الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا الانبياء و المرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين.
لقد دأب اهل البيت(ع) على تربية من كان يسير على نهجهم ويتبعهم ويواليهم وكانوا يهتمون في هذا النهج التربوي بكل الجوانب الحياتية ولا يكتفون بالتوجيه المعنوي والاخروي انطلاقاً من حقيقة هامة وهي ان الانسان لا يمكن ان يبني اخرته في صورتها المحببة والمحبذة الا اذا كانت احواله في هذه الدنيا مستقيمة واوضاعة اوضاعاً معتدلة فان من لا معاش له لا معادله وانطلاقاً من قول الله سبحانه وتعالى: "وابتغ فيما اتاك الله الدار الاخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا" فان هناك وللاسف من يتصور ان الاسلام وان الدين بصورة عامة يهتم بجانب الاخرة فقط فنجده يركز كل اهتمامه على الاخرة تاركاً الدنيا والعمل والنشاط الاقتصادي جانباً بحيث نجد ان البعض يعتزل الحياة نهائياً ويختار حياة الدروشة وحياة التصوف السلبي ويترك كل شئ ويزن انه اصاب وانه قد وجه كل اهتمامه الى الاخرة يقوم بالوظيفة الالهية الشرعية التي ارادها الله منه ولا شك ان مثل هذا الصنف من الناس مخطئون في فهم الاسلام فان الاسلام دين ودنيا وان الاسلام اقتصاد وعبادة وان الاسلام حياة واخرة وان الاسلام مزيج من العمل المادي والمعنوي ذلك لان البشر هو بكونه كائناً ارضياً من جهة وكائناً ملكوتياً من جهة اخرى لكونه يحمل الروح وهذه اللطيفة الشريفة في كيانه لا يمكن ان يكون احادياً في نظرته الى الحياة ولا يمكن ان يهتم بجانب من الحياة دون جانب وكيف يمكن ان يدعي شخص ان الاسلام لا يهتم بالدنيا، وهناك عشرات بل مئات الايات التي تتحدث عن النعم المادية التي اعطاها الله سبحانه وتعالى للبشر وعن تسخير الارض والسماء له وعن الاقتصاد وعن البيع والشراء وعن العلاقات الاجتماعية والعلاقات الشخصية بين الاشخاص والافراد وعن قضايا الزوجية وعن المسائل العائلية، كيف يمكن للانسان ان يتصور الاسلام احادياً في نظرته وهو يرى هذا الكم الكبير من الايات التي تهتم بالجانب المادي من الانسان وكذلك الروايات التي تفوق المئات تلك التي صدرت عن رسول الله(ص) او صدرت عن اهل بيته ورواها كبار الصحابة ورواة الاسلام، من هنا فان اهل البيت اهتموا بالجانب الاخروي حتى قال قائل منهم "ليس منا من ترك دنياه لاخرته وليس منا من ترك اخرته لدنياه" فاذا رؤوا شخصاً قد اعوز وافتقر وقع في مشكلة اقتصادية ما وصوه بان يدعو فقط ويتوسل ويستعين بالصلاة او يستعين بالدعاء فقط، فان هذا جزء من الوسائل الالهية جعلها بينه وبين عبادة الصلاة والدعاء والشفاعة وما شاكل ذلك بل كانوا الى جانب ذلك بل وفي المقدمة ابداً كانوا يوصونه بان يقوم بعمل ايجابي لتحسين اوضاعه الاقتصادية.
ها نحن نقرأ في الحديث ان رجلاً من اصحاب اهل البيت(ع) ضاق ضيقاً شديداً واشتدت حالته، فقال له الامام الصادق: اذهب فخذ حانوتاً في السوق وكانت في تلك الازمنه حوانيت اي اماكن فارغة كما توجد الان في بلادنا اماكن فارغة يأتي الانسان الى ذلك المكان بامتعته ويعرضها على الناس للبيع ويشتريها الناس تدريجاً فقال اذهب وخذ حانوتاً في السوق وابسط بساطاً وليكن عندك جرة من ماء والزم باب حانوتك اي قف وان لم يكن في حانوتك شئ من الامتعة والبضائع ولكن انت كن هناك وقف وحاول ان لا تترك ذلك المكان ففعل ذلك الرجل فمكث ماشاءالله عند حانوته ثم قدمت قافلة من مصر فالقوا امتعتهم وبضائعهم كل رجل جعل بضاعته عند صديق له يعرفه حتى ملئوا الحوانيت وامتلأت الحجرات والغرف التي تعرف وتعرض فيها البضائع وبقي رجل واحد لم يحصل على مكان وحانوت فقال له اهل السوق ها هنا رجل ليس به بأس بل رجل مؤمن رجل صادق وليس في حانوته بضاعة ومتاع فلو جعلت بضاعتك في حانوته، فذهب اليه وقال له اتسمح لي ان اضع بضاعتي وامتعتي عندك لابيعها في محلك وحانوتك؟ قال نعم فالقى بضاعته وامتعته في ذلك الحانوت وبدأ يبيع متاعه في الاول فالاول حتى اذا ارادت قافلته ان تعود الى مصر بقي عند ذلك الرجل الذي كان من اتباع اهل البيت شئ قليل من النتاع، فكره صاحب البضاعة ان يقف ويمكث هناك وكان يحب ان يعود مع اصحابه الى مصر فقال لصاحب الحانوت اخلف هذا المتاع عندك تبيعه وتبعث اليّ بثمن قال نعم ثم ترك عنده امتعته وبضاعته وعاد مع اصدقاءه الى بلده وكان هذا الرجل يبيع الامتعة والبضائع ويبعث بثمنه كل ما حصل الى صاحبه حتى غني واثرى من هذا الطريق.
هكذا نجد ان اهل البيت(ع) كانوا يقدمون التربية العملية الناجعة الى من كان يتبعهم وكان يواليهم ولم يكتفوا بان يدفعوا اصحابهم ويدفعوا مواليهم ومن يتبعهم يكتفوا بالدعاء ويكتفوا بالطلب من الله سبحانه وتعالى، طلب الرزق زطلب حاجة من دون السعي والعمل كانوا يبعثون ويدفعون اصحابهم الى العمل والسعي اولاً والجهد الاقتصادي والجهد المادي الى جانب دفعهم الى الدعاء والتوسل والى طلب الحاجة من الباري سبحانه وتعالى وهذا لا شك هو النهج الصحيح ان الاسلام دين واقعي، ان الاسلام دين ينطلق من واقع البشر ومن واقع الحياة وواقع الحياة يتمثل في كونه مجموعة من الاسباب والمسببات والمعلومات وان النجاح والفشل في هذه الحياة لهما اسبابها وعللهما، من الاسباب والعلل السعي او عدم السعي ومن الاسباب والعلل الدعاء والتوسل والطلب من الله سبحانه وتعالى وهذا نهج اهل البيت(ع) وهذا هو نهج رسول الله(ص) فانه كان يعبئ جيشه وانه كان يعد المكان المناسب لاستقرار ذلك الجيش وكان يهيأ كل الاسلحة اللازمة وكل التكتيكات الضرورية ثم الى جانب ذلك كان يتوجه الى الله بالدعاء والضراعة لينصره وليؤيد جنده هذا هو نهج اهل البيت، العمل والسعي الى جانب الدعاء والتوسل، الجهد العملي الى جانب الجهد المعنوي.
نسأل الله سبحانه وتعالى ان يوفقنا لاتباع اهل البيت الذين امرنا باتباعهم وقال عنهم "يا ايها الذين امنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين". والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******