في حلقة اليوم سنتعرف على تيار من تيارات الفكر في الثقافة الغربية المعاصرة الا وهو تيار كان في البدء نظرية في البايولوجيا ثم اريد لها ان تهيمن على مجمل الفكر الاوربي في نظرته الى قضايا الانسان والمجتمع والاعتقاد، فما هي قصة هذا التيار؟
في مجال العلوم البايلوجية نشأت فكرة التطور لكنها سرعان ما نقلت الى مجال الفلسفة وسيطرت على الفكر والثقافة، هذه الخطوة جاءت نتيجة للاعمال التي نفذها خلفاء داروين صاحب النظرية من امثال هيربرت سبينسل الذي حاول ان يطبق التطور على القضايا الانسانية والاخلاق والتاريخ وقد ظهرت قوى ذات اهداف معينة فركزت على فكرة التطور واعلنها اعلاءاً خطيراً دفعها الى التأثير في مجال العقائد الثابتة مع بسط نفوذها على كل القيم والمقدرات الاخلاقية والاجتماعية، وهذا انما كان جرياً مع الاتجاه المادي الصرف الذي حاول ان يتنكر لكل ما سوى الحس والمادة من قيم، ومعن هذا ان نظرية وضعت ليمكن استخدامها في معارضة الاديان والعقائد والشرائع.
الواقع ان فكرة التطور المادي والمعنوي لا يمكن ان تسير في غير نطاق واضح واطار محدد وفلك معلوم وهناك استحالة علمية في ان تحدث حركة التطور عشوائياً في غير نظام او قانون يحكمها، ومن هنا يبدو الخالق بين الاتجاه العلمي وبين اهواء القوى التي تتخذ من النظريات العلمية والفلسفية اسلحة لتحقيق اغراض بعيدة المدى، والمفهوم العلمي الصحيح هو ان هناك قيماً ثابتة وعناصر تجري عليها سمنة الحركة والتغير والتطور وان هناك تناسقاً يحدث بين اسس الثبات وعناصر التطور وان هذا التناسق انما يتم في دائرة الثبات وهذا المفهوم العلمي يطابق الرؤية الاسلامية في التطور والثبات فالاسلام يؤمن بثبات الاصول العامة والقيم العليا مع تطور في الجزئيات والتفاصيل والمصاديق.
وعلى الرغم من تفشي فلسفة التطور الاجتماعي التي دعا اليها سبينسل الى ان العلم كانت له وجهة نظر مختلفة تماماً، في هذا السياق نقتبس عبارات من الدكتور اكريس موريسون كتب يقول ان حقائق الاشياء ثابتة لا تتغير وان التطور تطور في الصور والهيئات لا في الحقائق لان الحقائق ثابتة لا تتغير وان القول بأن لا شيء ثابت على الاطلاق نظرية زائفة، فنزعة الطعام ثابتة لكن الذي يتغير هو صورة الطعام، ونزعة اتخاذ المسكن ثابتة والذي يتغير هو صور السكن ونزعة الملبس ثابتة وما يتغير هو صور اللباس وكذلك نزعة القتال والصراع فطرة بشرية وصور القتال هي التي تتغير، وقد كشفت الدراسات الاصيلة ان التطور لا يمكن ان يكون قانوناً اخلاقياً وليس كل طور افضل من الطور الذي سبقه كما يزعم سبينسل بل ان التطور قانون اجتماعي ووافعي ولا يقتضي تفضيل الطور الاخير على الاطوار السابقة ذلك ان فكرة التطور الاجتماعي اخذت من فكرة التطور البايلوجي اي الحيوي والتطور في الحياة يكون تحسناً وارتقاءاً وقد يكون انقراضاً. وكذلك كشفت الابحاث خطأ الرأي القائل بأن التطور والتقدم هو الاستجابة لنزعات النفس في السلوك في الحركة في اي اتجاه دون رعاية لاستقامة الحركة وبدون حاجة الى ارادة وانبان وهذا يؤدي الى العودة الى العصور الاولى بما فيها من خلل ومن تحلل، وتبين كذلك خطأ الرأي القائل بأن التقدم هو اهدار الاحكام السابقة وتقديرات الاشياء التي قد قررها وحكم بها الانسان في عصر مضى فقد انتقل الفكر البشري من الطفولة الى الرشد الانساني.
يستند الفكر الاسلامي في مفهومه عن التطور والثبات الى قانون التوازن الذي يحكم الموجودات جميعاً فلا سبيل الى الغاء احدهما ولا سبيل كذلك الى القول بالتطور المطلق وانكار قاعدة الثبات ولابد من الربط بين الثبات والتطور ومن قيام التوازن بينهما وانه لمن المستحيل عقلاً ومن المناقضة لقوانين الوجود والحياة ان يتوقف احدهما او ان ينفصل او ان يستعلي احدهما ويسيطر ذلك ان الثبات والاستقرار هو الجمود والتطور المستمر هو الفناء، وهناك ترابط منظم بين الجمود والحركة وبين القديم والجديد وبين الميت والحي، فالحياة مسبوقة بالموت والجديد منبثق من القديم، وعامة بتطور لكنه يظل ثابت الاصول والمقومات، والفكر الاسلامي ثايت الجوهر متغير الصورة، وفي الفقه يجري التطور بالنسبة الى الاحكام الفرعية وارتباطها بالزمان والمكان دون الاصول، وفي الشريعة اصول قائمة لا تخضع للتبدل والتغير كالصلاة والزكاة وفي الشريعة حدود ثابتة ازاء الربا والزنا والقتل لا تتأثر بالتطور والتغير، وفي نظام الكون ايضاً نجد القوى الثابتة والقوى التي تتحرك وتتحول، اما الاصول الثابتة فهي ليست خاضعة للتطور، اما المفهوم المطروح في اسواق الفكر الغربي عن التطور فهو مفهوم فلسفي خطير لم يقم على اساس علمي وقد اخذ منطلقه من نظرية داروين في التطور البايلوجي ثم نقل الى ميدان الاجتماع والفكر، ولا شك ان بهذه النقلة انما يستهدف غاية خطيرة هي واحدة من اهداف الفلسفة المادية الوثنية التي تحاول ان تسيطر على الفكر البشري كله وتفرغه من مفاهيم الايمان والاديان والرسالات السماوية وتدفع به بعيداً الى نهاية خطيرة نجدها واضحة وضوحاً صارخاً في بروتوكولات صهيون او نصوص التلمود او نجدها متصلة بالمحاورات التي جرت منذ عصر التنوير لاخراج الفكر الغربي المسيحي الاصل من كل القيم ولدفعه الى الماديات الحسيات المغرقة. وتشكل هذه المحاولة فلسفة واضحة متكاملة تهدف الى تدمير قوى الاديان والاخلاق والايمان بالله تعالى ودفع الانسانية كلها الى الدمار بتحطيم قيمها ومعنوياتها وتفريغها من كل العناصر الايجابية التي تحملها على التماسك.
وقد كانت نظرية التطور هي المنطلق الخطير للقول بأن كل شيء يتحول ويتغير ولا يبقى على حاله وانه يبدأ في اول امره ضعيفاً ثم ينمو ثم جرت محاولات تطبيق ذلك على الاديان والاخلاق ومنها انطلقت النظرية التي تقول ان الاخلاق تتطور مع العصور وان الاديان تتطور مع البيئات، ان مثل هذا الكلام مخالف كل المخالفة مع الحقائق العلمية الصحيحة ومعارض لنواميس الكون والحياة وقد كان الترويج لمذهب التطور على هذا النحو خروجاً به عن المجال العلمي الموضوعي الى المجال الفلسفي المنحاز الذي لا يخضع لاي سند علمي او عقلي.
*******