع في الشارع لسقاية المارة، وكان أحد المارة إذا شرب من الجزء العلوي، وتبقى معه بعض الماء، كان لا يلقيه على الأرض بل يضعه في الجزء الأسفل من الـ"كلجا" ليشرب منه الطير والحيوان مثل الكلاب والقطط.
وتعد القاهرة منذ عصر الظاهر بيبرس البندقداري من أشهر المدن عناية بالحيوانات الأليفة، والدليل على ذلك، وجود غيط يُسمى غيط القطط والكلاب، وكان يلجأ له كل من لديه قطة أو كلب ولا يقدر على تربيتها، وكانت الدولة تُقدّم دعمًا ورعاية لهذا الغيط المخصص للحيوانات الأليفة.
يلفت انتباه الزائر لمتحف الفن الإسلامي بالقاهرة وجود أحد الأبواب الكبيرة، حينما تنظر إلى هذا الباب من بعيد تستشعر أنه يحتوي على زخارف نباتية، ولكن العجب حينما تقترب منه لتكتشف أن زخارفه على أشكال طيور وحيوانات صغيرة جدًا.
ويرجع الباب المصنوع من الخشب المصفح إلى العصر المملوكي، وهو مصفح بالنحاس بالكامل، وبه مسامير ضخمة لتثبيت النحاس ولكنها مزخرفة أيضًا، وما يميزه عن غيره هي الزخارف الحيوانية الدقيقة التي ينظرها الزائر من بعيد فيراها نباتات متشابكة وحينما يقترب، يكتشف أنها حيوانات وطيور صغيرة.
ويشير حسام زيدان، الباحث في التاريخ الإسلامي، إلى أن المتحف يضم واحدًا من أندر المنابر التي تعود لفترة الاحتلال العثماني لمصر، إضافة إلى إحدى المشرفيات، المكونة من خشب الخرط، بها الخورنقات التي كان يُنظر منها من داخل المنزل للخارج، مشيرًا، ومن القطع النادرة والغريبة بمتحف الفن الإسلامي، "القميص السحري"، وهذا القميص نقشت عليه طلاسم تحمي صاحبها من القتل.
وللمفارقة فإن صاحب القميص قتل، والقميص عليه آثار الدماء، ويرجع القميص إلى العصر الصفوي الإيراني، ويُسمى بقميص المأمون، ولا يُعرف بشكل دقيق من صاحبه أو الذي كان يملكه. وعلى القميص العديد من الطلاسم والنقوشات والكتابات غير المفهومة، ولا يوجد به سنتيمتر واحد دون نقش أو رسم، وسمي بالقميص السحري لأنه أنشيء بهذه الطريقة ليكون وسيلة للرد والحماية لمن يرتديه.
ويضيف "زيدان"، يضم المُتحف كتاب "أناتوني"، وهو الخاص بعلم التشريح، وبجانبه أدوات الجراحة التي يتم استخدام أغلبها حتى الآن، وبالكتاب مخطوط التشريح الخاص بـ"الشيرازي"، وهو إيراني، ويشرح تفاصيل أعضاء الجسم وتقسيماته، وهو ما يدل على الشوط الكبير الذي قطعه المسلمون في فترة من الفترات في علوم الطب، وهذا المخطوط والأدوات لجواره توجد في قاعة تُسمى بقاعة الطب في المتحف.
الدكتور ممدوح عثمان مدير عام متحف الفن الإسلامي، خلال جولة له مع "البوابة" في أروقة المتحف قال، إن الاحتفال يأتي بمناسبة مرور ١١٩ عاما على افتتاح المتحف الذي افتتح أول مرة للجمهور في ٢٨ ديسمبر عام ١٩٠٣ في عهد الخديو عباس حلمي الثاني، واليوم يمر ١١٩ عاما من الحضارة والريادة والثقافة.
واحتفالًا بهذا اليوم نقيم حفلا لجموع الشعب المصري من زوار المتحف، ولدينا عدد من الفعاليات على مدار اليوم بدأت بورش تعليمية لذوي الاحتياجات الخاصة، بالإضافة إلى ندوة تثقيفية يحاضر خلالها عدد من أساتذة جامعة القاهرة.
وأضاف مدير عام متحف الفن الإسلامي أنه إلى جانب الاحتفالية لدينا ثلاثة معارض، الأول معرض آثار، والثاني معرض فني، والثالث معرض مستنسخات أثرية، ويختتم اليوم بحفل يحييه المُنشد محمود التهامي، بالإضافة إلى حفل كورال من جامعة عين شمس.
وعن أبرز القطع الأثرية المعروضة قال "عثمان"، القطع المعروضة بمعارض اليوم تمثل معظم الحقب التاريخية، بداية من العصر الإسلامي وصولًا لأسرة محمد علي والدولة الحديثة.
وعن القطع الأثرية المعروضة في متحف الفن الإسلامي بشكل عام، قال ممدوح عثمان، متحف الفن الإسلامي به مجموعة من القطع النادرة، وهي قطع لا مثيل لها في أي بلد في العالم، لدينا على سبيل المثال "أبريق مروان بن محمد"، ويرجع للعصر الأموي.
ولدينا "باب لمسجد السيدة زينب"، عصر أسرة محمد علي، ولدينا "القميص السحري"، وفي الأخشاب لدينا "مجموعة قلاوون" وهي التي يُطلق عليها مجموعة الحياة اليومية، ولدينا في الزجاج "كأس عبدالصمد"، وهو كأس ذو بريق معدني، والمتحف يزخر بتحف من مختلف الحقب التاريخية.
وفيما يخص خدمات الزوار بالمتحف قال "عثمان"، يتميز المتحف بوجود شاشات "تاتش إسكرين"، لخدمة الزوار، وهو آخر عملية تطوير تمت بالمتحف، وهي سبع شاشات تحكي تاريخ المتحف بالكامل، وكل شاشة تحكي عن مجموعة من التحف التي ترجع لعصر معين، على سبيل المثال الشاشة بقاعة زيرو تحكي عن العصرين الأموي والعباسي.
وواصل: لدينا في المتحف مجموعة مستنسخات خاصة بذوي القدرات الخاصة، ومعلقة على الحوائط بحيث يستطيع لمس المستنسخ ويستشعر ماهية تكوينه، وتحته لافتة مكتوبة بلغة برايل، ليتمكن من قراءة معلومات عن القطعة المستنسخة.
واختتم بتأكيده أن المعارض ممتدة لمدة شهر داخل المتحف، والورش مستمرة على مدار العام وليست قاصرة على الاحتفالية وحسب، ففي كل يوم هناك ورشة تعليمية داخل متحف الفن الإسلامي.
وخلال الحفل افتتح الدكتور مصطفي وزيري الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار ثلاثة معارض مؤقتة تم تنظيمها احتفالا بهذه المناسبة، وهي معرض أثري تحت عنوان "رحلتنا: ١١٩ عاما من الإبداع والتميز،" ضم مجموعة من الصور الأرشيفية وكتبا تاريخية وقطعا أثرية متنوعة تعبر عن موضوعات متعددة مرتبطة بالحضارة الإسلامية. وذلك بهدف إظهار مدى ما تنطق به مقتنياته من دلالات تعبر عن عظمة دور متحف الفن الإسلامي في فهم الحضارة الإسلامية على مر العصور في جميع فروع العلم والمعرفة بمتعة وتشويق كون المتحف منهلا للباحثين والدارسين في العالم.
بالإضافة إلى معرض فني تحت عنوان "اقرأ وربك الأكرم" ضم مجموعة من ١٠٠ لوحة من فنون الخط العربي بالعالم الإسلامي بمشاركة فنانين للخط العربي من العديد من الدول مثل تايلاند والهند والصين واليابان والعراق ومصر وغيرها من الدول.
فضلا عن معرض فني لـ٧ نماذج لمستنسخات من القطع الأثرية المعروضة بالمتحف تم تنظيمه بالتعاون مع بيت جميل للفنون التراثية وصندوق التنمية الثقافية التابع لوزارة الثقافة، وستستمر المعارض حتى نهاية يناير القادم.
المصدر: البوابة نيوز