السلام عليكم ايها الاصدقاء ورحمة الله.
كان للمعارض التي اقيمت في القرن الماضي والحالي من عدد من العواصم الغربية حول الفن الاسلامي التراثي آثار عديدة وثمار مختلفة من بين هذه الاثار والثمار اطلاع الفنانيين والباحثين الغربيين على تجليات الفن الاسلامي التوحيدي الرائعة المدهشة مما ادى الى تبلور في النظرة الفنية لدى الغربيين وظهور الحركة التجريدية في الفن بأعتبارها التيار الاقوى في ثورة الفن الحديث وفي هذا السياق جاء معرض الفن الاسلامي في اسطنبول عام ۱۹۸۳ للميلاد والى جواره معرض آخر عنوانه «الحضارة الاناضولية» الذي اشتمل على آثار الحضارات السابقة للاسلام وقد جاء معرض اسطنبول هذا ليكون الاكثر شمولاً من المعارض السابقة والاهم والاغنى مما سيترك آثاره في اوساط الحياة الفنية الشرقية على نفس الارض التي شهدت تجليات هذا الفن المدهشة، في معرض اسطنبول نلاحظ ظاهرة لافتة للنظر، هذه الظاهرة هي ان ترتيب وتوزيع واعداد اعمال المعرض الى اجنحة واقسام وعرضها في اماكن ومتحاف هي نفسها من آثار الماضي ايضاً، ان ما تشكل موضوعاً للبحث والمناقشة اذ تقدم ولو بطريقة غير مباشرة ان هناك منهجاً في قراءه فنون الماضي، ومن هنا كان هذا الاسلوب في عرض الاثار الفنية الاسلامية يشكل وجهة نظر لوجهات النظر الكثيرة في كيفية قراءة الماضي المختلف عليه. ختم المعرض الذي يحمل عنوان الحضارة الاناضولية على قسمين كبيرين، قسم يضم الاثار العائدة الى ما قبل التاريخ المدون اي ما يقرب من عشرة الاف سنة قبل الميلاد، مروراً بالعصر الحديدي فالبرونزي فالحضارة الحتية فاليونانية فالرومانية ووصولاً الى الحضارة البيزنطينية والاثار التي يشتمل عليها هذا القسم عرضت في مكان واحد هو احدى الكنائس البيزنطينية الضخمة على ارض طوبكابي، قصر البيزيطينين ومقر السلاطين العثمانيين فيما بعد قريباً من اياصوفيا، الكنيسة البيزنطينية والجامع العثماني والمتحف الحديث في الوقت الحاضر.
اما القسم الثاني من المعرض فيحمل عنوان آخر هو معرض الفنون الاسلامية ويطلق عليه في الكلمات التعريفية التي تتصدر دليل المعرض اسم «المدة السلجوقية والعثمانية الممتدة من القرن الحادي عشر الميلادي الى القرن التاسع عشر» ويتوزع هذا المعرض الى اجنحة يختص كل منها بنوع خاص من الانواع التي تشكل بمجموعها ما نسميه اليوم الفن الاسلامي وهي:
اولاً: معرض الفنون المتعلقة بالعبادات ويضم نماذج من الادوات والاشياء المستعملة خلال اداء بعض العبادات الاسلامية مثل سجادة الصلاة والحجاب والطاقيات والقناديل والاباريق والمطرزات والمفارش والمناشف.
ثانياً: معرض «الامانات المقدسة» ويحتوي على بعض الاثار العائدة الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) والى الخلفاء من بعده، التي تذكر بصدر الاسلام ايام الهجرة المقدسة.
ثالثاً: معرض «الفنون العمرانية الاسلامية» ويشتمل هذا الجناح على نماذج من الفن العماري الاسلامي الذي استعمل فيه الحجر والطوب كمادة تشكيلية ويضم صوراً لاشهر الاثار العمارية في الدول الاسلامية الاخرى.
رابعاً: معرض «فن الخزف الاسلامي والسيراميك العصري» وفيه نماذج من الخزف الذي كان يزين به المباني الاسلامية من الداخل او من الخارج.
خامساً: معرض «السجاد والبسط» ويضم مجموعات من روائع السجاد والبسط التي يرجع تاريخها الى عدة قرون مما كان محفوظاً في اسطنبول ومتاحفها.
سادساً: معرض «الفنون المعدنية والخشبية الاسلامية» ويحتوي على نماذج من الاثار المعدنية والخشبية التي كانت بمثابة ادوات يستعملها المرء في بيته من اباريق وصحون وابواب وطاولات.
سابعاً: «معرض فن الخط والمخطوطات والمنمنمات والفرمانات السلطانية» وفي هذا الجناح نماذج من فن الخط العربي لاشهر الخطاطين الذين عرفهم فن الخط في تاريخه الطويل، اي من خط الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) مروراً بخط ابن مقلة وابن البواب الى ياقوت المستعصمي الى قرة الحصاري الى الحافظ عثمان الى حامد الامدي ويضم مجموعة رائعة من المصاحف المذهبة والمزينة والمجلدة ومجموعة لا اجمل منها ولا ابدع من اندر المخطوطات العربية الشهيرة التي تعد من امهات الكتب العربية التراثية مع مجموعة كبيرة من المنمنمات التي كانت تزين بعض هذه المخطوطات ومجموعة من الفرمانات التي كانت تحمل اوامر السلطان.
