البث المباشر

التوبة ولقاء الله

الخميس 24 يناير 2019 - 17:18 بتوقيت طهران

الحلقة 50

ايها الاخوة السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. من القضايا المهمة في حياة الانسان ان يتنبه احدنا الى اخطاءه وتقصيره ومن الاهم ان يسارع الى التخلص من مخالفاته وذنوبه والعودة الى طريق الطاعة والاستجابة لاوامر الله تبارك وتعالى ونواهيه، هذه العودة الى الله بعد حالة ‌الاعراض هي ما اصطلح على تسميته باسم التوبة وهذه التوبة التي تعني الندم على مافات واستدراك ما بقي لها عناصر لابد من توفرها ونشير هنا الى احدها، من عناصر التوبة الصادقة يا اخي المستمع واختي المستمعة هو ان يتحمل المرء مشقة العبادة والصبر على الطاعة بعد ان كان يتذوق لذة المعصية وسكرة المخالفة، ولا شك ان متابعة هوى النفس يتضمن نوعاً من اللذة المؤقتة التي تدعو المرء الى ممارستها والعكوف عليها كما جاء في حديث رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله): «حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات» والتائب الى الله بصدق عليه ان يبرء من هذه اللذات الخادعة المحرمة التي تدمره من الداخل بدون ان يشعر وعليه ان يعوضها بما يتحمل من مصاعب الطاعة والمصابرة على العبادة، ومن البين ان الجري وراء نداء اللذة الحسية المحرمة يعني الاستجابة لهوى النفس والانقياد للذات في طلبها الشهوات ومعنى هذا ان اندفاع الانسان الى لذات النفس واهواءها هو طاعة لها واعراض عن ارادة الله عزوجل، ومن اجل ان يستعيد احدنا الموقف الصحيح لابد ان يفعل ما لا تستريح اليه النفس من المصاعب والمشقات لتكون الاستجابة لله وحده بعيداً عن الهوى ودوافع النفس وبذلك يرتفع الحجاب المظلم الذي انسدل بين العبد وربه عزوجل، يقول الامام الصادق (عليه السلام): «ولا حجاب اظلم واوحش بين العبد وبين الله من النفس والهوى» اجل يا عزيزي ان على المرء ان يسعى في التوبة ‌لردع النفس وكسر اهواءها المضلة عن طريق تحمل صعوبة‌ الطاعة والصبر على العبادة ولابد من الاشارة هنا الى ان الشعور بمرارة الطاعة وتحمل تكاليفها انما هو في مراحل السلوك الاولية وفي المراحل اللاحقة سوف يجد المرء حلاوة العبادة ولذة الطاعة ورضى الله، نقرأ للامام الصادق (عليه السلام) قوله: «طوبى لعبد جاهد لله نفسه وهواه ومن هزم جند نفسه وهواه ظفر برضى الله».
ان العناصر التي تتألف منها التوبة الصادقة عزيزي المستمع مما نلقاه في كلام الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام)، جاء في نهج البلاغة ان رجلاً قال استغفر الله وسمع الامام استغفار الرجل فعلق قائلاً: «ان الاستغفار درجة العليين وهو اسم واقع على ستة معاني اولها الندم على ما مضى والثاني العزم على ترك العود اليه ابداً والثالث ان تؤدي الى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى الله املس ليس عليك تبعة والرابع ان تعمد الى كل فريضة عليك ضيعتها فتؤدي حقها والخامس ان تعمد الى اللحم الذي نبت على السحت فتذيبه بالاحزان حتى تلصق الجلد بالعظم وينشأ بينهما لحم جديد والسادس ان تذيق الجسم الم الطاعة كما اذقته حلاوة المعصية فعند ذاك نقول استغفر الله».
التوبة من المعاصي هي يا اخي الكريم اول خطوات الطريق الصاعد الى الله تبارك وتعالى وهي مفتاح الفوز والثبات على الصراط والتوبة هي المنجية المنقذة من الهلاك الابدي وعذاب الجحيم، قال الحق جل وعلا: «ان الله يحب التوابين» وقال رسول الرحمة محمد (صلى الله عليه وآله): «التائب من الذنب كمن لا ذنب له» ولا شك ان التوبة من الامور الواجبة التي ينبغي المبادرة‌ اليها ذلك ان السعادة الحقيقية لا تكون الا في لقاء الله تعالى في دار البقاء والمحجوب عنه انما هو شقي محترق بنار الفراق في دار الخراب وان اغلظ الحجب بين العبد وربه هو حجاب اتباع الشهوات وارتكاب المحرمات لان هذا الاتباع الباطل يعبر عن الاعراض عن الله ويدل على المتابعة لعدوية الشيطان والهوى.
ان حالة‌ الاعراض عن الحق بأقتراف الخطايا والاثام تشبه حالة من تناول مادة سامة يؤدي بقاءها في الجسم الى موت محتوم فما عليه اذن الا ان يسارع فوراً الى اخراجها من جوقه إذا كان يهمه امر سلامته وحياته، ومن تساهل وتراخى كان مآله الى الموت والدمار، وسموم المعاصي يا اخي فتاكه قتالة لا تصح الغفلة عنها، وينبغي التطهر منها بالتوبة والعودة الصحيحة الى الله ومتى استحكمت المعاصي بالنفس وطال عليها الامد فربما لا ينفع المرء حينئذ ان يحتمي عنها كما لا تنفع المسموم حميته عن السموم بعد ان يكون بدنه قد تشبع بها.
وهذا كله يدعو الانسان ان يبادر الى التوبة قبل ان تعمل سموم المعاصي بروح الايمان فلا ينفع بعدها الاحتماء ويعجز بعدها تدبير الاطباء ولا يؤثر عندئذ نصح المشفقين من العلماء وعندئذ يكون الانسان مصداقاً من مصاديق قول الله عزوجل: «وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ»، «وَسَوَاء عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ» ولا ريب اخي المستمع ان احدنا يشفق كثيراً على نفسه ويحرص ان يدفع عنها في دار الدنيا كل اذى ويستجلب لها كل نفع فما باله يتساهل في ايقاع نفسه في المخاطر والمهالك الابدية، ولماذا يتهاون في علاج حالته الروحيه التي تحتاج الى معالجة سريعة فورية، ان احب الانفس الى‌ الانسان هي نفسه التي بين جنبيه فكيف سيكون حاله اذا فرط بها وتركها عرضة للامراض الفتاكة وسموم المعاصي القاتلة، نسأل الله تبارك وتعالى ان يوفقنا للتوبة الصحيحة المرضية المقبولة وان نرجع الى الله رجوعاً صادقاً لا نحدث بعده انفسنا بالعودة الى ذنب فلعل الله جل جلاله ينظر الينا نظرة رحيمة نستكمل بها الكرامة عنده انه لطيف قريب.
استودعك الله يا اخي وارجو ان نوفق في هذه الايام المباركة الي التوجه الى الله بمزيد من الصدق ومزيد من الواقعية فلعله ينثر علينا من بركاته وخيراته ومسراته ما يغسل قلوبنا وحياتنا بنوره الازلي المسعد ويكتب لنا كرامة الدنيا وسعادة الاخرة، تحية يا اخي والى القاء.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة