البث المباشر

خطبة الامام الحسين عليه السلام في منى مكتوبة

الثلاثاء 25 يوليو 2023 - 10:47 بتوقيت طهران
خطبة الامام الحسين عليه السلام في منى مكتوبة

خطبة ألقاها الإمام الحسين عليه السلام في منى سنة 58 هـ وحضرها سبعمائة شخص من الصحابة والتابعين، بيّن فيها ظلم معاوية بن أبي سفيان، وفضيلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفضائل أهل البيت عليهم السلام. وبناء على رواية سليم بن قيس كان إلقاء هذه الخطبة قبل موت معاوية بسنةٍ.

 

قال سليم بن قيس: حج الحسين بن علي صلوات الله عليهما، وعبد الله بن عباس وعبد الله بن جعفر معه، فجمع الحسين(ع) بني هاشم والصحابة، فاجتمع إليه بمنى أكثر من سبعمائة رجل وهم في سرادقه، عامتهم من التابعين، ونحو من مائتي رجل من أصحاب النبي(ص)، فقام فيهم خطيبا فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال(ع):

أما بعد فإنَّ هذا الطاغية قد فعل بنا وبشيعتنا ما قد رأيتم وعلمتم وشهدتم، وإني أريد أن أسألكم عن شيء، فإن صدقتُ فصدقوني وإن كذبتُ فكذبوني، وأسألكم بحق الله عليكم وحق رسول الله(ص) وقرابتي من نبيكم لما سيرتم مقامي هذا، ووصفتم مقالتي ودعوتم أجمعين في أمصاركم من قبائلكم من أمنتم من الناس.

 

وما ترك شيئا مما أنزل الله فيهم من القرآن إلا تلاه وفسره، ولا شيئا مما قاله رسول الله(ص) في أبيه وأخيه وأمه وفي نفسه وأهل بيته إلا رواه، وكل ذلك يقول أصحابه: اللهم نعم، وقد سمعنا وشهدنا، ويقول التابعي: اللهم قد حدثني به من أصدقه وآتمنه من الصحابة، فقال: أنشدكم الله إلا حدثتم به من تثقون به وبدينه.

 

قال سليم: فكان فيما ناشدهم الحسين(ع) وذكرهم أن قال: أنشدكم الله! أتعلمون أنَّ علي بن أبي طالب كان أخا رسول الله(ص) حين آخى بين أصحابه فآخى بينه وبين نفسه، وقال: أنت أخي وأنا أخوك في الدنيا والآخرة. قالوا: اللهم نعم! قال: أنشدكم الله! هل تعلمون أن رسول الله(ص) اشترى موضع مسجده ومنازله فابتناه، ثم ابتنى فيه عشرة منازل، تسعة له وجعل عاشرها في وسطها لأبي، ثم سدَّ كل باب شارع إلى المسجد غير بابه فتكلم في ذلك من تكلم، فقال: ما أنا سددت أبوابكم وفتحت بابه، ولكن الله أمرني بسد أبوابكم وفتح بابه، ثم نهى الناس أن يناموا في المسجد غيره، وكان يجنب في المسجد، ومنزله في منزل رسول الله(ص) فولد لرسول الله(ص) وله فيه أولاد.

 

قالوا: اللهم نعم! قال: أفتعلمون أن عمر بن الخطاب حرص على كوة قدر عينه يدعها في منزله إلى المسجد فأبى عليه، ثم خطب، فقال إنَّ الله أمرني أن أبني مسجدا طاهرا لا يسكنه غيري وغير أخي وبنيه. قالوا: اللهم نعم.

 

قال:أنشدكم الله! أتعلمون أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم نصبه يوم غدير خم، فنادى له بالولاية، وقال: ليبلغ الشاهد الغائب. قالوا: اللهم نعم.

 

قال:أنشدكم الله! أتعلمون أن رسول الله(ص) قال له في غزوة تبوك: أنت مني بمنزلة هارون من موسى، وأنت ولي كل مؤمن بعدي. قالوا: اللهم نعم.

 

قال: أنشدكم الله! أتعلمون أن رسول الله(ص) حين دعا النصارى من أهل نجران إلى المباهلة لم يأت إلا به وبصاحبته وابنيه، قالوا: اللهم نعم.

 

قال: أنشدكم الله! أتعلمون أنه دفع إليه اللواء يوم خيبر، ثم قال: لأدفعه إلى رجل يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله، كرار غير فرار، يفتحها الله على يديه. قالوا: اللهم نعم.

 

قال: أتعلمون أن رسول الله بعثه ببراءة وقال: لا يبلغ عني إلا أنا، أو رجل مني. قالوا: اللهم نعم.

 

قال: أتعلمون أن رسول الله(ص) لم تنزل به شدة قط إلا قدمه لها ثقة به، وأنه لم يدعه باسمه قط إلا يقول: يا أخي! وادعوا لي أخي. قالوا: اللهم نعم.

 

قال: أتعلمون أن رسول الله(ص) قضى بينه وبين جعفر وزيد فقال: يا علي! أنت مني وأنا منك، وأنت ولي كل مؤمن بعدي. قالوا: اللهم نعم.

 

قال: أتعلمون أنه كانت له من رسول الله(ص) كل يوم خلوة، وكل ليلة دخلة، إذا سأله أعطاه، وإذا سكت أبداه. قالوا: اللهم نعم.

 

قال: أتعلمون أن رسول الله(ص) فضله على جعفر وحمزة حين قال لفاطمة عليها السلام: زوجتك خير أهل بيتي، أقدمهم سلما، وأعظمهم حلما، وأكثرهم علما. قالوا: اللهم نعم.

 

قال: أتعلمون أن رسول الله(ص) قال: أنا سيد ولد بني آدم، وأخي علي سيد العرب، وفاطمة سيدة نساء أهل الجنة، والحسن والحسين ابناي سيدا شباب أهل الجنة. قالوا: اللهم نعم.

 

قال: أتعلمون أن رسول الله(ص) أمره بغسله وأخبره أن جبرئيل يعينه عليه. قالوا: اللهم نعم.

 

قال: أتعلمون أن رسول الله(ص) قال في آخر خطبة خطبها: إني تركت فيكم الثقلين: كتاب الله وأهل بيتي، فتمسكوا بهما لن تضلوا. قالوا: اللهم نعم.

 

فلم يدع شيئا أنزله الله في علي بن أبي طالب(ع) خاصة وفي أهل بيته من القرآن ولا على لسان نبيه إلا ناشدهم فيه، فيقول الصحابة: اللهم نعم، قد سمعنا، ويقول التابع: اللهم قد حدثنيه من أثق به فلان وفلان، ثم ناشدهم أنهم قد سمعوه يقول: من زعم أنه يحبني ويبغض عليا فقد كذب ليس يحبني ويبغض عليا، فقال له قائل: يا رسول الله! وكيف ذلك. قال: لأنه مني وأنا منه، من أحبه فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أبغضه فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله، فقالوا: اللهم نعم، قد سمعنا وتفرقوا على ذلك.

 

اعتبروا أيها الناس بما وعظ الله به أولياءه من سوء ثنائه على الأحبار إذ يقول: ﴿لولا ينهيهم الربانيون والأحبار عن قولهم الاثم﴾ وقال: ﴿لعن الذين كفروا من بني إسرائيل﴾ إلى قوله: ﴿لبئس ما كانوا يفعلون﴾.

 

وإنما عاب الله ذلك عليهم لأنهم كانوا يرون من الظلمة الذين بين أظهرهم المنكر والفساد فلا ينهونهم عن ذلك رغبة فيما كانوا ينالون منهم ورهبة مما يحذرون، والله يقول: ﴿ولا تخشوا الناس واخشون﴾ وقال: ﴿المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر﴾.

 

فبدء الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة منه لعلمه بأنها إذا أديت وأقيمت استقامت الفرائض كلها هينها وصعبها، وذلك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دعاء إلى الإسلام مع رد المظالم ومخالفة الظالم، وقسمة الفيء والغنائم وأخذ الصدقات من مواضعها، ووضعها في حقها.

 

ثم أنتم أيها العصابة عصابة بالعلم مشهورة، وبالخير مذكورة، وبالنصيحة معروفة، وبالله في أنفس الناس مهابة يهابكم الشريف، ويكرمكم الضعيف، ويؤثركم من لا فضل لكم عليه ولا يدلكم عنده، تشفعون في الحوائج إذا امتنعت من طلابها، وتمشون في الطريق بهيبة الملوك وكرامة الأكابر، أليس كل ذلك إنما نلتموه بما يرجى عندكم من القيام بحق الله، وإن كنتم عن أكثر حقه تقصرون، فاستخففتم بحق الأئمة، فأما حق الضعفاء فضيعتم، وأما حقكم بزعمكم فطلبتم، فلا مال بذلتموه، ولا نفسا خاطرتم بها للذي خلقها، ولا عشيرة عاديتموها في ذات الله، أنتم تتمنون على الله جنته ومجاورة رسله وأمانه من عذابه.

 

لقد خشيت عليكم أيها المتمنون على الله أن تحل بكم نقمة من نقماته، لأنكم بلغتم من كرامة الله منزلة فضلتم بها، ومن يعرف بالله لا تكرمون، وأنتم بالله في عباده تكرمون، وقد ترون عهود الله منقوضة فلا تقرعون، وأنتم لبعض ذمم آبائكم تقرعون وذمة رسول الله محقورة، والعمي والبكم والزمن في المداين مهملة لا ترحمون، ولا في منزلتكم تعملون، ولا من عمل فيها تعتبون، وبالادهان والمصانعة عند الظلمة تأمنون، كل ذلك مما أمركم الله به من النهي والتناهي وأنتم عنه غافلون، وأنتم أعظم الناس مصيبة لما غلبتم عليه من منازل العلماء لو كنتم تسمعون.

 

ذلك بأن مجاري الأمور والأحكام على أيدي العلماء بالله، الأمناء على حلاله وحرامه، فأنتم المسلوبون تلك المنزلة، وما سلبتم ذلك إلا بتفرقكم عن الحق واختلافكم في السنة بعد البيتة الواضحة، ولو صبرتم على الأذى وتحملتم المؤونة في ذات الله كانت أمور الله عليكم ترد، وعنكم تصدر، وإليكم ترجع.

 

ولكنكم مكنتم الظلمة من منزلتكم، وأسلمتم أمور الله في أيديهم يعملون بالشبهات، ويسيرون في الشهوات، سلطهم على ذلك فراركم من الموت وإعجابكم بالحياة التي هي مفارقتكم، فأسلمتم الضعفاء في أيديهم، فمن بين مستعبد مقهور وبين مستضعف على معيشته مغلوب، يتقلبون في الملك بآرائهم ويستشعرون الخزي بأهوائهم، اقتداء بالأشرار، وجرأة على الجبار، في كل بلد منهم على منبره خطيب يصقع، فالأرض لهم شاغرة وأيديهم فيها مبسوطة، والناس لهم خول لا يدفعون يد لامس، فمن بين جبار عنيد، وذي سطوة على الضعفة شديد، مطاع لا يعرف المبدئ والمعيد.

 

فيا عجبا ومالي لا أعجب والأرض من غاش غشوم ومتصدق ظلوم، وعامل على المؤمنين بهم غير رحيم، فالله الحاكم فيما فيه تنازعنا، والقاضي بحكمه فيما شجر بيننا.

 

اللهم إنك تعلم أنه لم يكن ما كان منا تنافسا في سلطان، ولا التماسا من فضول الحطام، ولكن لنري المعالم من دينك، ونظهر الاصلاح في بلادك، ويأمن المظلومون من عبادك، ويعمل بفرائضك وسنتك وأحكامك، فإنكم إلا تنصرونا وتنصفونا قوي الظلمة عليكم، وعملوا في إطفاء نور نبيكم، وحسبنا الله وعليه توكلنا وإليه أنبنا وإليه المصير.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة