الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
ولولا ابوطالب وابنه لما
مثل الدين شخصاً وقاما
فذاك بمكة آوى وحامى
وهذا بيثرب نال الحماما
وما ضر مجد ابي طالب
جهول لغى او بصير تعامى
هذه الابيات هي جزء من مقطوعة للشاعر والمحدث والكاتب الباحث ابن ابي الحديد المعتزلي صاحب الشرح المعروف شرح النهج.
طبعاً يشير بهذه الابيات ابن ابي الحديد الى ابي طالب عم النبي(ص). ويعرف جهاد الرسول والحديث عن ابي طالب طويل لكن انا الخص او اجمل بما يسمح به الوقت. قالوا زوراً وبهتاناً بان ابي طالب مات كافراً نستغفرالله من هذا الكلام، ويزعم السيد قطب رغم انه يقر السيد قطب المحدث صاحب التفسير المعروف في ظلال القرآن. رغم انه يقر جهاد ابي طالب ويقر بأن معنى قوله تعالى: "ألم يجدك يتيماً فأوى" يقول آواه بعمه ابي طالب لكنه على غير دينه. طبعاً هذه الضجة وهذا الاتهام يكمن وراءه سبب واحد، السبب هو ان ابا طالب كونه للامام امير المؤمنين. المشلكة هنا يعني العقدة هنا حتى ان احد الكتاب الف كتاباً في ابي طالب سماه بهذا الاسم "جناية علي على ابيه".
يعني لم يحصل خصوم اهل البيت خصوم الامام امير المؤمنين لم يجدوا متنفساً الامن خلال هذه التهمة، وهو ان ابا طالب مات كافراً بسبب ولده علي بن ابي طالب.
الغريب ان البخاري المحدث المشهور يستدل على كفر ابي طالب بشئ مختلط يقول: "لما احتضر ابوطالب وعنده شيوخ قريش كان النبي جالساً يخاطبه يا عم قل اشهد ان لااله الا الله وان محمداً رسول الله، كلمة احاج بها عند ربك فامتنع ابوطالب ومات كافراً واستغفر له النبي فنزلت هذه الآية "ما كان للنبي والذين امنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا اولى قربى" في حين لما نرجع الى التحقيق العلمي نرى بان المفسرين يجمعون على ان هذه الآية جزء من سورة التوبة، وسورة التوبة آخر ما نزل من القرآن نزلت سورة التوبة في السنة السابعة من الهجرة وفي المدينة وبينها وبين وفاة ابي طالب حوالي عشر سنوات فكيف يستدل بهذه الآية علي ابي طالب يا سبحان الله، على اي حال انا اروي هنا هذه اللقطة بالذات لانه الامام عبدالله بن محمد الشيراوي هذا معروف كاتب مصري شافعي يروي في كتابه "الاتحاف بحب الاشراف" قال: "ولما اسلم ابو قحافة وهو والد ابي بكر الخليفة الاول فقال ابوبكر للنبي يا رسول الله والذي بعثك بالحق نبياً لاسلام ابي طالب اقر لعيني من اسلام ابي لان اسلام ابي طالب كان اقر لعينك".
على اي حال لا اعرف كيف استدل البخاري بهذه الآية على كفر ابي طالب، وقلت بينها وبين وفاة ابي طالب اختلاف شاسع بالمكان والزمان. طبعاً البخاري يستند بهذه الرواية الى ابي هريرة، وهذه ايضاً لقطة تثير الدهشة ان ابا هريرة اسلم بعد واقعة خيبر. يعني اسلم وبين اسلامه واسلام ابي هريرة تسع سنوات فلا اعرف كيف يأتي ابي هريرة ويتحدث عن شئ وقع قبل اسلامه بكذا من السنين. العجيب ان ابي سفيان الذي كان يصرح دائماً وبالعلن ينادي لاجنة ولانار ولا حساب هذا يقولون عنه مات مسلماً، لكن ابوطالب رجل الجهاد يقال عنه مات كافراً. ثم نحن نعرف وهذا دليل واضح عند فقهاء الاسلام ان الاسلام لا يسمح للمسلمة ان تتزوج من الكافر، وطبعاً الدليل قرآني وواضح يستند اليه الفقهاء وقوله تعالى: "ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً". الرجل قيم على المرأة ربما يجبرها يخدعها، كما منع رسول الله ابنته زينب بعد ما اسلمت منعها من اللحوق بابي العاص ومضاجعته حتى يسلم الله عزوجل. يقول: "ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً" والنبي استناداً على هذا عمل والنبي حجة منع ابنته زينب ان تلتحق بزوجها او يضاجعها حتى يسلم، في حين ابا طالب من هي زوجته، فاطمة بنت اسد ام الامام امير المؤمنين وهي اول من بايعت النبي من النساء يوم نزلت الآية "اذ جاءك المؤمنات يبايعنك" وكل المؤرخين يذهبون الى انها لم تزل تحت ابي طالب حتى مات. فكيف تبقى تحته وهي مؤمنة والقرآن يشهد لها بالايمان وابو طالب كافر. هذا شئ يثير الدهشة في الواقع.
ثم يذكر المؤرخون كيف وقف ابوطالب لما شاهد النبي يصلي وخلفه علي فصاح بولده الآخر جعفر قال: "تقدم وصلي او وصل جناح بن عمك" فصلى جعفر فابتهج ابوطالب وهو يقول:
ان علياً وجعفراً ثقتي
عند ملم الزمان والكرب
والله لا اخذل النبي
ولا يخذله من بني ذو حسب
لا تخذلا وانصرا ابن عمكما
اخي لامي من بنيهم وابي
انا اروي هذه الرواية وبما يسع به الوقت.
في كنز الفوائد يروى ان رجلاً جاء للامام على وكان الامام جالس في الرحبة فقام اليه هذا الرجل وقال: "سيدي انك بالمكان الذي انزلك الله وابوك معذب في النار". يقول للامام علي انت في هذا الموقع وابوك يعذب بالنار فقال له امير المؤمنين: "مه فض الله فاك والذي بعث بالحق نبياً لو شفع ابي في كل مذنب على وجه الارض لشفعه الله أأبي معذب في النار وابنه قسيم الجنة والنار ويحك ان نور ابي طالب يوم القيامة ليطفئ انوار الخلائق الا خمسة نور النبي وفاطمه والحسن والحسين وانوار الائمة الا ان نوره من نور الائمة"، وفي كنز الفوائد ايضاً ان رجلاً سئل الامام الحسين اسمه ابان بن محمد بن يونس سأل الامام عن ابي طالب، لانه يسمع لغط وآراء متضاربة فقال له الامام: "وما يقول الناس، انت ماذا الذي سمعته" قال مولاي: "الناس يقولون ان ابا طالب في ضحضاح من نار" لما سمع انتفض الامام الحسين وقال: "كذب اعداء الله ان ابا طالب من رفاق النبين والشهداء والصالحين".
في الواقع جهاد ابي طالب لا ينسى اطلاقاً لان تعرفون يا ايها الاخوة ان يوم الحصار الذي اصاب المسلمين وقف ابوطالب(رض) بعد ما اصبح المسلمون في حاله من الضيق الاقتصادي الى درجة بحيث كانوا يأكلون الاشجار والاعشاب، جذور الاشجار الدبيب، منعوهم المشركين لا احد يشتري منهم لا يتحدث احد اليهم ولا يزوج ولاينظرون اليهم. طوال هذه الفترة كان ابوطالب هاجسه الوحيد سلامة النبي، لان النبي كان من المحاصرين. كان يخشى عليه الهجوم في الليل. كان يبدل مكان النبي ويأتي باولاده وينيمه مكان النبي او احد اقرباءه، وكان احياناً يبدل حتى الغطاء الذي يتغطى به النبي. تكتيك لتفويت الفرصة على اعداء الرسول، وكان يردد:
والله لم يصلوا اليك بجمعهم
حتى اوسد في التراب دفيناً
ولقد علمت بان دين محمد
من خير اديان البرية ديناً
هذا موقف ابي طالب وجهاده وهذه نهايته والسلام عليه يوم ولد ويوم يبعث والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******