اعزاءنا المستمعين في كل مكان طبتم وطاب اللقاء. ايها الاحبة، روى المؤرخون ان الامام ابا عبد الله الحسين (عليه السلام) خرج الى مكة في الوقت الذي كان فيه اشياع اهل البيت (عليهم السلام) مجتمعين في العراق في دار سليمان بن صرد الصحابي الذي عاصر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن اجتماعهم كتبوا الى الامام الحسين (عليه السلام) يستقدمونه الى العراق وخاطبوه في رسالتهم بمثل قولهم فأقبل لعل الله ان بجمعنابك الحق ووقع على الرسالة سليمان بن صرد والمصيب بن بخية ورفاعة بن شداد وحبيب بن مظاهر، وبعد يومين بعث آخرون اليه نحو ثلاثة وخمسين صحيفة موقعة من الرجل والاثنين والاربعة ثم لبثوا يومين آخرين وبعثوا اليه بكتاب جاء فيه ان الناس ينتظرونك ولا رأي لهم في غيرك فالعجل العجل ثم كتب اليه شبث بن ربعي ومن معه اما بعد فقد اخضر الجناب واينعت الثمار فأذا شئت فأقدم على جند لك مجندة، وبعث الامام الحسين (عليه السلام) ابن عمه مسلم بن عقيل الى الكوفة يستطلع رأي اهلها عن قرب كما ارسل رسالة الى كبراء اهل البصرة يدعوهم فيها الى نصرته في مقابل الباطل الاموي الذي امتاز على هذه الامة وتأمر عليها بغير رضى منها ثم قتل خيارها واستبقى شرارها، ولم يكن النظام الحاكم بعيداً عما يحدث فأغلق ابواب البصرة واجهض الحركة المؤازرة للنهج الحسيني الاصيل وعين عبيد الله بن زياد والياً لطموحه في السلطة والزعامة فأبن الزبير قد وضع مكة في اعتباره ينطلق منها ويدعو الى نفسه، روى الطبري في تاريخه ان الزبير قال للامام الحسين (عليه السلام): ما تريد ان تصنع فقال الامام: والله لقد حدثت نفسي بأتيان الكوفة ولقد كتب الي شيعتي واشراف اهلها واستخير الله فقال له ابن الزبير اما لو كان لي مثل شيعتك ما عدلت بها، وبعد ان قال ذلك خشي ان يتهمه فقال للحسين (عليه السلام): اما انك لو اقمت بالحجاز ثم اردت هذا الامرها هنا ما خلف عليك ان شاء الله، وعندما خرج الحسين من عنده قال: سلام الله عليه ها ان هذا ليس شيئاً يؤتاه من الدنيا احب اليه من ان اخرج من الحجاز الى العراق وقد علم انه ليس له من الامر معي شيء وان الناس لم يعدلوا بي فود اني خرجت منها لتخلوله وكان الامام يعلم ان ابن الزبير سيقتل في مكة على طريق الفتن وذلك وفقاً لاخبار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالغيب عن ربه تعالى، وروي ان ابن الزبير الذي لزم الكعبة وقد عرف ان اهل الحجاز لا يبايعونه ولا يتابعونه ابداً مادام الحسين بالبلد لان حسيناً اعظم في اعينهم وانفسهم منه.
قال للحسين: ان شئت ان تقيم اقمت فوليت هذا الامر.
فقال الامام الحسين: ان ابي حدثني ان بها كبشاً يستحل حرمتها فما احب ان اكون انا ذلك الكبش.
ان الامام ابي عبد الله الحسين يتعامل مع الاحداث وفقاً لمعايير دقيقة فابن الزبير يريد الحكم ويعمل من اجله وهذا قد حدث ولما لم يكن ابن الزبير وحده الذي يقاتل في عالم الفتن من اجل الحكم فأن من يريد ان ينتزع منه هذا الحكم فيسقاتله وفي جميع الاحوال ستكون مكة ارض الصراع ومكة حرمها الله وتعامل ابي عبد الله الحسين (عليه السلام) من هذا الباب فهو لا يريد ان يدخل في صراع مع ابن الزبير او غيره داخل الحرم لان للحرم عنده مكانة وقداسة ولانه (سلام الله عليه) يعرف طريقه جيداً لقد اختار الامام الذهاب الى الكوفة فهناك او على طريقها يواجه اصول البغي والارهاب والفتن التي اجتمعت كلها في سلة واحدة فهناك تكون الحركة لها معنى اما في مكة فما ادرانا ما كان سيحدث لو واجه الحسين خصومه فيها ولذلك قال الحسين لابن الزبير: والله لان اقتل خارجاً منها اي مكة بشير احب الى من ان اقتل داخلاً منها بشير.
بعد ان عزم الامام الحسين (سلام الله عليه) على الخروج الى الكوفة اشفق عليه الكثير من الناس لانهم كانوا يعلمون نتيجة هذا الخروج وعندما كلموه في ذلك قال: اني رأيت رؤيا فيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال ما حدثت بها وما انا محدث بها حتى القى ربي، وروي عنه (سلام الله عليه) انه قال لابن الزبير: وايم الله لو كنت في حجر هامة من هذه لا ستخرجوني حتى يقضوا في حاجتهم ووالله ليعتدن علي كما اعتدت اليهود في السبت واني ماضي في امر رسول الله حيث امرني وانا لله وانا اليه راجعون.
ثم قال (عليه السلام): والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جو في فأذا فعلوا سلط الله عليهم من يدلهم حتى يكونوا اذل من فرم الامة.
ويبدو ان اجهزة التيار الاموي كانت تعد العدة من اجل القيام بعمل تخريبي للاضرار بالحسين (عليه السلام) في موسم الحج ولو حدث هذا الوضعت الدماء على فريضة اسلامية يحتشد فيها الناس، ولترتب على ذلك امور الامة في غنى عنها، ويلوح ان ابن عباس قد فطن لهذا الامر عندما رأى الحسين (عليه السلام) طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وقص شعره واحل من عمرته، في الوقت الذي كان الناس يتوافدون فيه الى عرفات ومنى، في هذا الوقت يقول ابن عباس: كلمني حسين في الخروج فقلت لولا ان يزري ذلك بي او بك لشبكت يدي في رأسك فقال الامام الحسين: لان اقتل بمكان كذا وكذا احب الى من ان يستحل بي حرم الله ورسوله، قال ابن عباس فذلك الذي سلى بنفسي عنه.
وخرج الحسين ومعه اهل بيته وروي انه لما خرج من مكة اعترضته رسل عمرو بن سعيد بن العاص عامل يزيد بن معاوية على مكة فقالوا له انصرف أين تذهب.
كانوا يريدون ان يعود الامام الى مكة فأبى عليهم ومضى وتدافع الفريقان فأضطربوا بالسياط فأمتنع الحسين عنهم امتناعاً قوياً ومضى الحسين (عليه السلام) تلقاء مقصده.
وكان الحسين (عليه السلام) قد تلى قوله تعالى: «فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» وذلك عندما سار نحو مكة بعد ان رفض بيعة يزيد فلما دخل مكة تلى قول الله تعالى: «وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ» وعندما خرج من مكة تلى قوله تعالى: «لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ».
وفي الطريق انتهى الى ماء من ميا- العرب فأذا عبد الله بن المطيع لما رأى الحسين (عليه السلام) قام اليه وقال بأبي انت وامي يا بن رسول الله، ما اقدمك؟
فقال له الامام: كان من موت معاوية ما قد بلغك فكتب الي اهل العراق يدعونني الى انفسهم فقال له ابن المطيع: والله لان طلبت ما في ايدي بني امية ليقتلنك ولان قتلوك لا يهابون بعدك احداً ابداً، والله انها لحرمة الاسلام تنتهك وحرمة قريش وحرمة العرب فلا تفعل ولا تأني الكوفة ولا تعرض لبني امية.
لقد كان الامام ابو عبد الله الحسين (عليه السلام) على بصيرة من امره ويعرف جيداً ما هو مقدم عليه ويعرف عواقب الامور في الحاضر والمستقبل فأبى كلام ابن مطيع ومضى يرد السير نحو العراق.
*******