البث المباشر

ملامح طغيان عشاق السلطة المطلقة

الخميس 24 يناير 2019 - 19:24 بتوقيت طهران

الحلقة 57

مستمعينا الكرام السلام عليكم. شهدت الحياة السياسية في تاريخ المسلمين سلسلة متصلة من الحكام الذين اختاروا النهج الاستبدادي في الحكم فظهروا بصورة الطاغية، صغيراً كان ام كبيراً والملاحظ في امر هؤلاء الطواغيت انهم يلجئون الى اسلوب المراوغة والتلبس بالمعاني الدينية ليضمنوا تأييد العامة وليسحبوا البساط من تحت كل معارض حقيقي يثأر لحقائق الدين وقيمه العادله وانها لطويلة قائمة حكام بني امية وبني العباس الذين سرقوا الحكم الاسلامي من اهله الذين هم احقوا به ونكلوا بأهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) الذين جعلهم الله تعالى ائمة للناس بالحق يسوسونهم نحو حقائق التوحيد ويقودونهم نحو الحياة الانسانية الكريمة وهكذا كان الائمة من اهل البيت (عليهم السلام) يقتلون واحداً بعد واحد ويطارد اتباعهم واشياعهم الملتزمون بحظهم حتى قالوا «مامنا الا مسموم او مقتول».
عزيزي المستمع ان الحاكم الطاغية يلجأ الى كل وسيلة من اجل ان يحكم الحكم الفردي المستبد فلا يسمح لرأي او موقف او معارضة مدعياً ظلماً واغتصاباً انه ظل الله في الارض فلا تجوز مناقشته او الاعتراض عليه وقد رأينا في لقاءنا الماضي ان الطاغية الاموي عبد الملك بن مروان قد حرم على الناس ان يتكلموا بمحضره تماماً كما كان فرعون يفعل، وقد حذى النموذج العباس حذوا النموذج الاموي في الظلم والتجبر والطغيان فقد كان ابو العباس السفاح اول حكام نبي العباس ومن لقبه السفاح نعرف اعماله ومآثره، بويع في الكوفة عام ۱۳۲ للهجرة فوقف خطيباً يقول للناس استعدوا فأنا السفاح المبيح والثائر المبير، ولم يستمر حكم السفاح سوى اربع سنين وتسعة اشهر واستولى على السلطة من بعده اخوه ابو جعفر الدوانيقي الذي تلقب بالمنصور لانه اباد رجال العلويين وقمع تحركاتهم الناهضة للظلم والاستبداد وقال عنه السيوطي في تاريخ الخلفاء «انه قتل خلقاً كثيراً حتى استقام ملكه وكان مولد المنصور في السنة التي هلك فيها الطاغية السفاح الحجاج بن يوسف الثقفي فكأنه كلما مات طاغية ولد في اثره من هو اعتى منه واشد فساداً وبطشاً بالعباد».
كيف استهل المنصور خلافته؟ كان اول ما فعل ان قتل ابا مسلم الخراساني صاحب دعوتهم وممهد مملكتهم ثم قتل الاخوين محمد وابراهيم ابني عبد الله بن الحسن بن الحسين بن علي بن ابي طالب (عليهم السلام) وجماعة‌ كثيرة من آل البيت، وقف الدوانيقي يوم عرفة خطيباً يحدد برنامجه السياسي فقال: «ايها الناس انما انا سلطان الله في ارضه اسوسكم بتوفيقه وتسديده وتأييده وانا حارسه على ماله اعمل فيه بمشيئته وارادته واعطيه بأذنه فقد جعلني الله عليه قفلاً، إذا شاء الله ان يفتحني فتحني لاعطاءكم وإذا شاء ان يقفلني عليه اقفلتي» واتصف ابو جعفر الدوانيقي بميله الى سفك الدماء، ويتصف ايضاً بغدره بمن آمنه، فقد سجل له التاريخ عذراً كثيراً ابرزه عذره بأبن هبيرة وقد اعطاه الامان وعذره بعمه عبد الله بن علي بعد ان آمنه وعذره بأبي مسلم الخراساني بعد ان طمأنه وحدد في احدى خطبه برنامجه السياسي بوضوح لا لبس فيه فقال بعد ان اخذ بقائم سيفه «ان بكم داء هذا دواءه وانا ضامن لكم بشفاءه فليعتبر عبد قبل ان يعتبر به» واستمر جبروت ابو جعفر وطغيانه اكثر من عشرين عاماً وكتب في وصيته لابنه المهدي: «اني تركت لك الناس ثلاثة اصناف، فقيراً لا يرجوا الا غناك وخائفاً الا يرجوا لا منك ومسجوناً لا يرجوا الفرج الا منك».
ثم تولى ابنه المهدي الذي حكم عشر سنين فأتخذ بعد ابيه سياسة لينة قياساً الى السابق فرد معظم الاموال التي صدرت على عهد ابيه واطلق سراح السجناء السياسيين لاسيما العلويين منهم لكنه شدد على الطاعة له في اول خطبة له بعد سيطرته على الحكم قال فيها: «من طاعتنا نهبكم العافية وتحمدون العاقبة، احفظوا جناح الطاعة لمن نشر معدلته فيكم والله لا فنين عمري بين عقوبتكم والاحسان اليكم» وتولى الهادي بعد ابيه فأقام سنة واشهراً وكان فظاً غليظاً اشتهر بالشراسة وكان يحب الغناء والشراب واللهو فقرب اليه ابراهيم الموصلي المغني المشهور وابنه اسحق الموصلي واعطى ابراهيم خمسين الف دينار لانه غناه ثلاثة ابيات اطربته ولهذا كان ابراهيم يقول: «لو عاش لنا الهادي لبنينا حيطان دورنا بالذهب».
واخيراً سمت الهادي امة الخيزران وتسلط على المسلمين اخوه هارون الذي لقب نفسه زوراً وخداعاً بلقب الرشيد واخبار الرشيد هذا يطول شرحها له اخبار في اللهو والذات المحرمة والغناء، وقد شدد هارون على ائمة اهل البيت (عليهم السلام) فقتل منهم من قتل واودع اعداداً منهم السجن يجدها من يقرأ كتاب مقاتل الطالبيين.
عزيزي المستمع، في التاريخ السياسي للحكام الذين حكموا بأسم الاسلام من امويين وعباسيين تنكشف لنا عدة حقائق ينبغي التنبه لها:
الحقيقة الاولى: هي ان الفاصلة كانت تزداد اتساعاً بين واقع السلطة التي استخفت وراء اسم الاسلام وبين الحقائق الدينية الاسلامية المتصلة لطبيعة الحاكم وخصائصه حتى اختفى المعنى الاسلامي من واقع الحياة السياسية لاولئك الحكام وظل هذا المعنى قابعاً في التعاليم النظرية التي تنطوي عليها المصادر الفقهية والحديثية، ومن العجيب ان نجد واحداً من اشهر المؤلفين القدامى في المسائل المتعلقة بنظام الحكم وهو ابو الحسن الماوردي المتوفى عام ٥٤۰ للهجرة بعد ان وضع كتابه الشهير الاحكام السلطانية يوصي بعدم نشرة الا بعد وفاته وذلك خوفاً من بطش الحكام العباسيين وطغيانهم وهكذا نجد بعض الباحثين والعلماء كان يكتب في جو من الخوف والرهبة في حين كان بعضهم يكتب بدافع الزلفى والرغبة في جوائز السلطان.
الحقيقة الثانية: هي ان حرية الرأي كانت تتصل اتصالاً وثيقاً بمزاج الحاكم فمثلاً كان المنصور العباسي ضيق الصدر سياسياً يأخذ بالظنة في كل ما يتعلق بالملك ويحاسب اشد المحاسبة‌ حتى على ما توهمه في النية والضمير ويجزي على ذلك بالقتل السريع ولا يرحم خارجاً عليه ولا حتى من توسم فيه الخروج، ومن السمات الاساسية للطاغية وهذه هي:
الحقيقة الثالثة: عزيزي المستمع انه لا يكترث برضى الناس او موافقتهم على حكمه، فالمهم اجبارهم على السمع والطاعة‌ وهكذا كان حكم بني امية ابتداءاً من معاوية وابنه يزيد الى عبد الملك بن مروان والى آخر القائمة السوداء وهكذا كان حكام بني العباس ابتداءاً من السفاح والى المنصور والرشيد وسواهم من الطواغيت المردة المتجبرين.
وما البيعة الا اجراء شكلي صوري ولن يجد الناس مناسبة الا وعبروا عن كراهيتهم للحاكم اذا امنوا او اذا جازفوا حين يضيق بهم الحال.
لقي المنصور اعرابياً في الشام فقال: «احمد الله يا اعرابي الذي رفع عنكم الطاعون بولايتنا».
فقال الاعرابي: «ان الله لا يجمع علينا حشفاً وسؤ كيل، ولا يتكم والطاعون».
اعزائي المستمعين هنا تنتهي حلقة اليوم السلام عليكم ورحمة الله.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة