البث المباشر

المقامات المحمدية في كلام السيد حيدر الآملي

الخميس 24 يناير 2019 - 19:24 بتوقيت طهران

الحلقة 56

اخوتي في الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هو ذا السيد حيدر الاملي من اعلام القرن الثامن يتحدث ببصيرته، يتحدث هذه المرة عن طرف من مقامات سيد الكائنات واشرف الموجودات رسول الله محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله)، هو ذا نحن نستمع اليه من افقه العالي ليلقي الينا برشحات من سمو المعنى المحمدي العظيم، دعونا اذن مع السيد الاملي.
لولا ان النبي (صلى الله عليه وآله) في المرتبة العظيمة من الجلالة والتعظيم والتبجيل لما قال الله تعالى في حقه: «وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ» لان العظيم الاعظم سبحانه وتعالى لا يقول لاحد انه عظيم الا ويكون ذلك الشخص في غاية العظمة عنده، فأنه سبحانه العالم بالكل وهو عالم بأستعدادهم وقابليتهم ازلاً وابداً فلو كان هناك اعظم منه (صلى الله عليه وآله) بوجه من الوجوه لم يكن يقول له هذا الكلام ولم يكن يصفه بهذه الصفة وتأكيد ذلك ايضاً قوله تعالى فيه (صلى الله عليه وآله): «وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا» لان هذه اشارة الى العلوم التي وهبها الله له ازلاً لقوله (صلى الله عليه وآله): «علمت علوم الاولين والاخرين».
وقوله: «علمني ربي وادبني ربي فأحسن تعليمي واحسن تأديبي» وتسمية الله تعالى القرآن بهذا الاسم ووصفه بهذه الصفة بقوله مخاطباً له: «وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ» لم يكن الا لخصوصيته لهذه الصفة واستحقاقه لهذا الاسم، وقوله (صلى الله عليه وآله): «اوتيت جوامع الكلم وبعثت لاتمم مكارم الاخلاق» شاهد على ذلك كله لان الكلم بالاتفاق، اما اشارة الى الانبياء والرسل انفسهم فأنهم كلمات الله العليا وكتابه الاعظم واما اشارة الى مقاماتهم ومراتبهم وعلومهم وحقائقهم وعلى كلا التقديرين.
كان (صلى الله عليه وآله وسلم) جامعاً للمقامين، حاوياً للصورتين لقوله: «آدم ومن دونه تحت لوائي» وقوله: «انا سيد ولد آدم ولا فخر» وقوله: «كنت نبياً وآدم بين الماء والطين»، واقل من هذا ان تعلم انه (صلى الله عليه وآله) اعظم الموجودات والمخلوقات صورة ومعنى واشرف الانبياء والرسل مقاماً ومرتبة‌ وانه صورة الحق وخليفته، وآدم الحقيقي والانسان الكلي.
ومن هنا قال ايضاً: «من رآني فقد رأى الحق».
وقال تعالى فيه: «ما رميت اذ رميت ولكن الله رمى».
وقال: «ومن يطع الرسول فقد اطاع الله».
وقال: «فكان قاب قوسين او ادنى».
واردف السيد حيدر الاملي يواصل كلامه عن المعنى المحمدي العظيم قال: «وفضائله (صلى الله عليه وآله) اكثر من ان تحصى وعظمته اكبر من ان تلقى وما ذكرناه بعض بعض فضائله وبعض بعض ما حصل للقائل بها مع ان القائل لا يقول الا على قدر استعداده واطلاعه على فضائله واين استعداد الخلق من استعداده (صلى الله عليه وآله) وأين استحقاق اطلاعهم على فضائله من استحقاق».
وقوله تعالى: «وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ»هو عند التحقيق اشارة الى ذلك، وكل من ينكر هذه الفضائل او بعضها فهو غير عالم بمخلوقات الله تعالى ومظاهرة العلوية والسفلية، خصوصاً بالانسان وحقيقته الجامعة لجميع ذلك لقوله تعالى: «وعلم آدم الاسماء كلها».
وقوله: «وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا» فأن الانسان ونوعه له هذا المقام والشرف في الوجود ولا سيما الذي هو اصله ومنبعه ومنشأه واعظم الاشخاص واعلى الافراد والمقصود من الظهور والمطلوب من الوجود (صلى الله عليه وآله) وعلى نفسه القدسية وذاته الكاملة الملكية.
وقال ايضاً (رضوان الله عليه): الانسان من حيث النوع شريف عظيم ومن حيث الشخص رفيع جليل وليس في الانواع والاشخاص اعظم منه ولا اشرف بيد ان شرف الانسان ونوعه على باقي الانواع ليس الا بالاصل الذي هم فرعه وبالاس الذي هم بناءه وبالمركز الذي هم محيطه فأنه (صلى الله عليه وآله) اصل كل موجود وحقيقته خصوصاً الانسان فأنه اصله ومعدنه ومنبعه ومصدره.
وبناءاً على هذا فكما ان الانسان هو اشرف الانواع فكذلك يكون حال اشرف نوع الانسان فأن اشرف الاشرف يكون اشرف بالضرورة، واعظم الاعظم يكون اعظم كذلك على ما هو مقرر عند ارباب العقول بأجمعهم.
وهذا النبي الذي سبقت فضائله وشرفه قد جعله الله تعالى مظهر ذاته الجامعة للكمالات كلها وجعله مبدأ الوجود ومنتهاه ومنبع النبوة ومعدن الرسالة وخاتمها وجعله اشرف الموجودات العلوية والسفلية واعظم انواعها واشخاصها فوجب في حكمته تعالى البالغة وقوانينه الكلية بحكم علمه السابق به وبحقيقته الجامعة الكلية وجب ان يكون الكتاب النازل عليه من عنده كذلك، اعني عديم المثل والنظير من بين الكتب الالهية والصحف السماوية.
والواقع ان القرآن كذلك لانه لو لم يكن كذلك لم يكن يقول الحق تعالى في حقه: «قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا» وهذا دليل على ان القرآن عديم المثل والنظير في الكتب المنزلة السماوية المتقدمة السابقة بل في الكتب الغير منزلة اللاحقة به من حيث الامكان على تقدير التسليم به، ومن نزل عليه القرآن كذلك اي هو الذي لا يمكن ان يكون مثله في الموجودات المتقدمة السابقة والموجودات المتأخرة اللاحقه لان هذا غير ممكن لانه شخص حصر نوعه في شخصه واستحال مثله في الممكنات ازلاً وابداً فيكون كتابه كذلك وذلك لان الاتيان بمثل هذا القرآن يحتاج الى الاتصاف بمقام محمد (صلى الله عليه وآله) وبرتبته وعلومه واخلاقه وجميع فضائله من جميع الوجوه لينزل عليه مثل القرآن وهذا محال لانه اشرف الموجودات الممكنة واعلاها مقاماً ومرتبة واذا لم يكن الاتصاف بصفاته والتخلق بأخلاقه والقيام بمقامه ومراتبه لم يكن الاتيان بمثل كتابه ولا بمثل بعض كتابه ايضاً لقوله تعالى: «لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً».
ولقوله: «فأتوا بسورة من مثله» ولهذا فالقرآن واقع على سبيل المعجزة الى يوم القيامة مع جميع الناس.
وعلى الجملة ان مثل نبينا (صلى الله عليه وآله) من جميع الوجود غير ممكن وان مثل كتابه النازل عليه الذي هو القرآن كذلك لانه من مقامه ومرتبته ومن هذا نقول لو انزل الله تعالى هذا الكتاب على غيره مثلاً لكان من وضع الشيء في غير موضعه لانه ليس مستحقاً له لقلة استعداده وعدم القابلية بل عدم الامكان ومن هذا وقع النبي محمد (صلى الله عليه وآله) عديم النظير ومن هنا انزله الله جل جلاله عليه لا على غيره بحكم التناسب ورعاية العدل القويم والوضع المستقيم.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة