ومنذ اربعة عقود، كانت السمة الابرز التي يمكن استنتاجها بسهولة للسياسة الايرانية الدعم المطلق والثابت للقضية الفلسطينية بكافة ابعادها. ان على مستوى الدعم العسكري لفصائل المقاومة الفلسطينية بمختلف اطيافها وتوجهاتها، او على مستوى دعم النضال الشعبي الفلسطيني، ومعه ايضا دعم الشعب الفلسطيني بمختلف الاشكال لتعزيز صموده في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي وسياساته وجرائمه.
لكن وعلى مر السنوات الاربعين تعرضت العلاقة بين ايران والمقاومة الفلسطينية لمطبات وعقبات بعضها نتيجة سياسات ومخططات مباشرة من قبل اطراف اقليمية ودولية، وبعضها الاخر كان ضمن ارهاصات سياسات معينة شهدتها المنطقة والقت بثقلها على هذه العلاقة.
بداية لا يمكن انكار ان ما سمي بالربيع العربي الذي بدأ قبل ثمانية اعوام القى بتبعاته على العلاقة بين ايران وفصائل المقاومة الفلسطينية، لا سيما الحرب على سوريا حيث يمكن القول ان المقاومة الفلسطينية او بعض فصائلها لم تستطع التعامل مع هذه القضية خارج الاطار العربي ما القى بتبعات غير محمودة على العلاقة ككل. لكن ما اثبتته الايام هو ان هذه العلاقة كانت متينة لدرجة انها تخطت مطب الربيع العربي والحرب على سوريا خصوصا، ويمكن هنا ارجاع القسم الاكبر من الفضل الى الموقف الثابت لايران المبني على دعم القضية الفلسطينية.
الامر الثاني يتعلق بسياسات ومشاريع اقليمية ودوية استهدفت وتستهدف ايران في المقام الاول لانها الداعم الاول والاهم والاثبت للمقاومة والقضية الفلسطينية. وكثير من المخططات الاميركية تحديدا كانت مبنية على استهداف طهران فقط لانها تدعم المقاومة الفلسطينية. وهذا شكل تحديا بشكل او باخر لفصائل المقاومة كون هذه المشاريع كانت بمشاركة اطراف عربية لها ارتباط معين بالقضية الفلسطينية (بغض النظر عن انه ارتباط سلبي لا ايجابي)، لكن هنا يمكن القول ان مرونة التعاطي الايراني مع هذه القضية لاسيما وان دعم طهران للمقاومة والشعب في فلسطين لم يبن على مصالح خاصة او لتحقيق مكتسبات خاصة او حتى لفرض اجندة معينة. فالحروب التي خاضتها المقاومة مع الاحتلال الاسرائيلي لم تكن المقاومة التي بداتها ولم تكن ايران التي طلبت شنها، بل كانت كلها تحت عنوان العدوان الاسرائيلي وهو ما يثبت ان كيان الاحتلال هو الذي بدأ هذه المعارك.
كما ان اهم المشاريع التي استهدفت ايران والمتمثلة باجراءات الحظر ضدها لم تتخذ في اطارها ايران اي سياسة تصب في خانة فرض اجندات معينة على المقاومة. بل على العكس كل هذه الاستهدافات كانت بسبب دعم ايران غير المشروط للقضية الفلسطينية.
ولتبيان اهمية هذه العلاقة اكثر، يمكن ان نلقي الضوء على زيارة وفد حركة الجهاد الاسلامي وحركة حماس الى طهران. زيارة تاتي في ظل واقع يروج له بقوة تحت عنوان "صفقة ترامب" والتطبيع مع الاحتلال الاسرائيلي والتلهف العربي لترويج هذا التطبيع لدى الشعوب. حيث ذهب البعض الى حد التسليم بهذا المشروع واعتبار ان المقاومة عليها التسليم ايضا كونها اصبحت وحيدة في مواجهة المد التطبيعي العربي مع الاحتلال، لكن زيارة وفدي حماس والجهاد وغيرها من الاشارات تؤكد ان العلاقة تاسست على ارضية قوية، قد لا يمكن القول انها ستحقق اهدافها في وقت قصير، لكن المؤكد انها لن تنتهي نتيجة مشاريع وسيناريوهات غربية وعربية ترسم للقضية الفلسطينية، ومواجهة خانيونس قبل اكثر من شهر في غزة دليل على هذا الواقع.
حسين الموسوي / العالم