هكذا يا اخي يبدو هذا الترتيب في توزيع هذه الاثار والاعمال منهجاً في القراءة، الاثار الحثية واليونانية والرومانية والبيزيطينية تتوزع بحسب المراحل التاريخية المتعاقبة مما يمكن المرء بسهولة ويسر من تحديد كل مرحلة من خلال خصائصها ومزاياها الفنية البارزة، في حين وهذا هو بيت القصيد، نجد الاثار والاعمال الفنية الاسلامية تتوزع على الرغم من الاشارة الى المدة السلجوقية والعثمانية تتوزع على شكل آخر ومنهج متفاوت عن القسم الاول من المعرض، فلا مراحل هنا تأخذ بالتعاقب الزمني او بتعاقب السلطات الحاكمة واصولها الاجتماعية والتاريخية بل تتوزع آثار الفن الاسلامي في هذا المعرض على طباق انواعها ووظائفها، ان هذا الاختلاف في ترتيب عرض آثار واعمال المعرض هو في نفسه يشكل مدخلاً للوقوف على الخصائص الجوهريةللفن الاسلامي من جانب ويسهل من ثمة فتح باب المقارنة بين الفنون الصادرة عن الحضارات اللاحقة والسابقة من جانب آخر نحن اذن بأزاء هذا التقسيم، نقف بالضرورة بقبالة اهداف مختلفة سبق ان تجلت في الاثار التي تركها لنا الماضي كثروة عظيمة، فإذا كانت فنون ما قبل التاريخ وفنون الحضارات الاخرى التي تعاقبت على ارض الاناضول من رومانية ويونانية وييزيطينية التي تعرفها وتحتفظ بعدة منها ارض لبنان وفلسطين وسوريا والعراق فنوناً تمتاز في شهاداتها وفي رؤاها للانسان والعالم وفنوناً تروي بقوة يوميات وهموماً واخباراً من هذه الشعوب فأن الفن الاسلامي من اول اثر له الى آخر اثر له في القرن التاسع عشر يشهد شهادة اخرى مختلفة ويمتاز برؤية خاصة للانسان والعالم، ان الفن الاسلامي لم يهتم هنا بالانسان كحادثة او خبر او صفة او سمة انسانية او مشاعر او افكار فأنه اهتم بالانسان كجزء من الكون واهتم بالكون كجزء من الوجود بأعتباره ظهوراً للغيب ثم عاد فجمع جمعاً مدهشاً بين الفن والحياة فقدم الفن تجلياته لتكون الحياة اكثر بهجة واصفى رونقاً واوفر جمالاً واروع تسبيحاً وشكراً.
من الوجهة التاريخية تجمع معارض اسطنبول من الفنون الاسلامية الاثار الفنية التي تحققت بين القرن الحادي عشر والقرن التاسع عشر اي تجمع بين آثار السلاجقة والعثمانيين، ربما استطعنا هنا الوقوف عند الخصائص او بعض السمات التي تعود الى المرحلة السلجوقية والسمات التي تعود الى المرحلة العثمانية بيد ان هذه الفروق والاختلافات تظل واهية وغير جوهرية فلا الهندسة العمارية السلجوقية ولا اساليب السيراميك والخزف ولا حتى اساليب الخط العربي او اساليب السجاد تتناقض والهندسة العمارية العثمانية تناقضاً جوهرياً بل ان الاثنين كليهما اي السمات والخصائص السلجوقية والعثمانية تلتقي في السمات والخصائص الجوهرية للفن الاسلامي المتجلي منذ العصور الاولى وفي كل المناطق الجغرافية التي عرفتها الحضارة الاسلامية خلال اكثر من الف عام اذا اضفينا مثلاً على السلاجقة خصوصية ما في الخط العربي الذي التزم الخط الكوفي او اعطينا خصوصية مميزة للسيراميك السلجوقي الذي عرف بعض الاشكال الانسانية والحيوانية فأن اختفاء الصور الانسانية في آثار السيراميك العثمانية وبروز اشكال الازهار المأسلبة والاخذ بشتى اساليب الخطوط والميل الى الزخزفة ذات الخطوط المنحنية والمقوسة ترتد جميعاً لتظل قائمة في ضمن الحدود والمباديء الجوهرية للفن الاسلامي اي تظل هذه الاثار الفنية السلجوقية والعثمانية عند رفض نظرية المحاكاة الطبيعة وضمن تجاهل البعد الثالث بعد العمق ومن هنا فأن السمات الجوهرية في كل من هاتين المرحلتين هي نفسها السمات او الخصائص التي يتميز بها الفن الاسلامي من فنون الحضارات الاخرى اي التجريد والتسطيح والهندسية والوظيفية والجمالية الفلسفية والسلام عليكم ورحمة الله.
*******