وصنع 6 أشقاء الحدث في "ملعب فلسطين" بغزة، الذي احتضن حفل تكريم الرياضيين الحفظة، وسرعان ما انتقل الاحتفاء بهم من الملعب إلى منصات التواصل، حيث انتشرت صورهم برفقة والديهم على نطاق واسع، مع كلمات مؤثرة تشيد بهذه الأسرة وتدعو للاقتداء بها.
والأقمار القرآنية، وصف أطلق على الأشقاء الستة: سلمى وهند وإبراهيم وسارة وجنة وأحمد، أولاد طارق اسليم، ليكتمل بهم عقد حفظة هذه الأسرة، فقد سبقهم شقيقهم السابع محمد بإتمام حفظ القرآن الكريم.
أسرة قرآنية
ومهّد والد هؤلاء الأقمار، المهندس طارق اسليم، الطريق لهم مبكراً، ووفر لهم كل سبل التحفيز والتشجيع لخوض هذه الرحلة مع القرآن الكريم، وأوضح بالقول: "أحفظ أجزاء من القرآن منذ الصغر، ولم أحظى بنعمة حفظه كاملاً، واجتهدت أن أعوّض ذلك في أبنائي".
ولم ينسى اسليم "أبو محمد" وهو خبير في نظم المعلومات، الفضل لزوجته وهي صيدلانية، فيما وصل إليه أبناؤهم في رحلتهم مع القرآن.
نحو 30 عاماً مرت على ارتباط أبي محمد بزوجته، ويقول "منذ أيام زواجنا الأولى شجعتها على التعمق في القرآن تلاوة وحفظاً وإتقاناً لأحكامه (..) وبذلك ضمنت متانة الركن الأساسي للبيت، وإذا كان البيت هو مدرسة الأبناء الأولى، فإن المرأة الصالحة هي الركن الأساسي له".
وكان لذلك بالغ الأثر إيجابياً على تربية الأبناء وتنشئتهم على حبّ القرآن، بحسب أبي محمد الذي يتابع قائلاً "نحن شعب تحت الاحتلال، ولن يسترجع حقوقنا ويحرر أرضنا ويطهر مقدساتنا، إلا جيل قرآني".
وينحدر المهندس طارق من أسرة لاجئة من قرية "بيت محسير" قضاء مدينة القدس المحتلة، وقد ولد وترعرع خارج فلسطين، حتى قرر بإرادته العودة بمفرده إلى غزة عام 1994، بتصريح زيارة مؤقت كانت تصدره سلطات الاحتلال آنذاك لمن يطلق عليهم "النازحون" ممن لا يمتلكون بطاقات هوية شخصية فلسطينية، وقرر البقاء والاستقرار، ليحقق -برأيه- "العودة المبدئية لفلسطين من بوابة غزة".
ويقول أبو محمد، وهو يقطن حاليا في مخيم الشاطئ للاجئين بمدينة غزة، "أنا من المؤمنين بالهجرة إلى فلسطين وليس إلى خارجها".
دين ودنيا
ووجد أبو محمد أثراً إيجابياً لحفظ القرآن على أبنائه في تعليمهم المدرسي والجامعي، ويقول إنه اعتمد معهم منهجية التزامن بين الانضباط في مراكز تحفيظ القرآن، والالتزام بالتعليم من دون توقف، "ولله الحمد أنهم جميعاً من المتفوقين في مدارسهم وجامعاتهم".
وقد تخرجت سلمى ومحمد من كلية هندسة الحاسوب، وتوشك هند على التخرج من الكلية نفسها، بينما إبراهيم في سنته الدراسية الثالثة في التخصص ذاته، وسارة في الصف العاشر، وجنة في السابع، والأصغر أحمد في الخامس الابتدائي.
ويقول أحمد بفخر، وكان يجلس إلى يسار والده مبديا الكثير من التركيز والاهتمام بما يدور خلال الحوار، "أنا الأصغر بين إخوتي حفظاً للقرآن".
وأتمّ أحمد الحفظ قبل بلوغه العاشرة من عمره، وهو بالإضافة إلى ذلك متفوق في دراسته، ويتحدث العربية الفصحى، ويتقن الإنجليزية، ويمارس "الكاراتيه" ويهوى كرة القدم.
وهنا تدخل والده، وقال "كل الأبناء يجيدون اللغتين العربية والإنجليزية (..) وحتى البنات يمارسن الرياضة، الكاراتيه وكرة السلة، والأولاد يمارسون السباحة ورياضات مختلفة، وبعضهم يبدع في الشطرنج وأبرزهم إبراهيم".
وقال أحمد إنه توّج بالمركز الأول في بطولة محلية للكاراتيه على مستوى قطاع غزة.
وتابع أحمد على مدار الأسبوع الماضي الأحداث التي رافقت اقتحام مستوطنين يهود المسجد الأقصى المبارك، وقال "كنت أشعر بالفخر لشجاعة المرابطين في صد اليهود وحماية الأقصى، وتمنيت لو أنني كنت معهم مرابطاً مدافعاً عن أولى القبلتين".
ننتصر بالقرآن
وعلى حداثة عمره، فإن إبراهيم يبدي إيماناً عميقاً بأنه "كلما اقتربنا من الدين يقترب النصر، ويعجل ذلك من زوال الاحتلال".
واستغرقت رحلة إبراهيم مع حفظ القرآن نحو 3 أعوام، ويقول للجزيرة نت "الطريق واضحة المعالم، وكما انتصر جيل الصحابة بالقرآن، وحققوا الفتوحات العظيمة، فإن النصر سيكون حليفنا إن اقتفينا آثارهم".
وينصح إبراهيم المقبلين على خوض رحلتهم مع القرآن بمبدأي "الفهم والحفظ"، وقال إن "فهم معاني القرآن تساعد على سهولة حفظه وتثبيته وتطبيقه في الواقع والحياة".
هذا الفهم لهذه الأسرة في غزة، دفع سارة - وكانت في التاسعة من عمرها - عند رؤيتها إسرائيليين لأول مرة، خلال زيارة رفقة والدها إلى قرية "بيت محسير"، إلى سؤاله ببراءة "من هؤلاء؟"، وعندما جاءتها الإجابة "إنهم يهود"، ردت بعفوية واستهجان "وماذا يفعلون على أرضنا؟!".
ويقول إبراهيم "إسرائيل لا تمتلك مقومات البقاء كدولة على أرضنا ووسط محيطنا العربي الإسلامي، وزوالها رهن بأن ننصر الله ليتحقق لنا وعده بالنصر والتمكين".
احتفاء واسع
وتداول نشطاء على منصات التواصل الاجتماعي صورا لهذه الأسرة، مع كيل المديح والثناء عليها، والدعوة إلى الاقتداء بها نموذجا للأسرة السليمة الصالحة.
وعلى صفحته الشخصية في موقع "فيسبوك"، نشر أستاذ التاريخ الداعية نادر أبو شرخ صورة للأسرة، وأرفقها بأسماء الأشقاء الستة، وكتب "ما شاء الله، نموذج فلسطيني غزاوي نفتخر به".
وقال أبو شرخ : "بمثل هؤلاء نزداد أملاً بالنصر والتحرير". وأشاد بوالديهم، وحث أولياء الأمور على الاقتداء بأسرة اسليم، والمساهمة فيما وصفه "ببناء جيل مسلم وإعداده لمرحلة التحرير".
وقال أبو شرخ إن في تشجيع الأبناء على حفظ القرآن الكريم منافع في الدنيا والآخرة، فالقرآن يحفظ صاحبه من الشرور والفتن، ويشفع له ويشفّعه في أهله، ويلبس حافظه تاج وحلة الكرامة، ويلبس الحافظ والديه تاج الوقار يوم القيامة.