خلصت "فريبا علاسوند"، عضوة هيئة التدريس في معهد أبحاث المرأة والأسرة الإيراني، والتي أولت اهتماما خاصًا بقضية "النساء في الحرب" منذ بداية حرب غزة، إلى أن نساء المقاومة كنّ حاضرات في ساحة المعركة ليس فقط كناجيات أو معزيات، بل أيضًا كناشطات اجتماعيات ودينيات فاعلات.
ورغم أنهن ربما لم يكنّ على دراية بآثار وعواقب سلوكهن خلال هذه الأحداث، إلا أنهن لعبن دورا في تشكيل التطورات الثقافية والروحية على الصعيد العالمي.
ووفقًا لـ "فريبا علاسوند"، فإن من أهم نتائج سلوك أمهات شهداء غزة هو انخفاض ظاهرة الإسلاموفوبيا وزيادة التوجه نحو الإسلام وقراءة القرآن الكريم في العالم. ولقد وجد وجه المرأة المسلمة، وخاصة المحجبة، تعبيرًا جديدًا في ساحة المقاومة. لطالما عاشت هذه النساء في دوامة الاستشهاد؛ فقدن أحيانًا أطفالهن، أحيانًا أزواجهن أو أشقاءهن، بل وحتى جنينهن في خضمّ الحمل.
للوهلة الأولى، قد تبدو هذه المآسي ثقيلة ومؤلمة على أي امرأة، لا سيما من الناحية العاطفية؛ لكن في الواقع، نرى أن رد فعل هؤلاء النساء مختلف. فبتلاوة آيات من القرآن الكريم والتوكل على الإيمان، يُحوّلن أمهات شهداء غزة، الحزن إلى قوة صمود وكفاح. وحتى أن الكثيرات منهن يُهنئن باستشهاد أبنائهن ويعتبرنه مصدر فخر. وتُظهر هذه الظاهرة أن "النساء والحرب" قضية متعددة الأبعاد وعميقة، يمكن دراستها من زوايا مختلفة.
على سبيل المثال، عندما تكون النساء في بيئة حرب، يكون رد فعلهن الأول هو نوع من الخوف والذعر الأنثوي؛ وهو أمر يذكر في الوثائق الدولية تحت عنوان "النساء في الحروب والصراعات الدولية".
خوف أنثوي وشعور يختلف عما يشعر به الرجال. عادةً ما يظهر الرجال كمحاربين ومهاجمين، لكن النساء في حالة فسيولوجية ونفسية مختلفة. إضافةً إلى ذلك، تعاني الأمهات معاناةً مضاعفة:
"إذ يتحملن جوعهن وجوع أبنائهن في آن واحد".
في مثل هذه الظروف، يحدث أمرٌ بالغ الأهمية:
"تتحول الأم التي تفقد ولدها من "أم شخص" إلى "أم أمة"، "أم أيديولوجية"، أو "أم دِين".
تتغير هوية هؤلاء النساء؛ يتحولن من "حزينات سلبيات" إلى "حاملات لرسالة المقاومة".
تُنفذ هؤلاء الأمهات جزءا كبيرا من سردية الصبر والمقاومة في المجتمعات التي مزقتها الحروب. وهذا يعني أن معظم الدعم للحرب يأتي من خلال أسماء هؤلاء الأمهات، حيث يصبحن الركائز الثقافية والعاطفية للمقاومة.
من المتوقع أن تعاني النساء الناجيات من الاكتئاب والصدمات النفسية، كما يُقال حاليًا من إسرائيل، أو كما أظهرت أمهات الجنود الأمريكيين لسنوات؛ بل سُجِّلت معاناة العديد من أمهات ضحايا الحروب العالمية، كناجيات من الحرب؛ إذ عانين من اكتئاب حاد، ويبحثن عن علاج لاضطراباتهن النفسية والعقلية.
أما الوضع يختلف تماما عما يجري في تجربة "غزة" و"أمهات الدفاع المقدس في إيران".
ففي هاتين الحالتين، نواجه عددا هائلًا من أمهات الشهداء اللواتي يعدن إلى ساحة المعركة وهن يحملن الشعور بالرسالة والمسؤولية الروحية، بعد استشهاد أبنائهن.
هؤلاء الأمهات يعتبرن أنفسهن مُلزمات بنقل رسالة دماء شهدائهن. وهكذا، تصبح هؤلاء الأمهات كمؤسسة. ويتحول دورهن من أمهات الأشخاص إلى أمهات الأمم وأمهات المقاومة.
وكأن دماء الشهداء قد منحتهن شخصية اعتبارية. وهن يشعرن بمسؤولية تجاه الإسلام، الأمة، بل وحتى تجاه الإنسانية.