بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.. حضرات المستمعين الأفاضل سلام من الله عليكم ورحمة من لدنه تعالى وبركات.. تحية طيبة لكم أينما كنتم وأهلاً بكم في هذا اللقاء الجديد ضمن برنامجكم القرآني "نهج الحياة" حيث سنواصل في حلقتنا هذه تفسير سورة الرحمن المباركة بدءً بتلاوة الآيات التاسعة عشرة حتى الخامسة والعشرين منها فلنستمع معاً..
مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ{19} بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ{20} فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ{21} يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ{22} فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ{23} وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ{24} فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ{25}
كلمة "مرج" بمعنى أطلق وترك و"البرزخ" الحاجز بين الشيئين؛ وهنا أيها الأكارم، تحدثنا السورة أولاً عن الميزان والحساب والعدل، ثم يقول عزوجل (مرج البحرين يلتقيان) وبين الآيات تناسب واضح، فإن عدم اختلاط الماءين من لوازم العدل ومقتضياته، وعندما يسود العدل والعدالة تخرج الأرض والبحار والسماوات خيراتها.
ومما تعلمه إيانا هذه الآيات الشريفة أولاً: الكون، بما فيه من سماء وأرض وبحار، مدرسة للتوحيد.
ثانياً: البحر نعمة من الله على الإنسان والجن، سواء أكان يسكن على سواحل البحر أم كان بعيداً عنها.
ثالثاً: الإستفادة من النعم تتوقف على الجهد والسعي.
ورابعاً: الماء والتراب مصدر لكل ما تتوقف عليه الحياة الإنسانية، بل مصدر للكماليات أيضاً.
أما الآن، ندعوكم للإستماع الى تلاوة الآيات السادسة والعشرين حتى الثامنة والعشرين من سورة الرحمن المباركة..
كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ{26} وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ{27} فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ{28}
أيها الأفاضل، يقول سبحانه وتعالى في الآية الخامسة والثمانين بعد المئة من سورة آل عمران "كل نفس ذائقة الموت" ويقول في الآية الأخيرة من سورة القصص "كل شيء هالك إلا وجهه" وهنا تشير الآية الى هلاك كل شيء في الأرض. وعددت الآيات السابقة النعم الإلهية على المخلوقات، وفي هذه الآيات يذكرنا الله بأن العمر ينفد والفرصة قصيرة على الإنسان أن يستغلها، فكل الأشياء إلى فناء.
وتشير الآية السابعة والعشرين الى أنه على الرغم من أن المخلوقات المادية كلها تسير إلى الفناء، فإن الأعمال التي يقصد بها وجه الله تبقى وتدوم.
ومما نستفيده من هذه الآيات المباركة أولاً: على الإنسان أن يعتمد على الله وحده، فما سواه لا دوام له ولا استقرار.
ثانياً: الموت خطوة في مسيرة تربية الإنسان.
ثالثاً: الجلال والمهابة الإلهية مقترنان بالكرم والرحمة.
ورابعاً: الموت ليس شراً بل هو نعمة من النعم الإلهية، إذ لم يرد في هذه الآيات حديث عن أي نعمة مادية ومع ذلك يقول تعالى شأنه (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ.. الى أن يقول...فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ).
أيها الأكارم، في هذه اللحظات نشنف آذاننا بالإستماع الى تلاوة الآيتين التاسعة والعشرين والثلاثين من سورة الرحمن المباركة..
يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ{29} فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ{30}
أيها الأحبة، الطلب والسؤال، تارة يكونان بلسان الحال وأخرى بلسان المقال، والإنسان سواء طلب بلسانه وأظهر حاجته الى الله، أم لم يفعل، هو محتاج إليه عزوجل وحاله حال السائل دائماً.
والمراد من اليوم في الآية هو مطلق الزمان؛ لأن الله سبحانه خارج إطار الزمان والمكان. وقد ورد في الحديث في تفسير قوله تعالى "كل يوم هو في شأن" (من شأنه أن يغفر ذنباً ويفرج كرباً ويرفع قوماً ويضع آخرين).
ومما نستفيده من هاتين الآيتين المباركتين أولاً: لا تقتصر حاجة المخلوقات الى الله على الإنسان والمخلوقات الأرضية؛ الملائكة الذين هم مخلوقات سماوية، أيضاً بحاجة إليه تعالى شأنه، وفي حالة سؤال دائمة.
ثانياً: أفعال الله وأعماله ليست تقليداً لنموذج سابق، بل إبداع وخلق من العدم.
ثالثاً: تقتضي الحاجة الدائمة من المخلوقات، لطفاً دائماً ومستمراً من الله تعالى؛ ولذلك هو في حالة فيض دائمة على مخلوقاته كلها.
ورابعاً: لا يمكن أن يكون الله قد خلق العالم، ووكله إلى نفسه وتركه لحاله، بل هو يتولى إدارته وتدبيره.
إخوة الإيمان، إلى هنا قد وصلنا الى ختام حلقة أخرى من برنامجكم "نهج الحياة" فحتى لقاء آخر تقبلوا تحياتنا من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران.. دمتم سالمين وفي رعاية الله والسلام خير ختام.