طرحت قضية التطور في الفكر الغربي المعاصر على نطاق واسع شمل كافة ابعاد الحياة الطبيعية والاجتماعية على السواء وكان لهذا دوافعه ومخاطره.
انطلقت فكرة التطور الغربية من نظرية داروين في التطور البايولوجي ثم تم نقلها عملاً الى الاجتماع لتحقيق غاية خطيرة فما هي هذه الغاية؟ انها الفلسفة المادية الوثنية الجذور، هي التي تسعى للهيمنة على الفكر البشري كله وافراغه من مضامين الايمان والرسالات السماوية، وهي التي تريد ان ترمي بالفكر الى غاية خطيرة قوامها تدمير القيم والاخلاق والمعنويات وتفقد المجتمعات البشرية قدرتها على التماسك والمقاومة ازاء هجمات الاعداء التاريخيين.
القضية انه قد استغلت نظرية التطور البايلوجي في الاحياء على ما بها من نقص واشتباه، استغلت لتطبق على الاديان والاخلاق، منها اوجدوا نظرية تقول ان الاخلاق تتطور مع العصور وان الاديان تتطور مع البيئات وهذا كما ترى يناقض الحقائق العلمية ويعاكس قوانين الكون والحياة، مما يعني ان اخراج مذهب التطور المادي اي هذا المجال المعنوي انما انحراف من المجال العلمي الى المجال الفلسفي الذي يخضع لآراء الافراد وتصوراتهم مما لا يضبطه ضابط علمي.
ومن مذهب التطور هذا انطلقت كل المذهب والدعوات والفلسفات المادية فقد اعتبره المتشبثون به قاعدة لعلوم جديدة هي مقارنة الاديان وتفسير التاريخ وعلم النفس والاخلاق والاقتصاد وعلم الاجتماع. ان هذا هو ما جعل هذه العلوم تخضع للمناهج التي تخضع لها العلوم المادية في حين كان هذا تناقضاً مع ابسط قواعد المنطق والعقل لان ميدان هذه العلوم غير ميدان تلك والمناهج غير المناهج.
ولقد كان القول بالتطور المطلق وسيلة الى نزع القداسة عن الاديان والقوانين والقيم والاخلاق وسبيلاً الى السخرية منها كما كان نهجاً يدعو الى التحلل والاباحية وانكار مقومات المجتمعات والعقائد على النحو الذي ظهرت في نظريات فرويد ودوركايم وغيرهما.
هجمت نظرية التطور المطلق في المحيط الاجتماعي والفكري هجوماً علمياً ودحضت بمنطق عقلي واضح، بيد ان اصوات دعاتها المسرفين في استغلالها ظلت اعلى الاصوات لانها لم تكن اصوات طبيعية وانما هي اصوات تدفعها قوى بالغة القدرة في مجال النشر والاعلان، وقد جرى كثير من الكتاب وراء بريق نظرية التطور وربما بحسن نية دون تتبين لهم ابعاد الخطر الذي يبشه القول بالتطور على اطلاقه بعيداً عن المفهوم الاسلامي الجامع بين الثبات في الخطوط الاساسية والتطور في بعض التفصيلات وفقاً للزمان والمكان وهو جمع يقوم على اساس علمي وواقعي صحيح. اجل ان لمن السذاجة النظر الى التطور بعيداً عن القيم الثابتة وبمعزل عن الاصول الاساسية لفكر الامة ودينها، والدعوة المسمومة الى التطور انما تحاول ان تقضي على التراث ومن ضمنه العقائد والاديان والاخلاق. وقد عرض الباحثون المسلمون بين التطور والتطوير وعرضوا القول بأن التطور معناه تفضيل الطور الاخير على الطور السابق له.
التطور يشمل اي تغير يحدث في اوضاع الجماعة سواء في اتجاه تصاعدي او عكسي تنازلي ثم هو فوق ذلك ينبأ عن ان دوافع هذا التغيير وعوامله انما يكون منشأه ذات الشيء ومردها الى ما فيه من طاقات طبيعية، اما التطوير فهو عكس ذلك يختص اولاً بالتغيير التصاعدي الذي يرمي دائماً الى طلب الكمال والحياة الفضلى ويتأثر بدوافع خارجة عن طبيعته، هي الدعوة الاصلاحية وهذا يعني الموائمة بين الاصول التي يقوم عليها الفكر من تشريعات وقيم وبين ما يتجدد تحت الحاح من عوامل التطوير الضروري في مختلف المناحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية، من هنا يتهافت ويسقط القول بأن التطور يمثل قانوناً تقدمياً، اي ان اي طور افضل من الطور الذي سبقه.
الفكر الاسلامي واجه الاخطاء التي انطوت عليها نظريه التطور التي ارتبطت اساساً بالمفهوم المادي الذي حاول بعض المتفلسفين استخلاصه من نظرية داروين، وهذا المفهوم قام على فكرة انكار وجود خالق العالم والقول بنشأة الكائنات الحية نشأة طبيعية من غير منشأ. ان الفكر الاسلامي يثبت الخلق لله عزوجل لا للطبيعة العاجزة القاصرة قصوراً ذاتياً، ويقرر وقوع البعث في الاخرة مع الايمان الكامل بالغيب. وقد ظهر الان في مجال العلم ما ينقض نظرية داروين في التطور وما نسج حولها من اعتراضات فلسفية، في هذا الصدد مثلاً يقول الدكتور كورلس مورسون ان نظرية ان الانسان قرد قد كذبها العلم الحديث لما بين النوعين من بعد شاسع ففي الانسان خواص لا توجد في القرد، منها قدرته على التفكير ووجود الوحدات الاجتماعية في القبيلة والامة والحزب والدين، ومنها خواص بايلوجية ايضاً تميز الانسان وتفرده بين الكائنات.
وفي السياق نقض القول بالتطور الدارويني قال العالم الغربي اغسير ان النشؤ لا يتم الا وفقاً لخطة الهية محكمة وان الاصطفاء الطبيعي اذا ما حل محل الخلق الالهي فأن الانسان يكون قد جرد من روحه وغدا آلة صماء، وغير هذا وذاك فأن التفسير الحرفي لنظرية داروين قد فسح المجال في تأليه سوبرمن نيتشه وتمجيد القوى البدنية على انها السلوك الصحيح بين الناس، ويقرر العلم الان بوضوح بأن الفكرة التي يعتنقها الداروينيون عن تناسل نوع جديد بواسطة نوع سابق ليست الا افتراضاً اعتباطياً يتعارض مع الاراء الفاسيولوجية الرصينة، ويقرر العلم ايضاً ان الاجماع بين العلماء لا الفلاسفة هو ان الحياة لم تحدث مصادفة وانها حدثت بقوة الله وارادته، وهكذا يكتشف زيف النظرية وما ساقها اليه الماديون وعلى رأسهم لانمارك وهيغل الذي دعا الى تأليه الطبيعة.
ومن بعده انتقلت الى مجال الاجتماع والفكر على يد هيربرت سبينسل الذي حاول تطبيق نظرية التطور على العوالم والمجتمعات ونقلها من نظرية بايلوجية الى نظرية اجتماعية. ومما يتصل بنظرية التطور كشفت الابحاث عن استغلال رجال السياسة لمبدأ بقاء الاصلح في استعمار الشعوب وابادة الاجناس المغلوبة على امرها وظهرت من خلالها نظرية القوة والتمييز العنصري والشعوب المختارة، كما نشأت نظرية القوة عند ينتشيه واتخذت مبرراً للغزو الاستعماري والاستعلاء العنصري واستعلاء اللون والدعوة الى الجنس الابيض. واخيراً فقد تلقف النظرية معلنوا الحرب على الاديان فأتخذوها سبيلاً الى الانتقاص من الدين واعلاء شأن العلم المادي الاصم.
*******