البث المباشر

العناصر الجمالية في الفن الاسلامي

الأربعاء 23 يناير 2019 - 10:49 بتوقيت طهران

الحلقة 4

السلام عليكم ايها الاصدقاء الاعزاء، في الحديث عن الفن الاسلامي يبرز هذا السؤال، ترى ما هي العناصر الجمالية التي توحد هذا الفن وتصهر عناصره ومظاهره في سمات واحدة، وهذه من القضايا الفنية التي ما تزال مثيرة للجدل في اوساط الباحثين والنقاد حول الفن الاسلامي، ذلك انه وهذه مسألة مسلمة لدى‌ الجميع لابد ان تكون ثمة سمات متميزة تؤكد وحدة هذا الفن على الرغم من تعدد انواعه وتعدد انتماءه الجغرافي، يجيء الحذر من الايمان بهذه الوحدة الموحدة لمظاهر الفن الاسلامي لدى الباحثين والنقاد من مسألة مهمة قد غفلوا عنها الا وهي غياب الربط لديهم بين الرؤية الدينية الاسلامية وبين تجليات هذا الفن التي هي بمنزلة الترجمة الظهورية لهذه الرؤية، انه لاريب في ان الرؤية الاسلامية تفي فهم الانسان والعالم هي مصدر هذه الوحدة من جهة المبدأ بيد ان الاعتراف بهذه الحقيقة والتحقق منها من خلال العناصر الجمالية والفنية الخالصة يبدو امراً صعباً وغير معتاد ذلك انه يشترط اساساً مجموعة من المواقف النقدية المبدئية، كالاعتراف بالعلاقة المتميزة والخاصة بين الدين الاسلامي وبين الفن الاسلامي، بأعتبار هذا الفن وسيلة لشرح مضمون الاسلام وتعريفه في معالمه الكبرى وبأعتبار العناصر الفنية تجليات لحقائق ومباديء ونظم قال بها الدين او اشار اليها على انها حقائق ثابتة من حقائق الوجود.
ترى ماذا يعني هذا؟ وماذا يفهمنا؟ ان البحث عن السمات الموحدة لهذا الفن يشترط اذن الاخذ بمنطق التوحيد العقيدي نفسه، اي ينبغي ان لاتقف ازاء مظاهر الفن الاسلامي على انها الغاية التي ماوراءها عمق ولا سر بل لابد من التأمل في هذه المظاهر على انها وجه من اوجه الحقيقة وبأعتبارها جزءاً يشكل مع باطنه ومع ما خفي منه وحدة وهذه الوحدة هي ايضاً تؤلف من ظاهرها وباطنها الخفي جزءاً من حقيقة اكبر ووجهاً من حقيقة اشمل وهكذا يكون الانتقال من مستوى الى مستوى ومن مقام الى مقام في دائرة تعقبها دائرة اوسع ثم اخرى اوسع منها وهكذا وهذا الفن في كل مستوياته تلك وكل مقاماته انما يستمد جوهره من المبدأ التوحيدي العظيم القائل «ان الحق جل وعلا واحد احد لكنه متعدد التجليات متعدد الظهورات في العالم».
يستطيع المتذوق للفن الاسلامي من جهة اخرى الوقوف ازاء اكثر من سمة‌ او اكثر من عنصر وان يعتبر ذلك واحداً من السمات المتميزة الموحدة لهذا الفن، على سبيل المثال يمكننا الانطلاق يا اخي من التجريد او الخصائص التجريدية للفن الاسلامي والنظر اليها على انها سمة متفردة والتجريدية في هذا الفن ولهذا مجال بحث مفصل، تجريدية خاصة به، مختلفة عن التجريدية التي عرفتها الفنون السابقة له واللاحقة به كتجريدية‌ الفن الحديث وفي السمات المميزة للفن الاسلامي تمكن الاشارة ايضاً الى نزعة هذا الفن في الغاء نظرية المحاكاة، اي محاكاة الطبيعة كما حددها ارسطو من قبل واعتماد مسألة المنظور التي انعكست في الفن الاسلامي بأهمال البعد الثالث والاكتفاء ببعد الطول والعرض، هذه السمة وان برزت او تحققت في فنون سابقة او فنون لاحقة فأنها قد حققت في الفن الاسلامي تحققاً مبدئياً، تجلى في الاساليب والتقنيات على الرغم من تعددها وتنوعها.
والزخرفة هي كذلك من هذه السمات فأنه لم يعرف فن كالفن الاسلامي زخرفة تعتمد الهندسة الرياضية كمنطلقات ثابتة، اما الخط العربي فأنه يعد واحدة من هذه السمات لكونه فناً سرعان ما استقل بذاته واقام له صرحاً جمالياً خاصاً به، تفرد به من بين الفنون وقد رفع الفن الاسلامي الخط ايضاً الى مرتبة فنية عالية وكذلك يمكن الحديث بوظيفة الفن الاسلامي كسمة من السمات الموحدة لانواع هذا الفن وانتماءاته الجغرافية او سمة‌ مميزة له من بين الفنون الاخرى لالتزامها صفة اساسية وجوهرية، هذه العناصر او هذه السمات تصح على انفرادها وتصح ايضاً بأجتماعها ككل موحد ومتميز وما ينبغي ان نشير اليه هنا هو ان ما يميز هذه العناصر ويفردها عن تجلياتها في فنون اخرى هو تحققها في الفن الاسلامي بمنطق جمالي وفلسفي واحد وهكذا فأن السمة التي توحد الفن الاسلامي في تنوعة وانتماءاته الجغرافية هي منطقه الجمالي الموحد الذي ينبغ اساساً من عقيدة التوحيد نفسها.
على رغم من تعدد انواع الفن الاسلامي عمارة‌ وخطاً ونسيجاً وزخرفة ورسماً وحفراً فان العناصر الفنية التي صاغ منها هذا الفن لغته الجمالية المبدعة على مدى قرون هي عناصر قليلة جداً، تكرر نفسها في كل نوع فلا يبقى لهذا الفن بعد غياب الفنان منه والموضوع والحدث غير الشكل المجرد وهذا يؤدي بنا الى السمة الاولى من سمات الفن الاسلامي وهي التجريدية، هذا الشكل إذا تأملناه ملياً وجدنا انه شكل يقوم على عنصرين فقط ذلك انه يتألف من الخط المستقيم والخط المنحني او القوس اي الخيط والرمي على حسب اللغة الفنية التراثية، الخيط هو الشكل الهندسي الذي يضم اليه كل الاشكال الهندسية من الزاوية الى المثلث الى المربع الى المستطيل الى الدائرة والرمي هو الخط المنحني الذي يضم اليه كل الاشكال التي تتداخل وتتقاطع لتملأ المساحات التي تحددها الخطوط الهندسية المستقيمة والذي يوحي الى انه شكل لزهرة او لورقة او لقوس او لسحابة، سيتكرر الخيط والرمي في كل انواع الخط الاسلامي بما فيه العمارة والنسيج حتى في الخط والرسم، فالعمارة الاسلامية تتألف في عناصرها الجمالية من الخط المستقيم الهندسي الذي يحدد بدقة غرفها المربعة او المستطيلة او الدائرية ومن الحظ المنحني الذي يرسم بدقة كذلك انحناء اقواس ابوابها ونوافذها وانحناء قبابها واستدارتها وسنجد بكل وضوح ان الخيط والرمي هما العنصران الوحيدان اللذان يؤلفان خصائص جمالية هذه العمارة، سواء وقفنا عند زحزفة الجدران او السقوف او ارض الغرف والممرات فالحفر والنقش او الرقش على الحجر او الخشب او النحاس او الخزف انما يقوم على الجمع بين هذين العنصرين اي الجمع بين الخط الهندسي المستقيم والخط المنحني، هكذا تبتدى مزية التجديد في الفن الاسلامي اما سائر مزاياه التي يتفرد بها فهي مما سنلتقي للحديث به في الممرات والمرات القادمة ان شاء الله.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة